موقع اخباري شامل صادر عن مؤسسة تحيا مصر

بقلم الكاتبه نجلاء حسن تاريخ الشاى معشوق الملايين

الشاي هو جرعة من العناق الدافيء الحنون يهدئ قلبك، فبدونه تصبح حياتك كالليلة القاتمة بلا قمر وبلا نجوم وبلا سحابة منعشة تلقي الرزاز المتعطش حبا ليخفف الضغوط عن حياتك
تلك المقولات وأكثر تعني الكثير بالنسبة لعشاق ذلك المشروب المنعش ،ولذا كانت تلك اللفتة العبقرية من اليونسكو بإنشاء اليوم العالمي للشاي في يوم 19 مايو من كل عام، وهو بكل تأكيد يستحقها وعن جدارة يشهد له كل سكان كوكب الأرض ، وأصبح ونيسا وشريك دائما في الأمسيات السعيدة والطقوس الدينية،وجلسات الصلح والسهرات الدافئة، ورفيقا بالسفر بل وأحد شركاء النجاح في مواعيد العمل ،واصبح يحتل الصدارة في قوائم المشروبات في الفنادق الكبرى والمحلات المشهورة سواء بسواء مع قوائم المشروبات على قارعة الطرق بالمقاهي الشعبية ؛محتفظا بالصدارة عند الجميع .
نبذة عن تاريخ الشاي
والشاي له اسماء ومسميات تكاد تقترب من بعضها وتتقارب مهما تنوعت الثقافات والبيئات المناخية والثقافية والطبقات الأجتماعية الشعبية منها والراقية على مر العصور فهو بالانجليزيةTEA)) وهو اختصار لأحد الحروف الصينية ، وانواعه والوانه شتي الشاي الاخضر والاولونج والشاي الابيض والاصفر وشاي (بو-ايره) والشاي الاسود والأزرق، ويتم انتاجه من شجرة (CAMELLIA SINENSIS) وفي تقرير اليونسكوتجدر الاشارة الى انه مذكورا في السجلات التي يرجع تاريخها الى عهد اسرة شانغ (1500 ق.م -1046 ق.م ) كمشروب طبي ومشروبا ومنعشا، وبحلول اسرة تانغ (907-618 ق.م) اصبح مشروبا يوميا للترحيب بالضيوف ،ثم انتقل الى اليابان كمشروب مرتبط بالطقوس الدينية .
وتم اضافة النكهات المختلفة كالهيل الحبهان والقرنفل واللوز والزعفران وتقديمه في اواني خزفية صنعت له خصيصا في الاعراس والمهرجانات حتى وصل الى افغانستان التي اضافت له نكهات الورد والحليب ثم وصل الى اضافة القرفة والفلفل الاسود والحبهان والزنجبيل والورد وعرف بشاي الكرك
بدأ تاريخ مشروب الشاي في شمال شرق دولة الهند وشمال ميانمار وجنوب غرب دولة الصين منذ اكثر من خمسة الاف عام ؛حسب ما جاء في بيان الامم المتحدة ،وكان الهولنديون أول من جلب الشاي الى دول أوروبا باستيراده عام 1609 واستطاعت شركة الهند الأنجليزية فرض سيطرتها على أستيراد الشاي بمساندة الأمبراطورية الأنجليزية في ذلك الوقت ،ومنذ ذلك الحين أصبحت الهند ذات ثقل تجاري مرتبط بنبات الشاي،و بعد ان دب الخلاف بينها وبين بريطانيا والصين فلجأت شركة الهند الشرقية لأحد علماء النباتات الذي سافر متخفيا الى الصين لتهريبه الى الهند ،ونجح بذلك واصبحت للهند تجارة موازية للشاي
ونبات الشاي هو النبات الشهير الاول الذي صدرت ضرائب بشأنه باسم (قانون الشاي عام 1773) على مستعمرات بريطانيا في أمريكا ، وكانت الشركة الشرقية تستورده فقاطع ساكني المستعمرات الأمريكية الشاي البريطاني،الى ان صعد مجموعة من الثوار على متن سفن الشركة الهندية ببوسطن ؛وافرغوا محتوياتها من الشاي في المياه وهي عرفت تاريخيا باسم (حفل شاي بوسطون) التي تصاعدت بسببها الامور الى حرب الشاي في (يورك تاون) التي هزم فيها البريطانيين.
