جاء ذلك في بيان جمهورية مصر العربية في النقاش رفيع المستوى للدورة الـ 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة والذي ألقاه الدكتور بدر عبدالعاطي وزير الخارجية والهجرة والمصريين في الخارج.

وقال وزير الخارجية إنه يتوجه من هذا المنبر الموقر في ظرف دقيق ووسط أزمات مركبة تعصف بمنطقة الشرق الأوسط والعالم, حاملا رؤية مصر المتأصلة في التاريخ والمتوجهة صوب للمستقبل, التي عركت التحديات والحروب واتخذت السلام والعدل والعمل منهاجا لبناء إقليم وعالم يسع الجميع بحرية وكرامة وعدل.

وأضاف “أخاطبكم باسم دولة مؤسسة للأمم المتحدة, يدرك القاصي والداني دورها في بناء الجسور ونسج التوافقات الدولية والدفاع عن مصالح نطاقاتها العربية والإفريقية والنامية”.، مشددا على أن إيماننا راسخ بأهمية الحفاظ على منظومة فعالة متعددة الأطراف لبناء علاقات دولية مستقرة قائمة على احترام القانون الدولي ونشر السلام والتعاون.

وأوضح أنه من هذا المنطلق, نجد لزاما علينا أن ندق ناقوس الخطر في الظرف الدولي الراهن, فالمنظومة الدولية التي تأسست منذ ما يقرب من ثمانية عقود, باتت تواجه خللا جوهريا قد يفضي لتآكلها ويهدد بقاءها بفعل غياب الفعالية وانعدام المساواة وتفشي المعايير المزدوجة.

وأشار وزير الخارجية إلى أن الأجيال الشابة حول العالم تطرح استفسارات مشروعة عن جدوى المنظومة الدولية متعددة الأطراف ومردودها على حياة الإنسان المعاصر.. “هل توفر له الأمن؟ هل تساعده في مواجهة الفقر والجوع ؟. هل تحميه من مخاطر تغير المناخ؟ .. هل تتيح له المعرفة وتعده للتعامل مع آفاق التكنولوجيا المتطورة؟.. هل تتدخل لإنقاذه في مواجهة الاحتلال والإرهاب والقتل والتدمير؟ هل تطبق معايير موحدة وشفافة وتكيل بنفس المكيال في جميع القضايا؟”.

وأضاف الوزير “إزاء هذا, وفي ظل ما شهدته تحضيرات “قمة المستقبل” من أسئلة مشروعة مماثلة, وما انتهت إليه القمة من نتائج إيجابية نرحب بها لما مثلته من خطوة صحيحة صوب استعادة حيوية وفعالية المنظومة متعددة الأطراف وفي القلب منها الأمم المتحدة, نطرح رؤية محددة لاستعادة الثقة والمصداقية ومواجهة المعايير المزدوجة, وتصورا للمزيد من تنشيط المنظومة الأممية وتعزيز قدرتها في بناء مستقبل أفضل لشعوبنا, وذلك من خلال خمسة مبادئ أساسية.

وأشار في هذا الصدد إلى أنه ومع التسليم بأنه لا بديل عن المنظومة الأممية متعددة الأطراف, وأن تحديات عالمنا المتشابكة والعابرة للحدود تفوق قدرات أي دولة منفردة أو مجموعة من الدول على مواجهتها, فلا مفر من الاعتراف بأن نزاهة الأمم المتحدة, ومن ثم شرعيتها وبقائها, باتت على المحك.

وقال الوزير إن العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة لحوالي العام والعدوان على الضفة الغربية, يمثل وصمة عار حقيقية على جبين المجتمع الدولي ومؤسساته العاجزة عن ممارسة الحد الأدنى من الجهد والضغط لوقف هذا العدوان الذي خلف كارثة إنسانية كاملة في قطاع غزة, واحتاج المجتمع الدولي لأشهر طويلة لكي يبدأ في مجرد المطالبة بوقف العدوان.

