كتب/ حمدى الكاتب
حسام عيسى
باحث في العلوم السياسية و العلاقات الدولية
تاريخَ الأزماتِ الاقتصاديةِ
علينا الرجوعُ لتاريخِ تلكَ الأزماتِ الاقتصاديةِ ، منْ أجلِ معرفةِ آثارها وآلياتِ تواجدها وكيفيةِ مواجهتها ، ومنْ يديرها ؛ حتى ندركَ المعنى العلمي لتلكَ الظاهرةِ .
لقدْ قامَ العالمُ مورجنثاوْ بتحليلِ الأحداثِ العالميةِ في كتابِ ” السياسةِ بينَ الأممِ ” الصادرِ عامَ 1948 م ، والذي استندَ على الحقبةِ بينَ الحربينِ العالميتينِ : الأولى والثانيةَ ، وحللَ ما وقعَ فيهمْ منْ أحداثٍ .
• الحدثُ الأولُ
الحربُ العالميةُ الأولى 1914 – 197، كانتْ بالأساسِ لحمايةِ النفوذِ البريطانيِ الاقتصاديِ ضدَ الصعودِ الألمانيِ في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ ، حيثُ كانَ لبريطانيا مستعمراتٍ في الهندِ ، فكانَ ضروريا لإنجلترا تأمينَ طريقِ مواصلاتها إلى مستعمراتها ، ومنْ أهمِ أسبابِ الحربِ كانَ نتيجةَ توقيعِ اتفاقِ بينَ ألمانيا والإمبراطورِ العثمانيِ ؛ لإنشاءِ خطِ سكةِ حديدِ برلين – بغدادَ ، مما يؤدي إلى تزايدِ النفوذِ الألمانيِ في منطقةِ الاستحواذِ البريطانيِ في الدولِ العربيةِ، ولذلكَ سارعتْ إنجلترا بالقضاءِ على ذلكَ النفوذِ الألمانيَ فكانتْ الحربُ العالميةُ الأولى .
ولقدْ أقرَ ” مورجنثاوْ ” في كتابٍ أنَ أساسَ الحروبِ هوَ السيطرةُ الاقتصاديةُ ، فالعلاقاتُ بينُ الدولِ أساسها الصراعَ ومنْ يتحكمُ في هذا الصراعِ هو مقدارَ قوةِ الدولِ حيثُ تسعى الدولُ حمايةَ مواردِ اقتصادياتها ، وتحركَ الدولِ كافةَ أدواتها الدبلوماسيةِ والعسكريةِ والاقتصاديةِ لتحقيقِ أهدافها الاقتصاديةِ .
• الحدثُ الثاني
لقدْ أحدثتْ الليبراليةُ الكلاسيكيةُ الكسادَ العالميَ في الفترةِ ما بينَ 1929 – 1933 ، فيما سميَ بالاجتياحِ الاقتصاديِ للرأسماليةِ ، وإتاحةُ الفرصةِ للاحتكارِ دونَ النظرِ للبعدِ الاجتماعيِ ، وافتقادَ القدرةَ الماليةَ بالتعاملِ معَ قوانينِ الاقتصادِ العالميِ الاحتكاري، مما أدى إلى حدوثِ كسادٍ في معظمٍ دولُ العالمْ والذي أدى إلى إلغاءِ التعاملِ بالغطاءِ الذهبيِ للدولِ والحامي للعملةِ أمامَ التعاملاتِ الاقتصاديةِ الدوليةِ، و لقد أثر ذلك الكساد على أضعافَ دولَ القارةِ الأوروبيةِ بشكلٍ عامٍ ، في الوقتِ التي تسعى الولاياتُ المتحدةُ بزيادةِ قوتها الاقتصاديةِ ، حيث استطاعت أن تسيطر على دولِ أمريكا الجنوبيةِ اقتصاديا، مما أدى إلى التفوقِ الاقتصاديِ الأمريكيِ على