موقع اخباري شامل صادر عن مؤسسة تحيا مصر

التحجر الرئوى» مصير تلاميذ(كفر العلو)

تقرير _هاني توفيق
مطالب بالتحرك لجميع المسئولين بالتعليم بدءا من الإدارة التعليمية بحلوان، ومرورا بوكيل وزارة التربية والتعليم بالقاهرة، وحتى وزير التربية والتعليم، فهناك أطفال على حافة الموت فى منطقة أبو دحروج حيث العشوائية والفقر والمرض والتلوث والإهمال الجسيم، هناك آلام وآهات واستغاثات يحملها الأهالى دون جدوى، فمن يسمع حناجر بحت أصواتها من مصنع يقضى على أرواحهم وحياة فلذات أكبادهم بالبطئ؟
وصف المنطقة والمدرسة
حينما تصل إلى منطقة أبو دحروج فى «كفر العلو» بحلوان تشعر وكأنك انعزلت عن العالم، واقتربت من حافة الموت، فتلال القمامة تحاصرها من جميع الجوانب، طرقها مهدمة، فبدلا من أن تشاهد على الأرض التراب أو الرمال، تجد نفسك تسير على بودرة ناعمة تخرج من المصنع وتكسو القرية وتقوم بتغيير معالمها حتى تجد نفسك كأنك من عمال المصنع أو دفين عبوة أسمنت.. لا تشاهد السماء الصافية أو ضوء النهار، كما أن الشمس تحجب عنهم بسبب غبار الأسمنت، وفى المدخل يوجد مصنع أسمنت حلوان، وأمامه مدرسة أسمنت «كفر العلو» الابتدائية، يفصل بينهما بسور، وتقع تحت الأفران والمدخنة التى تخرج العوادم مباشرة.
أما عن المدرسة فهى مغارة مكونة من طابقين، متهالكة وغير مطابقة للمواصفات، فصولها كأنها كهوف، ودورات المياه لا يوجد بها مياه وغير آدمية، ووراء الفصول بيارات المازوت الخاصة بالمصنع مغطاة بالقمامة وأوراق الأشجار، وبها 800 طالب أغلبهم مصابون بالأمراض الصدرية، والجلدية، كما يوجد 27 موظفا بين مدرس وإدارى وعامل، هؤلاء يتعرضون يوميا للتلوث البيئى الناتج عن غبار الأسمنت.
اللافت للأنظار أن الأشجار المغروسة فى مدخل المنطقة لمنع غبار الأسمنت من الوصول إلى السكان لا فائدة لها، فما عليها يتطاير مع شدة الهواء، وعندما تنظر إليها تجد على أوراقها طبقة سميكة من البودرة الناعمة للأسمنت، فكأنها تشكو أمرها مما تحمله على أوراقها من المصنع، وتستغيث بمن بيده الأمر.
تجولنا فى المنطقة وكانت البودرة الناعمة تتساقط علينا كالأمطار والغبار يكسونا، وأعيننا تسيل دمعا تلقاء نفسها، حتى إننا لا نرى تحت أقدامنا، وذلك بسبب البودرة الناعمة التى تعمى الأعين وتذكم الأنوف، وتصيبها بالالتهاب، فكنا نستنشق الغازات والمازوت، حتى أوشكنا على الاختناق بسبب غبار الأسمنت الذى كان سببا فى وجود الأمراض الصدرية والجلدية والقلب والفشل الكلوى وجميع أمراض الجهاز التنفسى.
الأهالى محاصرون بأسلاك التيار العالى التابع لوزارة الكهرباء، الأمر الذى يعد خطرا على حياة المواطنين عامة وطلاب المدرسة خاصة فى فصل الشتاء وعند سقوط الأمطار، كما توجد ترعة مغطاة بجميع أنواع القمامة والمخلفات، وتحيطها الحشرات الضارة والزاحفة من كل جانب، وكأنه عرس جماعى.
وأثناء جولتنا حدثت حالة هياج لأجهزتنا التنفسية حتى أوشكنا على الاختناق من رائحة الأسمنت وغبار المصنع، ورائحة المازوت الكريهة، فكيف بحال من يعيشون فى المنطقة؟ ويتعرضون لهذا الغبار ليل نهار خاصة إن كانو أطفالا وفى سن الرضاعة، وظللنا هكذا حتى خرجنا من المنطقة وتعرضنا للهواء النظيف.
ضحايا مصنع الأسمنت
الضحية الأولى للأسمنت كان بطلها شخصا يدعى «البدرى»، وقابلنا ابنه «كفاح» – 26 عاما سائق – وقال إن المصنع قضى على حياة والده وعمه، بعد أن تسبب فى إصابتهما بالأمراض الصدرية والفشل الكلوى، مؤكدا أن جميع جيران المصنع مصابون بالفشل الكلوى، لافتا إلى أنه يعانى من الحساسية بسبب الأسمنت الذى يصل غباره إلى بيوتهم، وواصل: نتمنى أن ينظر إلينا المسئولون بعين الرحمة، ويعتبرون الأطفال الذين يذهبون إلى مدرسة الموت الابتدائية كأبنائهم ويجدون الحل لهم، موضحا أن الشركة تخرج سمومها عليهم بفتح الفلاتر ليلا حتى لا يتمكن أحد من رؤيتها وعدم تصويرها.