وأضاف أننا ندين بشدة التصعيد الإسرائيلي الخطير والذي لا يعرف حدودا, بما يجر المنطقة إلى حافة الهاوية.. لافتا إلى أن مصر تؤكد رفضها التام وإدانتها الكاملة للعدوان الإسرائيلي الراهن على لبنان الشقيق الذي يشكل انتهاكا صارخا لسيادته ووحدته وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي.

وأشار وزير الخارجية الى أن مصر بذلت جهودا مكثفة للوساطة بالتعاون مع الأشقاء في قطر ومع الولايات المتحدة, إلا أن إسرائيل عرقلت هذه الجهود على مدار عدة أشهر لوقف إطلاق النار والنفاذ الكامل للمساعدات.. مؤكدا مجددا على أن إقامة دولة فلسطينية موحدة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية يظل هو السبيل الوحيد للحل العادل والشامل, الذي يعيد الاستقرار للمنطقة والعالم, باعتبارها القضية المركزية ولب الصراع في المنطقة.

وأشاد بالمواقف الشجاعة لسكرتير عام الأمم المتحدة وسائر القيادات الأممية وعلى رأسهم وكالة الأونروا، مقدما التعازي في وفاة شهداء الوكالة وشهداء باقي الوكالات الأممية الذين سقطوا برصاص الاحتلال الإسرائيلي الغاشم, انطلاقا من مسئولياتهم وواجبهم في الدفاع عن القانون الدولي ووقف آلة القتل والتدمير.

وقال الدكتور بدر عبدالعاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج إن الرؤية المصرية تتضمن أيضا أن شرط المساواة هو التشارك الحقيقي – لا الشكلي – في صناعة القرار الدولي; فالمشاركة ليست منحة أو تفضلا من بعض الدول تجاه الأخرى, بل هي أساس وضمانة لاستجابة الجماعة الدولية بشكل كفء للأزمات المتتالية التي تواجه النظام الدولي, ولضمان الملكية المشتركة للقرارات الدولية .

وأضاف: ” ومن هنا, لا يمكن قبول أن تظل إفريقيا والدول العربية بلا تمثيل دائم بكافة الصلاحيات في مجلس الأمن”.. مشددا على أن مصر ستتمسك بتوافق “أزولويني” وإعلان “سرت” لرفع الظلم التاريخي الواقع على قارتنا الإفريقية.

وتابع وزير الخارجية أنه لا يمكن الحديث عن المشاركة الحقيقة دون إصلاح جذري في الهيكل المالي العالمي ومؤسسات التمويل الدولية, بما يشمل تطوير سياسات وممارسات بنوك التنمية متعددة الأطراف وتوفير التمويل الميسر للدول النامية لدعمها في مواجهة تداعيات الأزمات الدولية.. مؤكدا على دعم مصر لنداء سكرتير عام الأمم المتحدة لجعل مؤسستي “بريتون وودز” أكثر عدالة وإنصافا لصالح الدول النامية.

وشدد الدكتور عبدالعاطي على أنه لا بديل عن مقاربة شاملة لمعالجة إشكالية تنامي الديون السيادية للدول النامية, من خلال تعزيز فعالية الآليات القائمة واستحداث آليات جديدة لإدارة مستدامة لديون الدول منخفضة ومتوسطة الدخل, فضلا عن التوسع في إبرام اتفاقات مبادلة الديون بما يساهم في تحويل تحدي الديون إلى فرص لتحقيق التنمية المستدامة.

وأوضح أن العدالة الاقتصادية لن تتحقق دون إيلاء الأولوية للتنمية في إفريقيا, فدفع عجلة التنمية هو ضمانة لمنع نشوب النزاعات وتحقيق استدامة السلام. وشدد على أن مصر ستسعى من خلال رئاستها الحالية للجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات وكالة الإتحاد الإفريقي للتنمية وريادة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي لموضوعات إعادة الإعمار بعد النزاعات في القارة الإفريقية, إلى دفع عجلة التنمية من أجل تحقيق أجندة الاتحاد الإفريقي 2063.