دولِ القارةِ الأوروبيةِ ، فسعتْ جاهدةً إلى تغييرِ النسقِ العالميِ عنْ طريقِ إحداثِ حربٍ عالميةٍ ثانيةِ 1939 – 1945 ، مستغلةً الشعورِ الألمانيِ بالقوةِ في مجابهةِ باقي الدولِ الأوروبيةِ . حيثُ سعتْ أمريكا في تلكَ الحربِ بالقضاءِ على القوةِ الألمانيةِ ، والسيطرةُ على دولِ أوروبا لتكون حليفةً لها وتكونُ القارةُ الأوروبيةُ هيَ الحاجز التي يقفُ أمامَ نفوذِ الاتحادِ السوفيتيِ في ذلكَ الوقتِ ، فعقب الحربِ العالميةِ الثانيةِ ، تبنتْ أمريكا إعمارَ أوروبا حيثُ ربطتْ الاتحادَ الأوروبيَ بالاقتصادِ الأمريكيِ عنْ طريقِ مشروعِ مارشالٍ بتكلفةٍ أكثرَ منْ 22 مليارِ دولارٍ وخصصَ الجزءُ الأكبرُ لألمانيا ، حيثُ نزعتْ السلاحَ منْ ألمانيا ، كوريا الجنوبيةِ ، واليابانُ ، وبذلكَ سيطرتْ عسكريا واقتصاديا عنْ طريقِ ربطِ الشركاتِ السياديةِ المؤثرةِ على الناتجِ القوميِ لتلكَ للدولِ كيْ تصبحَ أسهمها تابعةً للاقتصادِ الأمريكيِ ، خاصةً اقتصاد بريطانيا ، فرنسا ، إيطاليا ، وألمانيا .
• تفسيرٌ – إدارةِ العالمِ بالأزماتِ الاقتصاديةِ
فمنْ خلالِ إدارةِ الأزمةِ الاقتصاديةِ التي مرتْ على الدولِ الأوروبيةِ استطاعتْ أمريكا استغلالَ الضعفِ الاقتصاديِ الأوروبيِ فسيطرتْ على تلكَ الدولِ اقتصاديا ثمَ عسكريا في ضمهمْ إلى حلفِ الناتو العسكريِ التي تديرهُ أمريكا .
في كتابِ ” العولمةِ والأمنِ القوميِ الدوليِ المدخلُ إلى الجيواقتصاديُ ” لجاكْ فونتانال الصادرِ عامُ 2009 ، والحائزَ على جائزةِ نوبلْ في الاقتصادِ . أسردُ حديثهُ عنْ كيفيةِ سيطرةِ أمريكا منْ خلالِ العولمةِ المتعمدةِ ومنظمةُ التجارةِ العالميةِ التي أوجدتها أمريكا كيْ تتزعمَ الاقتصادَ العالميَ وعنْ طريقِ جعلِ الدولارِ الأمريكيِ الغطاءِ الحامي لعملاتِ الدولِ .
فعقب الحربِ العالميةِ الثانيةِ ، انشطرَ العالمُ إلى نصفينِ : شرقيً وغربيٍ ، وقعَ المعسكرُ الشرقيُ تحتَ سيطرةِ الاتحادِ السوفيتيِ فوحدَ : الاقتصادُ ، الدفاعُ ، العملةُ ، والجيشُ مما أرهقَ الدولةَ الأمَ روسيا الاتحاديةَ اقتصاديا فكانَ سببا رئيسيا في انهيارِ الاتحادِ السوفيتيِ .
بينما اتبعتْ أمريكا استراتيجيةً أخرى معَ حلفائها حيثُ ربطتْ الدولُ الأوروبيةُ بها اقتصاديا وأنشأتْ الحلفَ الأطلسيَ فتسيدتْ أمريكا العالمُ اقتصاديا بمنظمةِ التجارةِ العالميةِ ، وبحلفَ الناتو العسكريِ وإجبارِ حلفائها على الانضمامِ لها ، وأقامتْ نظاما للتحويلاتِ النقديةِ العالميةِ عنْ طريقها .