أما الضحية الثانية فكانت آمال أحمد – 43 عاما – والتى أوضحت أنها تعانى من الأمراض الصدرية والجلدية بسبب الأسمنت الذى يتطاير على المنازل فيصيب الأسرة بالأمراض المختلفة، وواصلت: الأمر الأخطر الذى نعيش فى قلق دائم على مدار اليوم بسببه، هو أسلاك الضغط العالى الذى يخترق المنطقة، موضحة أن لديها طفلين فى المدرسة لا تأمن عليهم أن يذهبوا إليها تلقاء أنفسهم، فتقوم بتوصيلهم لافتة إلى أنها تنطق الشهادتين عند رؤيتهم، واستطردت: نحن محرومون من جميع الخدمات، ونعيش تحت خط الفقر، ولا يشعر بنا أحد من المسئولين.
أما رشاد جمعة – 73 عاما وهو أحد جيران المصنع – فقال إن غبار الأسمنت الذى يرافقه طيلة يومه حتى أثناء نومه كان سببا فى مرضه، مؤكدا أن الأهالى جميعهم مصابون بالربو والأمراض المختلفة، لافتا إلى أن الجميع لا يجنون من الشركة سوى الأمراض.
محمد فاروق – 37 عاما – عبر عن غضبه الشديد بسبب الوضع السيئ الذى يعيشون فيه، بداية من المصنع الذى تسبب فى إصابته بالحساسية، وإصابة زوجته بالربو وأبنائه بالجلدية، مضيفا أن أمه ظلت تعالج بالقلب حتى توفيت، مؤكدا أن الأطباء المعالجين ينصحونهم بمغادرة المكان ولا يوجد بديل، فنناشد المسئولين بأن يجدوا حلا لنا.
فوزية عبد المطلب – 40 عاما قالت إنها تمر بأزمة صحية فى التنفس بسبب عوادم الأسمنت، مؤكدة أن الأضرار ليست فى هذا فقط بل إن بودرة الأسمنت تتطاير فى الجو وتلتصق فى الملابس.
أما وليد حمادة عبد الله – 27 عاما – فقال: «شركة الأسمنت هى المشكلة الكبرى التى نعانى منها جميعا»، موضحا أنها تسبب الأمراض والتلوث بسبب المعدات التى تصدر أصواتا مرتفعة، ناهيك عن التلوث الذى يصيب الأطفال الذين يمكثون يوميا فى المدرسة التى الهدف منها أن يحصلوا العلم، لكنهم يخرجون منها وهم محملون بالأمراض القاتلة، وواصل.. أن أشقاءه موجودون بالمدرسة، ويعانون بالأمراض نتيجة تعرضهم للغبار، مؤكدا أن العاملين بالمصنع ينتظرون قدوم الليل لتشغيل «الفلاتر» لتنقية الأسمنت، الأمر الذى يؤدى إلى تطاير بودرة ناعمة على منازلنا.
رشاد إبراهيم – 50 عاما – قال إننا نعانى من الأمراض نتيحة لتواجد المصنع الذى يقضى على حياتنا بعد إصابتنا بالأمراض، موضحا أنه أصاب بالفشل الكلوى بسببه، لافتا أن المصنع كان سببا فى إفلاسنا بسبب إنفاق أموالنا على الكشف فى عيادات الأطباء وشراء الأدوية.
ووافقه الرأى محمد علي – من الأهالى – الذى أكد هو الآخر إصابته بالفشل الكلوى بسبب غبار الأسمنت.
أما شحاتة أبو كف – 57 عاما – والذى أبدى استياءه الشديد من الأمراض التى أصابت الأهالى بسبب الأسمنت، موضحا أنها ملك لأحد المستثمرين الألمان، وواصل: المستثمرون هم الأهم فى الدولة، يأخذون أموالنا ويتسببون فى مرضنا ويقضون على حياتنا، مشيرا إلى أن المازوت يستخدم فى تشغيل أفران الشركة منذ فترة، لافتا إلى أنهم يقومون الآن بإنشاء خط فحم بترولى تنبعث منه روائح كريهة تنتشر داخل الشركة وفى جميع أنحاء المنطقة ويكون سببا فى إجهاض الحوامل، واستطرد: الفلاتر يتم سدها فى أوقات مختلفة، فيقومون بتنظيفها فى الهواء مباشرة دون فصلها، مؤكدا أن المئات من العمال داخل المصنع يعانون من الأمراض الصدرية، ومنهم من يعانى من مرض القلب، موضحا أنهم قاموا بالشكوى لجهات عديدة لنقلهم لكن دون جدوى من المسئولين.
أمل طه – 34 عاما – معلمة بالمدرسة – قالت إن مشكلة الأسمنت تؤثر عليهم بالسلب خاصة الأطفال الصغار، وواصلت: نحن مهددون بتدمير صحتنا، ومعرضون لجميع الأمراض، والحل فى أن يضع المسئولون حلولا سريعة للمصنع، أو تغلق المدرسة ويتم نقل الطلاب فى مكان آخر.
