النبيلة / نجلاء – تكتب
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الخوارج ومن هم وظهرت أفعالهم الخسيسة للجميع فمن صفات هؤلاء الخوارج في السنة النبوية هذه بعض من صفات الخوارج الأوائل والذين ظهروا في عهد الصحابة وفي عهد الأمويين وفي عهد العباسيين وفي جميع العهود إلى يومنا هذا والهدف من ذلك مقارنة صفات الخوارج الأوائل مع صفات خوارج اليوم ممن يسمون بـ “تنظيم القاعدة” أو ” الإخوان ” أو “الدولة الإسلامية في العراق والشام المسماة ب داعش” وغيرهم من الفرق التي اتخذت من الإسلام وشريعة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – كذباً وزوراً – وسيلة لتنفيذ أهدافهم وطموحاتهم الخبيثة لم يأت في السنة النبوية تحذير من فرقة بعينها من فرق هذه الأمة إلا الخوارج فمن هم وما هي صفاتهم التي وصفوا بها؟!! ورد فيهم أكثر من عشرين حديثاً بسند صحيح أو حسن وما ذلك إلا لضررهم الشديد على هذه الأمة والتباس أمرهم على الناس لدرجة جعلت الكثيرين يغترون بهم ويتبعونهم لأن ظاهرهم غير باطنهم فظاهرهم الصلاح والتقوى وباطنهم سم زعاف ولأن مذهبهم ليس آراء ولا أفكار بل يتعدى ذلك كله إلى سفك الدماء بالتكفير للمؤمنين وقتلهم . فمن صفاتهم الصريحة في السنة :-
1- صغار السن فشيوخهم يستقطبون الشباب ليكون لهم أرضية مستقبلية وحمية شبابية تقوى على المواجهات المحتملة. في غالبهم شباب صغار يقل بينهم وجود الشيوخ والكبار من ذوي الخبرة والتجارب فلقد قال عنهم النبي صل الله عليه وسلم : ” حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ ” وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (12/287): “وَالْحَدَثُ: هُوَ الصَّغِيرُ السِّنِّ” ومنها أخذت كلمة الأحداث لعقوبة ومواجهة خطورة صغار السن .
2- السَّفه فمعظم الخوارج ومن معهم تغلب عليهم الخفة وضيق الأفق وعدم البصيرة كما جاء في الحديث المتفق عليه: “يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ، حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ” والأحلام: الألباب والعقول والسَّفه: الخفة والطيش. قال النووي: “يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ التَّثَبُّتَ وَقُوَّةَ الْبَصِيرَةِ تَكُونُ عِنْدَ كَمَالِ السِّنِّ وَكَثْرَةِ التَّجَارِبِ وَقُوَّةِ الْعَقْلِ”، نقله عنه الحافظ في الفتح.
3- الغرور والتَّعالي فالخوارج يعرفون بالكبر والتعالي على عباد الله والإعجاب بأنفسهم وأعمالهم ولذلك يكثرون من التفاخر بما قدموه وما فعلوه!! كما نراهم اليوم يعتبرون انفسهم المؤمنين فقط دون غيرهم بل وتكفير من سواهم قال صل الله عليه وسلم: “إِنَّ فِيكُمْ قَوْمًا يَعْبُدُونَ وَيَدْأَبُونَ، حَتَّى يُعْجَبَ بِهِمُ النَّاسُ، وَتُعْجِبَهُمْ نُفُوسُهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ” رواه أحمد بسند صحيح. ويدفعهم غرورهم لمحاولة إثبات الإيمان كما نراهم يقولون مثلاً لمن يخالفوهم الرأي(اللهم احشركم مع فلان) لإعتقادهم بأن كل من ليس معهم كفار
4- الاجتهاد في العبادة فهم أهل عبادة من صلاة وصيام وقراءة وذكر وبذل وتضحيةٍ وهذا مما يدعو للاغترار بهم ولذا جاء البيان النبوي واضحاً في التنبيه على هذه الصفة فيهم: “لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ” رواه مسلم . وقال: “يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ” متفق عليه. وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم يحتقرون صلاتهم مع صلاتهم فكيف بغير الصحابة؟! ولما لقيهم عبد الله بن عباس قال: “فَدَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ أَرَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ، أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا ثِفَنُ الْإِبِلِ أي غليظة وَوُجُوهُهُمْ مُعَلَّمَةٌ مِنْ آثَارِ السُّجُودِ” رواه عبد الرزاق في المصنف.
5- سوء الفهم للقرآن فهم يكثرون من قراءة القرآن والاستدلال به لكن دون فقه وعلم بل يضعون آياته في غير موضعها ولهذا جاء وصفهم في الأحاديث: “يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ” و “يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ” و “يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ”. قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: “لَيْسَ حَظّهمْ مِنْ الْقُرْآن إِلَّا مُرُوره عَلَى اللِّسَان، فَلَا يُجَاوِز تَرَاقِيهمْ لِيَصِل قُلُوبهمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوب بَلْ الْمَطْلُوب : تَعَلُّقه، وَتَدَبُّره بِوُقُوعِهِ فِي الْقَلْب”.
وقال شيخ الإسلام: “وَكَانَتْ الْبِدَعُ الْأُولَى مِثْلُ بِدْعَة الْخَوَارِجِ إنَّمَا هِيَ مِنْ سُوءِ فَهْمِهِمْ لِلْقُرْآنِ لَمْ يَقْصِدُوا مُعَارَضَتَهُ لَكِنْ فَهِمُوا مِنْهُ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ ” مجموع الفتاوى.