واصبح الشاي نجم الأبحاث العلمية الغذائية والتي كشفت عن فوائده العظيمة لأحتوائه على نسبة عالية من مادة ( البوليفينول ) وهي مضادة للأكسدة تكافح الشوارد الحرة التي تسبب تلف الخلايا، وتقلل خطر الأصابة بالأمراض المزمنة ، علاوة على فوائدة لتعزيز صحة القلب والجهاز الهضمي وأستقرار ضغط الدم ونسبة السكر بالدم فهو يزيد نشاط الأنسولين 15 مرة معمليا ، علاوة على أنه يحمي الكبد ويقلل خطر مرض (الزهايمر والباركنسون ) ،ليحسن ايضا وظائف المخ والحالة المزاجية ويزيد تركيز( الدوبامين) و(النورادرينالين) وهو ما يكسبه شعبية بين اوساط عشاقه في كل العصور
ومشروب الشاي يدخل في صناعة مستحضرات التجميل وتأخير شيخوخة الجلد والشعر ويرطب الجلد وواقيا من اضرار اشعة الشمس الضار، ويدخل في صباغة الاقمشة والمنسوجات ، ومن اسباب شعبيته حيث انه المشروب الثاني بعد الماء هو سهولة تحضيره في كل بيئة وعلى اي مستوى فهو لا يحتاج الا الماء المغلي والسكر وملعقة صغيرة من نبات الشاي سواء المسحوق او على شكل اوراق ، ويصبح جاهزا للاستمتاع بطعمه وفوائده الكثيرة
اصبح شرب الشاي من أهم عادات المجتمعات المختلفة واصبح يلقب باهم صديق واجمل ونيس وغذاء للروح و للمزاج السعيد ففي المجتمع الصحراي يتم تحضيره في اواني طينية او معدنية وتسمى (المجمر) ويغلي على النار الهادئة ،ولخص اهل البادية في ادبيات الشاي بانه يحضر في جماعة على الجمر وهو حلو كالحب وناعم كالموت .
انتشار الشاي
اما على صعيد البلاد العربية بعد ان عرف مشروب الشاي مع بداية القرن 19 ، ولاقي انتشارا في تركيا ثم في سوريا بعد الحصول على ترخيص الدولة العثمانية ،ثم انتشر بعدها لجميع الدول العربية ، بدأ الشاي مشروبا للصفوة في مصر، فترة وجود الأحتلال البريطاني عام 1882، ثم انتشر للحياة الشعبية بعد الحرب العالمية الاولى بين عامي(1914-1918) ومنذ ذلك الحين اصبح مشروب الشاي اكثر المشروبات أستهلاكا بمصر . وحسب احصائية الصادرة عن الجهاز المركزي المصري للتعبئة والاحصاء وصل في يناير عام 2021 الى ما قيمته 5 مليارات جنيه مصري (حوالي 330 مليون دولار امريكي ) وقيمة واردات القاهرة من الشاي فقط خلال 9 أشهر من يناير الى سبتمبر بلغت 231 مليون دولار
ففي مصر نجد ان الشاي مشروبا فريدا لا تخلو المناسبات من تواجده فقد ارتبط بعادات الزواج حيث يتم الحديث مبدئيا بكلمات( هنعدي عليكم ونشرب شاي) كناية عنلى التوافق ورغبة التواصل ؛وقد اضاف اهل جبال سيناء اليه عشبة اكليل الجبل واوراق المريمية واوراق الورد ،و الحليب، وفي مجتمع مطروح بمصر سمي (بشاي الزردة ) بنكهته وقوامه ولونه اللذيذ والذي يعجب زوار محافظة مطروح من المصطافين المصريين والاجانب على حد سواء ،ونقلا عن محمد زايد الملاح وهو من شباب قبيلة العشيبات بان الشباب يقيم الزردة في الصحراء بالشاي الخشن ويجهز على نار الحطب ببراد من الصاج ويوضع على( الراكية) ويغلي حتى تظهر رغاوي على البراد ويصب في فناجين صغيرة بعد ان يتم تقليبها من البراد الى الفنجان ومن الفنجان الى البراد بشكل احتفالي عدة مرات ،وهو من الثقافة المطروحية ويتم تناوله بتجمعات الرجال كمهضم بعد وجبات الغذاء الدسمة يوميا امام المنازل ؛واصبحت عادة شرب الشاي اهم العادات الشعبية التي ارتبطت بالسرور والفرحة بمصر وارتباطه بدخول البيوت من ابوابها واظهار الود ، واطلق عليه مصطلح الاصطباحة في اوساط عمال اليومية والفواعلية والحرفيين .
استأنف الشاي طريقه نحو المغرب بداية القرن الثامن عشر، أي بعد قرن من وصوله إلى أوروبا. دخل المشروب ، إلى حياة المغاربة كدواء من باب قصر السلطان مولاي إسماعيل في العلاج والتطبيب قبل أن يُستهلك كشراب على غرار الدول الآسيوية. وأصبح مشروب الصداقة والضيافة والتقارب والمحية
وفي فرنسا انطلقت عبارة أحبه (savoir-faire) للتعبير عن جمال الطعم وهي عبارة استخدمها متجر (مارياج فرير)الذي يحتفل بمرور150 سنة من الانجاز في مجال الشاي والذي انشيئ عام 1854 في منطقة (لاماي) بباريس على يد الاخوين إدوارد وهنري
وتم افتتاح فرع ببريطانيا وهو متجرشهير مكون من ثلاثة طوابق لبيع الشاي في منطقة (كوفنت غاردن) بوسط لندن ،والذي استخدمه الفرنسيون لتلقين الانجليز درسا في أصول الشاي فهو يقدم اكثر من 2000 نوع من الشاي من جميع انحاء العالم،مصاحبا للسندوتشات المختلفة والشهية والخبز المصنوع من الشاي بطبق (كروك موسيو) مع السلمون ويقدم مع السلطة بصلصة الفانيليا وعشب الليمون والشاي الاخضر وطبق اخر شهير مكون من قطعة من السلمون مغطى بصلصة الشاي الماتشا مع السمسم وغيرها من الاطباق الاخري من الاطعمة بجوار اصناف متنوعة من الحلويات المصنوعة بخلطات الشاي .
