أيام ويهل علينا شهر أكتوبر العظيم، الذي اعتبره، كغيري من المصريين الأسوياء، أعظم شهور السنة، لما يحمله من ذكرى النصر العظيم، الذي حققه شعب مصر، وجيشه العظيم، في حرب 73، بعدما مُني بهزيمة 67، التي لم يحارب فيها الجيش المصري، ولكنه تحمل مسؤوليتها، تلك الهزيمة المريرة، التي أعقبها ست سنوات كاملة من معارك الاستنزاف، قضيناهم في التخطيط، والعمل على الثأر لمصر، ببناء الخنادق، والتدريب على الأسلحة الجديدة التي وفرناها لتعويض عن خسائرنا في سيناء، وتنفيذ تدريبات العبور على نهر النيل، دون التوقف، يوماً، عن قتال العدو الإسرائيلي بشراسة على ضفاف القناة.
كانت سنوات حرب الاستنزاف أكبر تجربة للقوات المسلحة للاستعداد لحرب أكتوبر العظيمة، وكانت تطبيقاً فعلياً للمبدأ العسكري القائل بأن “الحرب تعلم الحرب”، فمع بداية معارك الاستنزاف، نجحت البحرية المصرية في إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات، أمام شواطئ بورسعيد، ونجحت الضفادع البشرية المصرية في مهاجمة ميناء إيلات الإسرائيلي، في عمليات قتالية فريدة من نوعها، وما تلاها من نجاح جديد، أمام شواطئ الإسكندرية، بإغراق الغواصة الإسرائيلية داكار.
وخلال التخطيط للحرب، ظهر نبوغ القائد المصري، سواء في فكرة بناء حائط الصواريخ، الذي نفذته القوات المسلحة مع عمال شركة المقاولون العرب، أو في تطوير المطارات، استعداداً لمعركة النصر، أو تدريب الطيارين للتحليق على ارتفاعات منخفضة للغاية، لتفادي الكشف برادارات العدو الإسرائيلي، فرأينا المقاتلات الميج تطير فوقنا، وجسمها يكاد يلامس فروع النخل. ولما واجهتنا مشكلة الساتر الترابي، بارتفاع 20 متر على حافة القناة في الضفة الشرقية، الواجب إزالته لفتح الكباري، وعبور الدبابات والمدفعيات، خرج علينا اللواء باقي زكي، رحمة الله عليه، وكان برتبة مقدم حينها، بفكرة المدافع المائية، التي كانت تستخدم في بناء السد العالي، لتكون فكرته أحد أسباب نجاح العبور العظيم، واقتحام خط بارليف. ولما اختار العقيد صلاح فهمي نحلة يوم السادس من أكتوبر 1973، لبدء الهجوم المشترك للجيشين المصري والسوري، أبهر الجميع بدقة المعايير التي استند عليها في اختياره.
وجاء يوم السادس من أكتوبر، الموافق العاشر من رمضان، ونحن في غرفة القيادة، ننتظر تحقيق حلمنا بعبور القناة، وتحطيم خط بارليف … لتنجح قواتنا، خلال ست ساعات، كما قال الراحل العظيم الرئيس السادات، في تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر. ومع حلول شهر أكتوبر، من كل عام، أتذكر قدرة الشعب المصري، وجيشه العظيم، على تحقيق المستحيل وتحويل الهزيمة في يونيو 67 إلى نصر كبير في أكتوبر 1973.
التعليقات مغلقة.