كما أكدَ رائدُ النظريةِ الواقعيةِ ” جونْ ميرشيمار” في كتابهِ ” مأساةَ سياسةِ الدولِ العظمى ” عامَ 2001 ، أسندَ حديثهُ إلى أنْ العلاقاتُ الدوليةُ تقوم على مفهومِ الصراعِ وأنَ مفهومَ الأساسِ للصراعِ هوَ القوةُ ومنْ يتحكمُ في قوةِ الدولةِ هيَ قوتها الكامنةُ القائمةُ على القوةِ الذاتيةِ منْ قوةٍ اقتصاديةٍ وعسكريةٍ وانْ البيئةِ الدوليةِ هيَ الحاكمةُ في توجهاتِ سياساتِ الدولِ وانْ القوةِ هيَ هدفٌ ووسيلةٌ للدولِ منْ أجلِ البقاءِ والاستمرارِ ، وعلى الدولِ السعيِ إلى القوةِ أوْ إضعافِ الدولِ المنافسةِ لها ، وهذا المنهجُ المتبعُ منْ قبلِ أمريكا التي طالما تستندُ إلى تقويةِ ذاتها وإضعافِ منافسيها ، ولقدْ استخدمتْ الإدارةُ الأمريكيةُ الأداةُ الاقتصاديةُ كإحدى أهمّ الأدواتِ في زيادةِ قدراتها الكامنةِ وأيضا إحدى أهمِ الطرقِ في إضعافِ المنافسينَ لها ، حيثُ انتهجتْ الاستراتيجيةُ الأمريكيةُ الشاملةُ في إدارتها للعالمِ هوَ ” الإدارةُ بالأزمةِ ” وخاصةً بالإداةِ الاقتصاديةِ في خلقِ الأزماتِ لإعادةِ ترتيبِ موازينِ القوةِ بينَ الدولِ أوْ لسلبِ إرادتها السياسيةِ منْ خلالِ الضغوطِ الاقتصاديةِ والاحتياجاتِ الماليةِ لإدارةِ الدولِ .
وقدْ تحدثَ ” جاكْ فونتانال ” العالمِ الاقتصاديِ عنْ كيفيةٍ إرضاخْ الدولُ اقتصاديا منْ خلالِ التدخلِ في شؤونِ الدولِ كعاملِ منْ عواملِ التأثيرِ السياسيِ والاقتصاديِ عنْ طريقِ الربطِ اقتصاد الدول بالاقتصادِ العالميِ وربطهمْ بالعملةِ الأمريكيةِ وعنْ طريقِ المساهمةِ في أصولِ الشركاتِ السياديةِ للدولِ المتحكمةِ في ناتجها القوميِ ومنْ خلالِ البورصاتِ تتلاعبُ أمريكا باقتصادياتِ الدولِ أوْ عنْ طريقِ المساهماتِ المباشرةِ منْ أمريكا أوْ الشركاتِ المتعددةِ الجنسيات التابعةِ لها منْ أجلِ الضغطِ على الدولِ وسلبِ إرادتهمْ السياسيةِ منْ أجلِ تحقيقِ المصالحِ الأمريكيةِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ .
