في تصريح صادم لقناة اوبن. تي. في Open TV اليونانية فاجئنا رئيس أساقفة اليونان بإساءات لم يسبق لها مثيل موجهة للدين الإسلامي.. جاء فيها أن الاسلام ليس دينا.. بل هو حزب سياسي وطموح سياسي..!! وأن أتباع الدين الإسلامي دعاة حرب وتوسعيون..!!، وأن تعاليم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تدعو للحرب والتوسع..!!
وقد جاءت هذه التصريحات في ظروف عصيبة نحتاج فيها إلى الحوار الإيجابي بين أتباع الأديان.. وننادي فيها بقبول الاختلاف والتعددية و العمل على ترسيخ أسس التعايش بين شعوب العالم، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بالاتفاق وتفهم مبدأ احترام كافة الأديان التى ترجع إلى مصدر واحد الله (الواحد الأحد)، وقد خلت تصريحات أسقف اليونان من الاحترام الواجب نحو دين الاسلام.. وعندما تأتي مثل تلك المغالطات من رجل دين له مكانته في بلده ولدى أتباعه، فإنه أمرمشين يعوق ويزعزع أسس الحوار..، ومبادئه..، وكذا أصول التعايش المشترك بين أتباع الأديان جميعا..
حوت تصريحات الأسقف إيرونيموس خمس مغالطات فادحة تجاه الأديان.. وكأنها عودة إلى عهود الظلام واضطهاد الإسلام في العصور الوسطى، ذلك الاضطهاد الذي تناوله المستشرق البريطاني “وليام مونتغمري واط” بشرح وإسهاب كبيرين في كتابه ” تأثيرالإسلام على أوروبا في العصور الوسطى”.
وإذا عدنا لاستعراض مغالطات أسقف اليونان الفادحة والمشينة بحق الدين الاسلامي وبحق المسلمين جميعًا نجملها على النحو التالي:
أولها : قوله (أن الإسلام ليس دينا… !!)، وللرد على هذه المغالطة، نقول إن الإسلام رسالة سماوية نزلت بوحي من عند الله تعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين. كما نستشهد في هذا بقول المستشرق الفرنسي “هنري دي كاستري” حين قال” إن الأنبياء متحدون في المذهب منذ آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم بين الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن.”
أما المغالطة الثانية جاءت في قوله (إن المسلمين أناس دعاة حرب..!!)،وهذه مغالطة كبيرة فهناك الكثير من الآيات التى تدعو للسلم ومنها قوله تعالى: ” وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ” (سورةالأنفال 61) ، كما أنه من التعاليم الإسلامية أن المسلم لا يخرج للجهاد إلا دفاعا عن دينه وأهله وبيته وعرضه.
والمغالطة الثالثة التي ذكرها أسقف اليونان إدعاءه (أن الإسلام حزب سياسي..!!) والحقيقة هي أن الإسلام يجمع بين الدين والدولة ويضع أسس للعلاقة بين العبد وربه، والعلاقة بين الناس بعضهم البعض في إطار الدولة.
أما عن المغالطة الرابعة فهي تقوله (أن المسلمين توسعيون) وهذا إفتراء غير حقيقي.. فلم ينتشر الدين الإسلامي بالسلاح لقول الله تعالى مخاطبا رسوله: ” فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ” (سورة آل عمران20) ، وتلك الآية الشريفة تحتاج منا الكثير من التأمل والبحث… ويقول المستشرق الفرنسى”إتيين دينيه” “إن وجود المسيحيين في أسبانيا لهو دليل واضح على عدم استخدام المسلمين للقوة، فقد ظل المسيحيون آمنين على دينهم طوال القرون الثمانية التي حكم فيها المسلمون بلاد الأندلس..
والمغالطة الخامسة والأخيرة إدعى فيها أسقف اليونان (أن تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم تدعو إلى الحرب والتوسع..!!) ، وهو إدعاء غير صحيح شكلا ومضمونا إستناداً إلى الآيات القرآنية التى جاء فيها قوله تعالى مخاطبا النبي الكريم: ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ “(عمران 159) ، وقوله تعالى: ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” (النحل 125) .
وجدير بالذكر أن سماحة الدين الإسلامي تتناقض مع كل تلك المغالطات، فالقرآن الكريم يضم في آياته كل الاحترام والتوقير للأديان الأخرى.. ولا يتسع المقام هنا لحصرها ..فقد اشتملت أول سورة في القرآن الكريم بعد الفاتحة وهي سورة البقرة على ضرورة الإيمان بجميع الرسل والأنبياء الذين نزلوا برسالات الله سواء اليهودية والمسيحية والإسلام، وذلك في قوله تعالى: “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ” (البقرة 285) . كما أقر المولى عز وجل باحترام رسالات الله وكتبه وذلك في قوله تعالى: “نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ” (سورة عمران 3)
وقد خص الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله المسيحيين بكل الحب والمودة، وذلك في قوله تعالى: ” وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ” (المائدة : 82) . وجاء في حق السيدة مريم العذراء التي نزلت سورة قرآنية تحمل اسمها تعظيما وتكريما لمكانتها عند الله فقال تعالى: “وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ” (آل عمران 42).
وقد إلتزم المسلمون في علاقتهم بالآخرين إحترام التعددية الدينية في شتى صورها، انطلاقا من تعاليم الدين الإسلامي الذي علم المسلمين السلوك الذي رسخ جذور هذه التعددية، وهو السلوك المتسامح القائم على العدل والبر وقبول الاختلاف.
ورغم البيان التوضيحى الذي أردف به أسقف اليونان وقوله في ذلك البيان أنه كان يقصد بتصريحاته (الإرهابيين..!!) ، فإننا بدورنا نقول، إن الإرهابيين متناثرون في كافة أرجاء العالم من كل الأديان والأجناس ونذكره بحادثة “نيوزيلندا” التي قتل فيها أعداد من المسلمين أثناء صلاتهم على يد إرهابي يميني متطرف.. وقتها لم ينسب أتباع الدين الإسلام تلك الجريمة الارهابية الى أتباع الديانة المسيحية وذلك انطلاقا من أن الإرهاب لا دين له..
وبحكم تخصصي في علم الأديان المقارنة، وإيماني بالدعوة إلى الحوار والتعايش بين الأديان فإنني هنا لست في موقف الدفاع عن الإسلام .. بل إنني أدعو البابا تواضروس في مصر.. والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان وبابا روما.. وكبار رجال الدين اليهودي، أن يسارعوا بالرد على تلك الإساءة غير المقبولة من جميع أتباع الأديان.. كونها مغالطات تعوق مسيرة التعايش والحوار التي نصت عليها وثيقة الأخوة الإنسانية والتى وقع عليها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر الشريف، والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان.
وفى الختام نقول الى متى سيظل الهجوم على الاسلام وهو يدعو الى الرحمة وسلام الإنسانية؟ .
السابق بوست
التعليقات مغلقة.