في الفترة الأخيرة، أصبح مخدر “الشابو” أحد أبرز المخدرات التي تهدد الأمن الاجتماعي والصحي في مصر، وأصبح مرتبطًا بالكثير من الحوادث المأساوية التي هزت المجتمع، بداية من حادثة “سفاح الإسماعيلية” وسفاح التجمع الخامس وحادث آخر في المنصورة عندما
أقدم شخص على قتل زوجته وأطفاله في مدينة المنصورة، وارتكب الجريمة بشكل غير عقلاني وصولا إلى أخر حادث وهو سفاح الأقصر، فنجد أن مرتكبي هذه الجرائم كانوا متعاطين لهذا المخدر الذي أصبح ينتشر بشكل مريب، رغم ارتفاع سعره بشكل كبير بحسب الروايات.
وبحسب تقرير مركز مراقبة السموم والكيمياء الطبية الشرعية بالولايات المتحدة سنة 2016م ، فإن مادة الميثامفيتامين “الشابو” هي من أكثر المواد المخدرة ارتباطاً بالجرائم، وبالفعل “الشابو” أصبح عاملًا مشتركًا بين العديد من الحوادث الجنائية في مصر، ما تم نشرها في الصحف والإعلام أو ما لم يتم نشره، مما يطرح تساؤلًا مهمًا: أين دور الدولة في مكافحة انتشار المخدرات؟ وإذا كانت الحكومة المصرية قد أطلقت حملات توعية عبر وسائل الإعلام المختلفة وفي الشوارع وخطوط ساخنة للتواصل، وأنشأت صندوق لمكافحة الإدمان.. فما الذي تقدمه بشكل حقيقي لمكافحة هذه الكارثة؟ هل هو مجرد دور إعلامي؟ وهل وصلت هذه المبادرات إلى المتعاطين بشكل مؤثر؟
من الناحية الرسمية، قد يرى البعض أن الحكومة تبذل جهودًا في مكافحة المخدرات، ومن حين لأخر نتابع أخبار الحوادث وإلقاء القبض على كبار التجار، ولكن عندما نغوص في واقع الحال، نجد أن هناك العديد من التحديات التي تجعل من هذه الجهود غير كافية، ففي الوقت الذي تتحدث فيه الدولة عن برامج علاجية ووقائية، لا نرى خطوات ملموسة للتعامل مع المدمنين.
العلاج هو الحل الوحيد للمدمن، لكن الأرقام والإحصائيات تشير إلى صعوبة الوصول إليه، كما أن سبل العلاج غير متاحة ؛فالمصحات العلاجية الخاصة تفرض أسعارًا باهظة، بينما المستشفيات الحكومية تضع المتعاطين على قوائم الانتظار لعدة أشهر، مما يترك المدمنين في حالة من العجز واليأس، ويدفعهم للعودة إلى المخدرات التي تعتبر “أرخص” من العلاج من وجهة نظرهم، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك حالات تكون خطيرة للغاية تستدعي حجزها على الفور ولم يجدوا أماكن متاحة.
المشكلة الكبرى هي غياب البدائل الفعالة، في لحظة شعور المدمن بالعجز، قد يقرر العودة إلى “السوق” أو “الديلرز” الذين يعيدونه إلى الطريق المظلم، بل ويغوونه بإعطائه كمية من المخدرات لبيعها والاستفادة من مخدر مجاني” وهنا أصبح بائع ومدمن في نفس الوقت وتحول من ضحية لمجرم في نظر القانون.
وفي حين أن أوقات الانتظار الطويلة والتي تشكل عبئًا إضافيًا على من يرغب في العلاج ويفقدهم الأمل ويضعهم مرة أخرى في قبضة أصدقاء السوء الذين يقومون بإغواء الشخص الذي يرغب في العلاج مرة أخرى، خاصة عندما تُغلق أمامه أبواب العلاج، وحتى إذا جاء دوره في قائمة الانتظار بالمستشفيات، قد يكون حينها قد فقد رغبته في العلاج أو ربما قضى عليه المخدر وانتهت حياته ودمرت أسرته بالكامل.
وفي المقابل، يخشى آخرون من تواجد الشرطة في محيط المستشفيات التي يلجؤون إليها للعلاج، مما يدفعهم إلى الهروب من العلاج أو حتى التفكير في العلاج باعتباره كارثة تهددهم، فهل هذا التصرف الغير مقبول سيجعلهم يفكرون في التعافي !.
ويبقى السؤال: ماذا قدمت الدولة المصرية للتعامل مع المدمنين؟ وهل يمكن أن يكون هناك حلول واقعية للتصدي لهذا التحدي الذي يهدد حياة الأفراد ويضر بمستقبل المجتمع؟
علاوة على ذلك، نجد أن المخدرات لا تتوقف عن الانتشار حتى في الدوائر التي يفترض بها أن تكون بيئة آمنة للمتعافين، فقد سمعت أن شوارع شهيرة بمناطق راقية بمحافظة القاهرة معروفة أنها مليئة بـ “الديلرز” فهل أنا سمعت تلك الرواية والحكومة لا تعلم!
ومن خلال تصفحي بعض جروبات الفيسبوك التي تحمل أسماء عديدة مرتبطة بالتعافي من الإدمان والتي تضم مجموعة من المتعافين أو من يحاولون التعافي، لاحظت أن بعض الأفراد يروجون لبيع المواد المخدرة علنًا ! أو شخص يسأل عن مادة وأحد الأشخاص يرد عليه برقم تليفون للتواصل معه ما يجعل العقل يكاد يختل!
أين دور الدولة من مراقبة مثل هذه الجروبات؟ لماذا لا تتخذ الحكومة إجراءات أكثر صرامة لمراقبة هذه الأنشطة غير القانونية التي تحدث على منصات التواصل الاجتماعي؟ إن غياب الرقابة الفعالة يعمق الأزمة ويجعل التعافي أمرًا صعبًا للغاية، حيث يجد المدمنون أنفسهم في دوامة من الضغوط النفسية والاجتماعية.
لعل الأوان قد حان للانتفاض ضد هذا الكابوس الذي يتسبب في خراب المجتمع، ويجب أن نطالب بدور أكثر فاعلية من الدولة ليس فقط في مكافحة المخدرات؛ بل أيضًا في تقديم الرعاية العلاجية الفعالة للمصابين.
كما أطالب الدولة المصرية بزيادة عدد المستشفيات المتخصصة في علاج الإدمان، لتوفير فرص علاجية أكثر للأشخاص الذين يعانون من هذه الآفة.
إذا كان لدينا رغبة حقيقية في مكافحة المخدرات وإنهاء انتشارها، فإن ذلك يتطلب جهدًا مشتركًا بين الدولة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام لخلق بيئة أكثر دعمًا للمصابين ووقف تدفق المخدرات إلى أيدينا.