الصبر هو القوة الخفية في داخل الإنسان التي تجعله يصمد ولا ينهزم. فالحياة مليئة بالأوجاع والاستفزازات .. وتكوين الإنسان مبني على عجلة من أمره في تحصيل ما يحب والانتقام ممن يبغض .. وفي القرآن الكريم(خلق الإنسان من عجل ) ، والإنسان في معظم أحواله جزوع يتألم وكثيرا عن جراحاته وأوجاعه يتكلم.
.. وفي القرآن الكريم : ( إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسّه الخير منوعا إلا المصلين ) .. إننا في دنيا الناس لا نتعامل مع ملائكة مفطورين ولا مع أنبياء معصومين ، بل نتعامل في أغلب الأحوال مع من هم اطغى وأكثر من الشياطين ، ولا يصدمنا افعالهم الشريرة بقدر ما يصدمنا أنهم خدعونا بكلامهم المعسول وإيمانهم المزعوم.
.. ومن يدقق في القرآن الكريم يجد أنه في أغلب أحواله ربط كل القصص وكل الأوامر وكل النواهي بقضية الصبر ، وما ذلك إلا لكون الحياة لا تطاق لما فيها من قلوب قاسية متحجرة .. فالظلم يعم والبلاء يطم ، وأصحاب القيم والفضيلة هم وحدهم من يتماسكون وهم وحدهم الذين لا ينهزمون .. وذلك لما فهموه من زوال الذلة والمذلة ، فنعيم الدنيا قليل زائل وكذلك عذاب وتعب الدنيا قليل زائل ، لكن النهاية هي المؤلمة وفاتورة الحساب على كل شيء هي الموجعة والمؤلمة .. وغاية ما يفعله بنا الأشرار في الدنيا أنهم يقيمون أمر الله علينا في ابتلاءه ليختبرنا أنصبر ام نجزع ، وما أجمل قول سحرة فرعون حينما توعدهم بتقطيع أيديهم وأرجلهم لما آمنوا بموسى عليه السلام إذ قالوا : ( قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما انت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) .. نعم لقد اتوا بالخلاصة فكل نعيم في الدنيا يزول بالموت وله نهاية وكل عذاب في الدنيا يزول وله نهاية ، وتبقى الحياة بالنسبة للآخرة كأنها ساعة .. ففي القرآن الكريم : ( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار ) وفي القرآن الكريم : (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ) .. فطالما أنها ساعة فلتكن على أي شيء فإن كنا في نعمة شكرنا وإن كنا في كرب ومحنة صبرنا ، وأصحاب الصبر تتلقاهم الملائكة بالتسليم والترحاب لأنهم هم العظماء في الآخرة وفي القرآن الكريم : (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) ومن ضمن هذا السلام الموهوب للصابرين أنهم لا يحاسبون في الآخرة .
.. وكل أفعال الخير ثوابه معدود إلا الصبر فثوابه غير معدود وفي القرآن الكريم(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) . وهنا يذوق الصابرون طعم النعيم الأبدي وينسون ما حل بهم في الدنيا من مذلة وظلم واضطهاد. وفي حديث نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم( يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الأرض فيغمس في النار غمسة واحدة ثم يقول له الله : هل ذقت في الدنيا حلوا قط ؟ فيقول : لا يا رب . ثم يؤتى بأبأس أهل الدنيا فيغمسه الله في الجنة غمسة واحدة ثم يسأله الله : هل وجدت في الدنيا شرا قط هل ذقت في الدنيا مرا قط ؟ فيقول لا يا رب ) .
.. نعم يا ساده هذا ما سيحدث في دار التغابن أي دار النسيان….. سينسى الكل ما كان في الدنيا وستبقى الآخرة هي الواقع الدائم الذي لا مفر منه ، ومن هنا سيكون الكل خاسرا نادما إلا من أمر بالحق وصبر على ما لقى من أذى بسبب التمسُّك بهذا الحق .. وفي القرآن الكريم : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ).
.. فاللهم ثبتنا عند البلاء ولا تشمت فينا الأعداء واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين.
————————-
دكتور/ أحمد عشماوي
أستاذ التفسير وعلوم القرآن أستاذ جامعي ومحاضر بالإذاعة والتلفزيون والقنوات الفضائية
التعليقات مغلقة.