«لا المدرسة هتتنقل ولا مصنع الأسمنت هيتقفل»، هذا ما بدأ به حديثه محمد رضا – 45 عاما مدرس – والذى أكد أن وضعهم الحالى أمر واقع، موضحا أنه يائس ومفتقد للأمل فى تغيير ما هم عليه الآن.
من جانبه أوضح حسن أبوخطوة – مدير المدرسة أنها ملك لمصنع الأسمنت، وأنشأت منذ 70 سنة، وكانت مقرا مبيتا للعاملين بشركة الأسمنت، فغادرها العاملون وأصبحت مدرسة واقتصرت على أبنائهم فقط، إلى ما يقرب من 15 سنة فتحت للجميع، وواصل أما عن مشكلة المصنع فنعانى منها منذ عشرات السنين ولا يوجد لها حل.
الدكتور حازم شعبان – استشارى الصحة العامة والدراسات البيئية – قال إن مصانع الأسمنت لها شروط معينة فى تراخيصها، موضحا أن غبار الأسمنت يؤثر على الأغشية المخاطية ويسبب الأمراض العديدة للإنسان، لذلك يجب على سكان المنطقة وطلاب المدرسة وعمال المحاجر الذين يتعرضون للغبار الخضوع للكشف الطبى الدورى كل 6 أشهر، موضحا أن هناك مرحلة لو وصل إليها المرض يتم تدمير الرئة ولا يصلح معها العلاج، فما بالنا بأطفال فى عمر الرضيع؟
واستطرد: هذا وضع خطير يهدد الجهاز التنفسى ويسبب الأمراض، موضحا أن الغبار به ثقيلة تمتص جزيئات معادن مثل «الرصاص»، موضحا أنه مع التعرض المستمر يحدث ما يسمى بالفعل المتحزن والمتراكم داخل الجسم، لدرجة أنها تسبب الأمراض الخبيثة بعضها خاص بالمخ والأنيميا، إضافة إلى أنه يؤثر على ذكاء الأطفال، واستكمل: الرئة نسيج رخو يحدث فيه تبادل غازات، فيتحول إلى حجر غير قادر على تبادل الغازات، موضحا أنه عند خروج ثانى أكسيد الكربون من الدم، واستبداله بالأكسجين، هكذا تتم عملية التنفس، مشيرا إلى أن الرئة تفشل أداء هذه الوظيفة، وبالتالى يكون مصير المريض إما أنه قعيد غير قادر على أداء أى عمل أو الموت.
إضافة إلى أن الكلى تتخلص من سموم الجسم، لكن عندما تتعرض لكميات كبيرة من السموم على مدار اليوم، لا تتحمل مواجهتها السموم فتفشل، وواصل: هذه المشكلة جسيمة، حلها يكون بنقل المصانع الملوثة للبيئة عن المناطق السكنية، لأن نسبة الغبار والتلوث فى الهواء، والانبعاثات الخارجة من المصانع فأحيانا تكون أكثر من المسموح به 70 مرة، ويجب أن تنقل المدرسة فورا إلى مكان آخر.
مواجهة المسئولين
من جانبه قال الدكتور يسرى حسين – وكيل وزارة الصحة لشئون صحة البيئة – أن وجود مدرسة داخل مصنع أسمنت أمر خطير جدا وغير مقبول، لافتا أنه لا يجوز وجود مدرسة داخل مصنع، فالعوادم الناتجة منه تتسبب فى الأمراض العديدة منها الأمراض الصدرية والرئوية والجلدية وغيرها، وأوضح: أن لجنة مشتركة بين الصحة والبيئة وهيئة الأبنية التعليمية تقوم بفحص المكان للتأكد من كونه جو امدرسيا وبيئيا وصحيا مناسبا، وأنه مطابق للمواصفات كى يتم التصريح لها بإقامة مدرسة، وشدد على ضرورة إرسال لجنة مشتركة لتلك المكان للوقوف على أبعاد المشكلة، ولفحص الطلاب، وتابع سيتم التحقيق فى هذا الموضوع وتحرير محاضر للمخالفين، وتحويلهم للمساءلة القانونية.
من جانبها أعربت الدكتورة فاطمة خضر – وكيل وزارة التربية والتعليم بالقاهرة – عن أسفها الشديد بسبب وجود مدرسة داخل مصنع للأسمنت، مؤكدة أنها ستنسق مع مهندس الأبنية التعليمية، ومدير عام الإدارة المعنية، للذهاب إلى المدرسة السالف ذكرها، وللوقوف على أرض الواقع، لتحديد المخاطر التى تهدد صحة أبنائنا، وللبحث عن الأماكن المتاحة لنقلهم، موضحة أنها بعد ذلك تقوم بمخاطبة القوة العاملة التى تقوم بالتفتيش على الأمن الصناعى، ثم يتم إصدار القرار.

التعليقات مغلقة.