• الأزماتُ الاقتصاديةُ المفتعلةُ
أولاً : – الإثنينُ الأسودُ عامُ 1988 م ، السقوطُ المدوي للبورصةِ الآسيويةِ كانَ نتيجتهُ تحطمَ هونجْ كونجْ اقتصاديا حيثُ كانتْ تابعةً في ذلكَ الوقتِ للإدارةِ البريطانيةِ وخسرتْ بريطانيا هناكَ حواليْ 60 % منْ القيمةِ الاقتصاديةِ ، وخسرتْ كلا منْ اليابانِ 45 % ، أستراليا 35 % منْ اقتصادياتهمْ وهونجْ كونجْ أكثرَ منْ 70 % بسببِ التدخلِ الأمريكيِ في البورصةِ ، منْ أجلِ القضاءِ على الاقتصادِ في هونجْ كونجْ قبلَ أنْ ترجعَ لإدارةِ الصينِ الشعبيةِ عامَ 1997 م . ثانيا : – أزمةُ النمورِ الآسيويةِ 1997 م ، وكانَ ذلكَ منْ أجلِ السيطرةِ على الاقتصادياتِ الناشئةِ في شمالِ شرقِ آسيا والصعودِ الاقتصاديِ لتايلاند ، سنغافورة ، ماليزيا والقضاءِ على البقيةِ الاقتصاديةِ لهونجْ كونجْ عنْ طريقٍ التلاعبَ بالبورصةِ الآسيويةِ .
ثالثا : – أزمةُ الروبل الروسيِ 1998 م ، حيثُ خسرتْ روسيا الاتحاديةُ أكثرَ منْ 30 % منْ قيمتها الاقتصاديةِ عنْ طريقِ التلاعبِ الأمريكيِ بأسعارِ النفطِ والغازِ .
رابعا : – أزمةُ الائتمانِ العقاريِ عامُ 2008 م ، بأمريكا – الذي أثرَ على المستثمرينِ الأجانبَ الذينَ استثمروا في العقاراتِ الأمريكيةِ ، وعلى الاقتصادياتِ المرتبطةِ بذلكَ الاستثمارِ ، وأثرَ ذلكَ على بعضِ الدولِ الأوروبيةِ .
خامسا : – أزمةُ الديونِ السياديةِ في الاتحادِ الأوروبيِ والتي أوشكتْ بعضَ الدولِ على الإفلاسِ، منها : إيطاليا ، أسبانيا ، البرتغالُ ، واليونانُ ، ولكنْ استطاعتْ ألمانيا قيادةَ الاتحادِ الاوروبي وتنشيطهِ مرةَ ثانيةٍ .
سادسا : – خروجُ بريطانيا منْ الاتحادِ الأوروبيِ – في عامِ 2016، جاءتْ ” تريزا مايْ ” لرئاسةِ الوزراءِ البريطانيةِ منْ أجلِ تهيئة البلاد لإخراجِ بريطانيا منْ الاتحادِ الأوروبيِ ، و مع تلاعبُ المخابراتِ البريطانيةِ والأمريكيةِ في استفتاءِ الخروجِ منْ الاتحادِ الأوروبيِ عامُ 2016 م ، و الاشار الى وجودِ أدلةٍ تشيرُ إلى تلاعبٍ استخباراتيٍ في الاستفتاءِ ، معَ التأكيدِ منْ الخبراءِ الاقتصاديينَ بأنَ الاقتصادَ البريطانيَ سوفَ يخسرُ على الأقلِ حواليْ 27 % منْ قيمتهِ الاقتصاديةِ حتى عامِ 2023 م ، إلا أن أصرت الإدارة السياسية البريطانية الخروج من الاتحاد الأوروبي، تنفيذا للإرادة الامريكية منْ أجلِ إضعافِ الاقتصاديِ للاتحادِ الأوروبيِ وزيادةُ ربطِ الاقتصادِ البريطانيِ بأمريكا وعدمِ استقلاليتها ، وهذا ما تشهدهُ بريطانيا حاليا منْ انحدارِ نموِ الاقتصادِ البريطانيِ منذُ الخروجِ منْ الاتحادِ الأوروبيِ والتفككِ السياسيِ في القيادةِ لبريطانيا وعدمِ القدرةِ على إدارةِ الأزمةِ الاقتصاديةِ البريطانيِة ، وهذا واضحٌ في التغيرِ في رئاسةِ وزراءَ بريطانيا أعرقَ الدولِ في الإدارةِ السياسيةِ .