6- الكلام الحسن المنمَّق فكلامهم حسن جميل، لا ينازع أحد في حلاوته وبلاغته فهم أصحاب منطق وجدل يدعون لتحكيم الشريعة وأن يكون الحكم لله ومحاربة أهل الردة والكفر، ولكن فعالهم على خلاف ذلك!!. كما قال عنهم النبي صل الله عليه وسلم: “يُحْسِنُونَ الْقِيلَ، وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ” “يَتَكَلَّمُونَ بِكَلِمَةِ الْحَقِّ ” ” يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ”. قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: “أَي يَتَكَلَّمُونَ بِبَعْض الْأَقْوَال الَّتِي هِيَ من خِيَار أَقْوَال النَّاس فِي الظَّاهِر، مثل: إن الحكم إلا لله، ونظائره، كدعائهم إِلَى كتاب الله”.
7- التَّكفير واستباحة الدماء وهذه هي الصفة الفارقة لهم عن غيرهم التكفير بغير حق واستباحة دماء المخالفين لهم كما قال عنهم النبي صل الله عليه وسلم: “يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ” متفق عليه . وفي صحيح مسلم: “هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ” ، وعند أحمد بسند جيد: “طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ” قال ابن حجر : ” وَفِيهِ أَنَّ الْخَوَارِجَ شَرُّ الْفِرَقِ الْمُبْتَدِعَةِ مِنَ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ ” فتح الباري.
8- اتخاذهم شعارًا يتميزون به عن سائر الناس: ولهم في كل عصر وزمان شعار يتميزون به وقد يكون هذا الشعار في الراية أو لون اللباس أو هيئته أو غير ذلك . وقد كان شعارهم في زمن علي بن أبي طالب حلقَ شعر رؤوسهم كما أخبر عنهم النبي صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: “سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ” . رواه البخاري .
٩- أنهم يطعنون على أمرائهم ويشهدون عليهم بالضلال كما فعل ذو الخويصرة مع النبي صل الله عليه وسلم حينما كان يقسّم الغنائم قال له : ” يا محمد اعدل فإنك لم تعدل” أخرجه ابن ماجه ١٧٢ وصححه الألباني
١٠- أنهم يخرجون على حين فرقة من الناس وهذا نصُّ ما قاله صل الله عليه وسلم في البخاري ( ٣٦١٠ ) ومسلم ( ١٠٦٤ ) وما ظهورهم في سوريا والعراق وغيرها إلا حينما تفرقت تلك البلدان، وكذلك أسلافهم ما ظهروا وذاع أمرهم إلا حين مقتل عثمان رضي الله عنه وبعده حينما حصل الاختلاف بين بعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
١١- أنهم لا يرون لأهل العلم والفضل مكانة إذا خالفوا رأيهم ومنهجهم ولذا زعموا أنهم أعلم من علي بن أبي طالب و ابن عباس و سائر الصحابة وحصل منهم من الأذية للصحابة ما حصل وكذلك مع علماء التابعين
١٢- أنهم يستدلون بقتلهم للمؤمنين بالآيات الدالة على قتل الكفار كما قال ابن عمر رضي الله عنه : “انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين” رواه البخاري باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم
١٣- أنهم يكفرون من لم يقل برأيهم ويستحلون دمه قال السفَّاريني – رحمه الله – عند كلامه عن آراء نافع بن عبدالله الأزرق الخارجي والذي تنسب إليه فرقة الأزارقة الخارجية : “ومنها أنه كفّر من لم يقل برأيه، واستحل دمه” لوامع الأنوار البهية ١ / ٨٦
١٤- أنهم لا يرون إمامة الإمام الجائر مع أن أحاديث الرسول صل الله عليه وسلم في الصبر على جور الحكام واستأثارهم مليئة في كتب السنة ولكن ومن لم يجعل الله له نور فما له من نور ويقولون بوجوب قتاله ومن رضي بحكمه ومن عاونه ومن صار دليلاً له ولذلك تجدهم يستحلون قتل رجال الأمن والشرطة بحجة أنهم أعوان الظلمة وجنودهم .
١٥- أنهم كثيروا الاختلاف فيما بينهم فلذلك كثرت فرقهم وخرج بعضهم على بعض، فصار منهم الأزارقة والإباضية والنَجَدات وغير ذلك من الفرق، وهذا كما نراهم اليوم يتقاتلون فيما بينهم ويكفر بعضهم بعضا.
١٦ – أنهم يظهرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويصرفون النصوص الواردة فيه إلى منازعة الأئمة والخروج عليهم وقتالهم، هذا ما تيسر جمعه من صفات الخوارج التي تنطبق تماماً على خوارج عصرنا فلا يشك عاقلاً بعد ذلك في انطباق اسم الخوارج على هؤلاء وأمثالهم، وإن ادّعوا أنهم سلفيون وأنهم أهل توحيد وأهل نصرة له، فوالله إنهم كاذبون، وإن لم يشعروا بذلك، بل إن الأمة الإسلامية منذ عهد الصحابة ما لمست من الخوارج نصرة لها، وإنما قتالهم دائماً لأهل الإيمان، فصاروا بذلك أعوان للكفار والزنادقة والمنافقين والروافض، هذه هي حقيقتهم .
اللهم احفظ مصر وأهلها وجيشها العظيم وشرطتها الباسلة وجميع مؤسساتها بقواها الصلبة والناعمة وسائر بلادنا العربية من شرور هؤلاء بكل فرقهم وأساميهم .
التعليقات مغلقة.