وأكد الوزير أن السبيل لتحويل الاختلافات في الموارد بين الدول إلى ميزات نسبية لتحقيق التكامل والتعاون بدلا من إذكاء الفوارق وتعميق الهوة بين المجتمعات, هو من خلال تعزيز مبدأ المسئولية المشتركة متباينة الأعباء, الأمر الذي يتضح بشكل خاص في مواجهة تغير المناخ وحوكمة الموارد الطبيعية الشحيحة على كوكبنا.

وأوضح أن حجر الأساس لرفع مستويات التعهدات المناخية يرتبط بصورة مباشرة بشكل وحجم الدعم الدولي من التمويل والقدرات التكنولوجية المتطورة لتنفيذ الإجراءات المناخية على الأصعدة الوطنية, كما أن الملكية الوطنية للمشروعات والإجراءات تضمن التوافق بين الأولويات الداخلية وأهداف التنمية المستدامة وتحقيق التكامل بين الأبعاد البيئة والاقتصادية والاجتماعية, ويضمن ألا يكون “التحول العادل” معيقا للحق في التنمية والقضاء على الفقر.

وتابع “هذا بالتحديد كان جوهر أولوياتنا خلال مؤتمر الدول الأطراف بشرم الشيخ , وهو البوصلة الحاكمة لتحركنا الحثيث للوصول المخرجات فاعلة وعملية, يأتي على رأسها التوصل لاتفاق حول آلية تمويل الخسائر والأضرار المعاونة الدول النامية الأكثر عرضة لتغير المناخ”.

كما أكد وزير الخارجية والهجرة أن مبدأ المشاركة والمسئولية المشتركة يتلازم حكما مع رفض النهج الأحادي في إدارة قضايا الموارد الدولية وتسوية الخلافات التي تنشأ بشأنها.

وينطبق ذلك بطبيعة الحال على قضية إدارة المجاري والأنهار المائية الدولية العابرة للحدود, خاصة في ظل ظروف أزمة مائية عالمية نعاني منها بشكل خاص في مصر.

وشدد على أن مصر دولة كثيفة السكان تحيا في بيئة صحراوية قاحلة وتعتمد بشكل شبه مطلق على نهر النيل للوفاء بمواردها المائية المتجددة, ويمثل مبدأ التعاون مع دول حوض النيل الشقيقة الركن الأساسي في المقاربة المصرية للتوصل لأفضل السبل لإدارة موردنا المائي المشترك بما يحقق المنفعة للجميع وفقا لقواعد القانون الدولي لتحقيق الاستخدام المنصف والمعقول دون وقوع ضرر ذي شأن.

وأضاف “لقد سعينا ومازلنا لجذب الاستثمارات الدولية للمشروعات التنموية المتسقة مع قواعد القانون الدولي بدول حوض النيل”.

وأكد الدكتور عبدالعاطي أنه ورغم المساعي المصرية صادقة النوايا, أصرت إثيوبيا على تبني سياسة التسويف والتعنت ولي الحقائق ومحاولة فرض أمر واقع بإنشاء وتشغيل “السد الإثيوبي” بالمخالفة القواعد القانون الدولي, وبلا اكتراث بأثر ذلك على حياة الملايين في دولتي المصب مصر والسودان.

وأضاف أنه وبعد 13 عاما من التفاوض دون جدوى وفي ظل إستمرار الإجراءات الإثيوبية الأحادية في انتهاك صارخ للقانون الدولي, وبخاصة اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015 والبيان الرئاسي لمجلس الأمن لعام 2021, انتهت المفاوضات في ديسمبر 2023.

وشدد على أن مصر ستستمر في مراقبة تطورات عملية ملء وتشغيل السد الإثيوبي عن كثب, محتفظة بكل حقوقها المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة لاتخاذ كافة التدابير اللازمة دفاعا عن مصالح وبقاء شعبها.

وتابع” فمخطئ من يتوهم أن مصر ستغض الطرف أو تتسامح مع تهديد وجودي لبقائها”.