ومن المدهش والفريد ان يتواجد للشاي جزيرة و متاحف عديدة مثل متحف الشاي في مونار بتركيا وسيريلانكا والذي يقدم ثقافة وتاريخ الشاي وزراعته وجزيرة الشاي بحديقة حيوان الجيزة بمصر وكشك الشاي بقصر المنتزه (ركن فاروق) حيث كان الملك فاروق يحتسي فيه الشاي وقت العصر
وفي انجلترا اشتهر شعب الانجليز بعشقه لمشروب الشاي ويرجع الفضل بذلك الى سيدة برتغالية ، بل ولها الفضل في صناعة الأواني الخزفية والرسمية باهظة الثمن والمرتبطة باحتساء الشاي،وتعود القصة الى سنة 1662 عندما وافق تشارلز الثاني على الزواج من الاميرة( كاترين أوف براغانزا)ابنة جون الرابع ملك البرتغال والتي جلبت معها اوراق الشاي ضمن ممتلكاتها الشخصية كعروس ملكية، وكان الشاي يستخدم ان ذاك كعلاج ومنشط للطحال ولكن بفضلها لانها كانت محطا للانظار واحد نجوم المجتمع،اصبح عادة مصاحبة مشروب الشاي بتناول مربى البرتقال وهي من عادات البرتغاليون التي اصبحت يومية لشعب الانجليز الأرستقراطي،وقد كتب(أيدموند والر)احد شعراء عصرها قصيدة اشاد بيوم ميلادها تخليدا لأرتباط الشاي بعادات الانجليز اليومية ،اما عن عادة شاي الظهيرة كان من اختراع فندق (لانغام) بلندن و(فندق ريتز)و( فندق كلاريدجز)
الشاي ملهما للابداع
ومن الاغنيات الشعبية التي ربطت مشروب الشاي بفكرة المحبة اغنية الفنانة فايزة احمد بكلمات دقيقة ومعبرة (قاعد معااي) وبنقسم اللقمة سوا وبنشرب شاااي ميهمنيش مهما قالو _ماهو دول عوزالي وعزاله )،واغنية المطربة ليلى نظمي( مشربش الشاي اشرب كازوزة انا ) اغنية فكاهية
وعلى صعيد الاغنية الاوروبية اغنية المغني (ناثان ايفنز ) التي حققت اعلى مشاهدات تصل الى 784 مليون مشاهدة على موقع اليوتيوب بعنوان Wellerman وجزء من كلماتها (كانت هناك مرة سفينة في البحر كان اسم السفينة بيلي أوف تي _هبت الرياح ، وانخفض قوسها_أوه ، يا أولاد الفتوة ، ينفخون هاه_قريبا قد يأتي_ليحضر لنا السكر والشاي والروم)
وفي الدراما ؛في مسرحية المتزوجون امسك الفنان جورج سيدهم ابريق الشاي لعرضه على المعلم حنفي بقوله (تشرب شاي ) والتي رددها كثيرا الذي يرفض ليرد جورج سيدهم (عنك ماطفحت حاجة)
اما في الأفلام المصرية ،على سبيل المثال لا الحصر مشاهد في فيلم الارض الذي جلس فيه محمود المليجي مع اهل البلد بجلسة شاي شهيرة وحماسية ،وفي فيلم مرجان احمد مرجان بطولة النجم العربي عادل امام الذي اخترع شاي بالياسمين دلالة على اتمام الاتفاق والتصالح والمحبة او الرشوة .ومقولة ( مش هنشرب الشاي ) مع النجمة نورا في فيلم غاوي مشاكل دلالة على وقت المتع والفرفشة وممارسة الحب ،ومشاهد عديدة في فيلم سلام ياصاحبي ارتبطت بشرب الشاي.
وفي مشهد حرامية في تايلاند مقولة بين النجم كريم عبد العزيز وماجد الكدواني باستمتاعه بكوب الشاي الثمين حيث جلبه من جارتهم حنان ترك عبر شباك المطبخ في حين لم يعلق على باقي الاطعمة (والشاي ده جبته منين ) وفي فيلم صنع بمصر مشهد (تعاشرب شاي )ولايزال المشروب التراثي الشاي محتفى به بقلوب العالم وانا منهم.

التعليقات مغلقة.