المسرحية الغنائية “راحت عليك” لفنان الشعب سيد درويش الذى تم تقديمها فى المسرح الكبير لاتعد درة مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية ال 32 الذى أقيمت فى إطاره وإنما أيضاأهم عروض موسم الأوبرا الحالى لأنه تنقيب حقيقى عن التراث وإحياء للمسرح الغنائى المصرى الذى أزدهر فى عشرينيات القرن الماضى كما أنه ليس من الأعمال التى سبق إحيائهاعن طريق الإذاعة مثل بعض الأعمال الاخرى لسيد درويش أو غيره وإنما يقدم لأول مرة إنها عملية إحياء كاملة قام بها د. محمد عبد القادر أستاذ الغناء فى كلية تربية موسيقية الذى سبق أن قدم “البروكة” العام الماضى على مسرح الجمهورية
الفرق بين الأثنتين أن “البروكة” سبق تقديمها سواء فى المسرح أو الإذاعة أما “راحت عليك “لأول مرة وهنا تأتى أهميتها وأيضا صعوبة إعدادهاكما سوف يتضح فى السطور التالية
العمل يمثل تعاون بين كلية التربية الموسيقية وعميد تها النشيطة د. شيرين عبد اللطيف ودار الأوبرا المصرية برئاسة د. لمياء زايد ومدير مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية د. خالد داغر الذى سوف يحسب له تقديم هذا العمل ضمن عروض المهرجان..
و”راحت عليك ” قدمتها فرقة على الكسار فى 9 يونيو عام 1920عن أوبريت “المغول العظيم” للمؤلف الفرنسى أدموند أودران قام بالتعريب وكتابة الأشعار أمين صدقى(1890 – 1944) والعمل عنوانه الاصلى “راحت عليك ماتروح بقى تقشر ذرة” وتدور احداثه فى مدينة هندية يصل إليها عن طريق البحر حاوى مصر ى ىتساعده ابنته (بدر)فى العروض ويقع فى حبهاولى العهد الامير الهندى وأيضا رجل امريكى (باولو) ولكنها ترفضه وكان من عادات هذة البلادأن ولى العهد يلبس عقدا
أبيض وإذا بلغ سن الرشد ولم يتغير لونه يؤكد هذا عدم إنحرافه ويستحق إمارة البلاد ويتضح أن قصة العقد وهمية يراد بها حمايةأولياء العهد من الإنحراف وتقوم إبنة عمه (غندورة) بالتعاون مع الامريكى والوزير(زرزور) لعمل مكيدة وسرقة العقد ثم تنكشف الحيلة ويتزوج الأمير من إبنة الحاوى..
والعمل تم احيائه ولكن بمفردات العصر الحالى من الديكور والإضاءة والحركة المسرحية والتى يجب تحيتهم لأنهم فهموا تماما الفترة التاريخية فلم نجد إستعراض غير مبررفى الإضاءه والديكور ووفق فريف العمل عبد المنعم صبرى (ديكور) وياسر شعلان (إضاءة) وهالة محمود (ملابس) ومهدى السيد (إخراج ) جميعا نجحوا فى تقديم رؤية بصرية متميزة تناسب العمل وجاءت الحداثة فى تغيير المناظر التى جاءت بسيطة ومعبرة ويحسب للمخرج إنه أستثمر الإفتتاحية بمشاهد سينمائية سريعة لخصت العمل ثم جاءت السفينة المتحركة مع بداية الحوار السردى ليعلم المتفرج أن الحاوى وابنته جاءوا من مصر إلى الهند ويحسب للمخرج أيضا الحركة المسرحية المتميزة وخاصة فى المجاميع (كورال العاصمة) التابع لكلية تربية موسيقية والتى يلعب دورا هاما فى الناحية الغنائية ويمثل بطل حقيقى فى هذا العرض فى التمثيل والغناء ..