• التمكنُ الأمريكيُ منْ الاقتصادِ العالميِ
لقدْ استطاعتْ الولاياتُ المتحدةُ إلى ضمِ الأزماتِ الاقتصاديةِ إلى استراتيجيتها الخارجية ؛ لكيْ تضغطَ على العالمِ وتؤثرُ فيهِ اقتصاديا كيْ تسودهُ ، فالخروجُ البريطانيُ منْ الاتحادِ الأوروبيِ ، وافتعالَ الأزمةِ الأوكرانيةِ ما هوَ إلا محاولةً أمريكيةً لإعادةِ ترتيبِ النسقِ العالميِ بحيثُ تظلُ أمريكا الدولةُ المهيمنةُ . لقدْ كانَ القلقُ الروسيُ طبيعيا حسبَ ” النظريةِ الواقعيةِ ” منْ محاولةِ ضمِ أوكرانيا إلى حلفِ الناتو ، حيث تمثل أمريكا المنافسَ التقليديَ لروسيا الاتحاديةِ ، ولذلكَ دفعت روسيا الاتحاديةُ بالتدخلِ العسكريةِ منْ أجلِ حمايةِ الأمنِ القوميِ الروسيِ منْ زيادةِ النفوذِ الأمريكيِ بالقربِ منْ الحدودِ الروسيةِ ، فحدثَ الغزوُ الروسيُ لاوكرنيا ، فهوَ صراعُ بينَ أمريكا ، روسيا ، والصينُ منْ أجلِ بقاءِ الهيمنةِ الأمريكيةِ أوْ جعلِ العالمِ متعددٍ القوى فيشملُ أمريكا وروسيا والصينُ .
فقدٌ استغلتْ أمريكا قوتها الدبلوماسيةَ ودفعتْ اوكرنيا بالسعي للانضمامِ إلى حلفِ الناتو ، حتى تستطيعَ أمريكا فصلَ روسيا اقتصاديا عنْ الدولِ الغربيةِ وخاصةً ألمانيا ( حيثُ حذرَ العالمُ ماكيندرْ منْ التحالفِ الروسيِ الألمانيِ و السيطرة على قلب الارض ) وغلقِ الاقتصادِ الروسيِ على الدولِ الفقيرةِ في القارةِ الآسيويةَ ، وبذلكَ يتقلصُ الاقتصادُ الروسيُ ويضعفُ وبالتالي لا يستطيعُ أنْ يجابهَ القوةَ الأمريكيةَ وتبقى أمريكا مهيمنةً اقتصاديا .
كما عمدتْ أمريكا بقيادتها للعملةِ العالميةِ ” الدولارَ ” بخفضِ القيمةِ الاقتصاديةِ للدولِ برفعِ قيمةِ الفائدةِ على الدولارِ منْ أجلِ خفضِ قيمتهِا عندَ الدولِ التابعةِ لأمريكا منْ أجلِ السيطرةِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ على تلكَ الدولِ ، وبذلكَ خسرتْ معظمَ دولِ العالمِ منْ 10 % إلى 25% منْ قيمتها الاقتصاديةِ للعملةِ الدولاريةِ .
• آلية إدارةِ الأزماتِ الاقتصاديةِ
توصلَ العام “ألكسندرْ وندتْ” في كتابهِ ” النظريةَ الاجتماعيةَ للسياسةِ الدوليةِ ” عامَ 2006 م، أنَ السبيلَ الوحيدَ للتصدي للتحديات الخارجيةِ ومنْ أجلِ بقائنا هوَ : الترابطُ الاجتماعيُ وتلاحمُ النظامِ السياسيِ بالنظامِ الاجتماعيِ بشكلٍ قويٍ ، حيث أنة يسهلُ تغييرَ النظامِ السياسيِ و لكنَ يصعبُ تغييرَ النظامِ الاجتماعيِ، و عند تلاحم النظام الاجتماعي بالسياسي يصعب تغير الدول .
