أ.د. محمود الصاوي يكتب .. وأقيموا الشهادة لله
تداولت وسائل الإعلام علي نطاق واسع خلال الأيام القليلة الماضية موضوع الشهادة وحكمها وواجبات الشاهد عندما يستدعي أمام القضاء للإدلاء بشهادته وهل يجوز له الامتناع عن ذلك ولذلك نبين هنا موضوع الشهادة وآدابها في الثقافة ألاسلامية فالشهادة امر عظيم في الإسلام وتعد من أدلة الاثبات المهمة في الشرائع والقوانين،
والشهادة
مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع يقول الله تبارك وتعالى( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ) وفي الآية دلالة صريحة في طلب الإشهاد منعا لضياع الحقوق ، وفي السنة مارواه مسلم عن الاشعث بن قيس قال كان بيني وبين رجل خصومة في بئر واختصمنا الي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : ( شاهداك أو يمينه )
و من المقولات التي طارت في الآفاق( لادليل علي جريمة من دون شهادة ، فهي عمود الإثبات، ووجوب ادائها علي من تعينت في حقه مما هو معلوم من أحكام الشريعة بالضرورة ، والشاهد هو عين المحكمة وآذانها ، ولشهادته أهمية أثناء التحقيق فيما يتعلق بالبراءة أو الإدانة، وقد تضمنت آيات القرآن الكريم الوعيد الشديد لمن تقاعس عنها اذا تعينت عليه قال تعالي ( وأقيموا الشهادة لله ) فاذا لم يوجد من يكفي لأداء الشهادة في حقوق العباد تعينت علي البعض وانتقلت من دائرة فرض الكفاية الي فرض العين . لقوله جل وعلا ( ولا يأب الشهداء اذا مادعوا) وقد حذر رب العالمين تبارك وتعالى المتقاعسين والمتفلتين من أداء الشهادة عندما تتعين عليهم( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه )
شروط الشهادة:
الاصل المنطقي والشرعي هو اتحاد الدينين دين الشاهد والمشهود عليه مع العدالة قال تعالي ( واشهدوا ذوي عدل منكم ) ، وتقبل الشهادة مع اختلاف الدينين في حالة الضرورة خاصة إذا كان الشاهد حسن السيرة والسلوك واستقر في وعي القاضي وضميره عدم وجود عداوة أو خصومة بين الشاهد والمشهود عليه فضلا عن قوة علاقته والتصاقه بموضوع الشهادة ، لو كانا زميلين في عمل أو مؤسسة واحدة وبينهما مسؤولية مشتركة وكلاهما مشهود له بالنزاهة والأمانة والصدق وحسن السيرة ، ولا يوجد غيره فماالمانع من اخذ وقبول الشهادة من أحدهما ولو اختلف الدينان ؟
قال تعالي ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم اذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم أن انتم ضربتم في الارض فاصابتكم فاصابتكم مصيبة الموت ) قال بن عباس أو( آخران من غيركم ) : يعني من اهل الكتاب
الثاني: البلوغ والعقل
فلا تقبل شهادة لصغير وان اتصف بالعدالة لأنه ناقص الإهلية، لكن تقبل شهادة الصبيان بعضهم علي بعض في الجروح وبخاصة قبل تفرقهم اذا اتفقت كلمتهم . ولا تقبل شهادة المجنون والمعتوه والسكران،
الثالث : الحفظ والضبط واليقظة
فلا تقبل شهادة الابله والمغفل المعروف بكثرة السهو والخطأ لعدم حصول الثقة بقوله لاحتمال أن يكون ذلك من غلطه
الرابع : العدالة
فلا تقبل الشهادة من فاسق ( واشهدوا ذوي عدل منكم ) والعدل هو المستقيم في دينه صاحب المروءة المؤدي الحقوق والواجبات
الأحكام المتعلقة بالشهادة:
– العلم بموضوع الشهادة فلا يجوز الشاهد أن يشهد بما لم يعلم حتي لا يصبح ( شاهد ماشافش حاجة ) ! قال تعالي ( ولا تقف ماليس لك به علم ) وقال تعالي ( الا من شهد بالحق وهم يعلمون ) أي علي بصيرة وعلم ، ويحصل العلم بالسماع أو بالرؤية أو بالشهرة والاستفاضة ،
– عدم المجاملة في الشهادة فهذا محرم فيجب علي الشاهد أن يشهد بالحق ولو علي أقرب الناس اليه
– لا تقبل شهادة الزور والكذب وهي من الكبائر قال تعالي( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) لأنها تعيق العدل وتجلب الجور والظلم
– لا تقبل شهادة الاب لابنه ولا العكس ولا أحد الزوجين للاخر لحصول التهمة ، وتقبل الشهادة عليهم، فلو شهد علي ابيه أو ابنه أو زوجه أو شهد أي منهم علبه قبلت شهادتهم
أركان الشهادة
الشاهد، المشهود له ، المشهود عليه، المشهود به ، صيغة الشهادة. ومن شروط الشهادة أن تكون واضحة وصريحة الدلالة وان تكون مطابقة للدعوي المنظورة ، أمام القضاء وان تكون عن علم ويقين
أنواع الشهادة :
( ١) الشهادة الشفهية
وهي ثلاثة أنواع :
الشهادة المباشرة : وصلت لعلم الشاهد شخصيا شاهدها ببصره كحادث سيارة أو معركة وقع فيها مصابون وقتلي كان حاضرا فيها أو شاهدها، أو سمعها أن كانت قولا كمن يحضر مجلس عقد بين الطرفين ويسمع قولهما فيه .
الشهادة غير المباشرة: لم يشهدها بنفسه فتكون شهادة الشاهد هنا سماعية فتكون شهادة علي الشهادة
وللقاضي سلطة مطلقة في تقدير الشهادة السماعية يعتبرها صحيحة أو يطلب تعزيزها بأدلة اخري ، أو يعتبرها غير صحيحة
(٢) الشهادة المكتوبة
الاصل أن تؤدي الشهادة شفاهة وان تكون مباشرة وجها لوجه أمام المحكمة أ والقاضي المنتدب ، حيث أن هيئة الشاهد وحالته تكشف للمحكمة مدي صدقه أو كذبه وتساعد المحكمة علي اكتشاف الحقيقة ، ويجب علي الشاهد أن يعتمد في شهادته علي ذاكرته ولا يسمح له تلاوة شهادته من ورقة مكتوبة الا اذا كانت شهادته معقده وتحتوي علي ارقام وحسابات وتواريخ ، وذلك يكون بعد أن تأذن له للمحكمة .
حكم الامتناع عن أداء الشهادة :
ولا يجوز الامتناع عن أداء الشهادة ، وإذا امتنع المرء عن الأدلاء بشهادته لإثبات حق أو دفع تهمة وجهت الي شخص برئ فإنه يكون عاصيا، وعليه أن يبادر ويطلب من جهة التحقيق إعطائه فرصة للادلاء بشهادته، خاصة إذا علم أن عدم الشهادة يؤدي لإلحاق الضرر بشخص أو ضياع حق ، والأصل في الشهادة الوجوب لما في ذلك من المصلحة، فإذا طلب من شاهد الشهادة ولم يكن هناك غيره تكون الشهادة فرض عين.
ــــــــــــــــــــ
التعليقات مغلقة.