والعمل من الناحية الموسيقية والغنائيةالتى للأسف الشديد جاءت مسجلة(بلاى باك)يتضمن إفتتاحية و18 أغنية منهم اغنيتين من ألحان كامل الخلعى “يالا ياحاوى” “ومين إنت ياروحى”
والعمل لم تشتهر منه إلا أغنية و”الله تستاهل ياقلبى” أما النص السردى لم يتم العثور عليه وهنا يأتى دور د. محمد عبد القادر كما سبق ان ذكرنا الذى أتضح من خلال بحثى فى مفردات هذا العمل أنه أستعان بكل ماتوفر من مصادر سواء مدونات من جمعية سيددرويش التى يديرها حفيده محمد حسن درويش والتسجيلات التى سجلهاسيد مصطفى بصوته بدون مصاحبة موسيقية أو المدونات التى نشرت فى لجنة التراث بالمجلس الأعلى للثقافة وربما هناك مصادر اخرى توصل إليها واضح أنه جمع كل ذلك ليقدم رؤية موسيقية مقصود بها الإحياء حيث تحمل عبء السيناريو وكتابة الحوار السردى الذى لم يتم تسجيله ولم يتم العثور عليه وكان موفقا جاء حوارا يناسب الأشخاص وأيضا العصر التى انتجت فيه الرواية كما قام بتدريب المطربين على الألحان وإخراج الموسيقى والأغانى المدونة إلى النور
وكما حدث فى الرؤية البصرية نجد الرؤية الموسيقية التى عبر عنها بالتوزيع الموسيقى فراس نوح جاء حريصا على فكرة الإحياء بدون مبالغة فى التناول الموسيقى وكان واضحا فى التوزيع الأوركسترالى الذى تتضمن الحداثة بحذر وحافظ على اللحن(الميلودى) مما يؤكد أن فكرة الإحياء هى هدف د. محمد والذى يستحق عليها كل التحية حيث تم تقديم العمل كما كان فى زمنه أما الأغانى فكان معظمها على مقامات شرقية وتنوعت بين الغناء الفردى والدويتو والجماعى وقد كان هناك حسن إختيار للأصوات التى حازت على إعجاب الجماهير ونالت التصفيق من هذه الأغانى على سبيل المثال أغنية “عيدوزأطط ياواد انت وهو” واغنية “بكرة يابنتى” من أداء الحاوى الذى قام بدوره هانى عبد الناصر الذى أرى انه من أسباب نجاح هذا العمل حيث جاء أدائه جمع بين التفوق فى التمثيل والغناء حيث يمتلك صوتا لامعا قادرا على التنوع فى الاداءحريص على وضوح مخارج الألفاظ ايضا نجح أحمد عفت فى دور الامير وفى أدئه لأغانى مثل أغنية”ياسلام لو ماكنش أفهم” أوغنائه مع سمية وجدى إبنة الحاوى دويتو”مين زى مين اسعد منى ” كما تفوقت المجموعة التى لها نصيب كبير من الأغانى منها “أتفوه على كل خاين” وتفوقت ايضا صابرين النجيلى فى التمثيل والغناء فى دور غندورة ومحمد امين فى دور زرزور ومحمد حمدان فى دور الأمريكى باولو وتفوق فى تمثيل صبى الحاوى فصيح يوسف طارق وكان لحن الختام “راحت عليك” الذى وقف الجميع يشدو به ومعهم الجمهور خير ختام لهذا العمل الجرىء والذى عبر فى حواره السردى وأغانية عن فكر سيد درويش والفترة الزمنية التى تم إنتاجه فيها..
وكلمة أخيرة للدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة الذى شهد جزء من العرض مطلوب أن يقدم هذا العرض بمصاحبة موسيقية وأن تمتد العروض عدة أيام وهذا ليس جديدا على دار الأوبرا فقد سبق أن قدمت لدرويش “شهر زاد” وأوبريت “ليلة من ألف ليلة” لأحمد صدقى ونتمنى الإهتمام بالمسرح الغنائى الذى يميزنا وكفانا أغانى فردية تفوقت فيها بنجومنا دول الجوار ..
التعليقات مغلقة.