فمثلاً : تمكنتْ أمريكا منْ تغييرِ النظامِ السياسيِ في العراقِ ، ليبيا ، واليمنُ ومنْ قبلهمْ هايتي بأمريكا الجنوبيةِ ومحاولةُ تغيرِ النظامِ السياسيِ في فنزويلا ، ولكنها لمْ تستطعْ تغييرَ النظمِ الاجتماعيةِ بتلكَ الدولِ .
لذا على المجتمعِات خاصة الناشئة الارتباطِ أكثرَ فكريا بالإدارةِ السياسيةِ والإدراكِ بوعيِ ومعرفةِ التحدياتِ التي تواجهُ الإدارةُ السياسية سواءٌ بالضغوطِ الخارجيةَ السياسيةَ أوْ بلازمةٍ الاقتصاديةَ ومتطلباتِ إدارةِ الدولةِ منْ احتياجاتٍ اقتصاديةٍ أوْ منْ التحدياتِ الداخليةِ في القدرةِ الكافيةِ لتلبيةِ متطلباتِ المجتمعِات .
وفي كتابِ ” النظريةِ الاجتماعيةِ منْ بارسونزْ إلى هابرْ ماسَ ” التابعَ للمدرسةِ البنائيةِ الوظيفيةِ تطرقَ المؤلف “إيانْ كريبٍ” إلى كيفيةِ توظيفِ المجتمعِ لمجابهةِ تلكَ التحدياتِ منْ أزماتٍ سياسية او اقتصادية، و ذلك عن طريق إعادة توظيف المجتمع بكافة طوائفة في المساهمة في إدارة ازمات الدولة بالادراك و المعرفة و العمل على توفير الحلول و تحمل تكلفة الاقرارت السياسية و الاقتصادية، على ان يرتبط المجتمع اكثر من نظامة السياسي .
ومنْ خلالِ النظريةِ البنائيةِ الاجتماعيةِ والبنائيةِ الوظيفيةِ ، يتضحَ أنَ السبيلَ الوحيدَ للتصدي للأزماتِ الاقتصاديةِ الخارجيةِ وللتصدي للتحديات السياسيةِ الخارجيةِ منْ أجلِ السيطرةِ والهيمنةِ، هوَ دورُ المجتمعِ وقدرتهِ على مجابهةِ كافةِ الأزماتِ، حيثُ إنَ تلكَ الأزماتِ تؤثرُ على الدولةِ، و أن قدرة الدولة على التصدي لكافة التحديات الداخلية و الخارجية يعتمد بشكل قاطع و مؤثر على ثقافة و ادارك الفرد و مدى تمكنة من هويتة . كما تشيرُ تلكَ النظرياتِ إلى أنَ الاعتمادَ على القوةِ الكامنةِ في إعلاءِ القوةِ الذاتيةِ وتنميتها هيَ المعبرُ الوحيدُ للخروجِ منْ الأزماتِ سواء اقتصادية او ضغوط سياسية .
كما اكد العالم ” كارل بوبر ” في كتابة ” علم النفس و دماغها” الصادر عام 2012م، انْ سلامةِ المجتمعِ منْ قوةِ الدولةِ، و ان قوة الدولة تأتي من أرتباطِ المجتمعِ بالإدارةِ السياسيةِ ، و أن حرية الفرد تأتي من حرية الدولة، و حرية الدولة قد تكون بالتضحية بالروح من أجل بقاء الدولة .
كما أكدَ العالمُ ” لاتزالُ ” في كتابةِ الجغرافيةِ السياسيةِ الصادرِ عامُ 1897 م ، على أهميةِ اعتمادِ الدولِ على قوتها الذاتيةِ وإنمائها باستراتيجيةٍ شاملةٍ كيْ تستطيعَ أنْ تواجهَ التحدياتُ الخارجيةُ وتوحدُ العملِ بالنظامِ الاجتماعيِ لما يحققُ طموحاتهِ وأحلامهُ .
إن الاعتمادِ على الذاتِ – أيْ البحثِ عنْ القوةِ الذاتيةِ للمجتمعِ بحيثُ يكونُ التوجهُ إلى التصديرِ والحدِ منْ استهلاكِ السلعِ وخاصةً السلعَ الكماليةَ ، تشجيعُ ودعمُ الصناعةِ المحليةِ والمنتجِ الداخلي ، والرفضُ الضمنيُ للمنتجاتِ الأجنبيةِ ؛ لأنَ اتفاقيةَ الجاتَ ومنظمةِ التجارةِ العالميةِ تمنعُ الدول منْ اصدار قرار منعِ الاستيرادِ .
مصر _ نموذج للدولة الناشئة
فمصرُ تعتبرُ دولةً محوريةً لديها الغازُ بحيثُ تتمكنُ منْ تعويضِ أوروبا بنسبةِ 40 % في حالةِ استخراجِ كافةِ الآبارِ الموجودةِ لديها في شرقِ المتوسطِ وعلى الحدودِ الليبيةِ ، ولديها قناةُ السويسِ التي يمرُ بها ثلثُ تجارةِ العالمِ ، فمصرُ تمثلُ أهميةً جيوجغرافية وجيواقتصاديةٍ وجيوسياسية لدى الاستراتيجيةِ الأمريكيةِ و الروسية أوْ الصينِية وبالتالي يصبحُ الضغطُ أكثرَ على مصرَ اقتصاديا للتأثيرِ عليها منْ أجلِ الضغط على إرادتها السياسيةِ حتى تكونَ أداةٌ تحققُ مصالحَ الدولِ المسيطرةِ عليها_ تلك هي تحديات الإدارة المصرية عليها التصدي لتلك التحديات لكي تكون مستقلة تسعي لتحقيق مصالح شعبها .
ولنا في النموذجِ الصينيِ مثالٌ يحتذى بهِ حيثُ اتبعتْ الصينُ الاعتمادَ أولاً على الإمكانياتِ المتاحةِ بداخلِ أراضيها وتعظيمِ إنتاجيتها في استخدامها لمواردها كافةِ، كما اتبعتْ منهجا لتوطينِ الصناعةِ في إنشاءِ الشركاتِ الصناعيةِ بارضيها وتوطينٍ التكنولوجيا ، حيثُ اعتمدتَ على توجيهِ المجتمعِ الصينيِ في استهلاكياتة ما بينَ 1979 – 2000 م ، حتى أجبرتْ كلَ القوى الاستثماريةِ للرضوخِ للشروطِ الصينيةِ منْ إنشاءِ المصانعِ بارضيها وتصديرِ تكنولوجيتها أيضا .
ومنْ هنا نستنتجُ أن فكرةَ إيجادِ عواملَ جاذبةٍ للاستثمارِ في مصرَ منْ خلالِ توطينِ الصناعةِ المدمجةً بالتكنولوجيا ، و العمل على كسر الحصارٍ التكنولوجيٍ للصناعةِ على مصرَ.
لذا لدى مصرَ تحديَ قوي في جذب القوى الاستثماريةِ بتصديرِ تكنولوجياتها الى مصر وتدريبِ الأيدي العاملةِ عليها والقدرةُ على استعاضةِ قطعِ الغيارِ في تصنيعها داخلَ الأراضي مصرَية.
وقدْ انتهجتْ مصرُ بالاعتمادِ القويِ على الزراعةِ ، ففي خلالِ الثماني سنواتِ الأخيرةِ ، زادَ تصديرُ المنتجاتِ الزراعيةِ بمعدلِ أكثرَ منْ 38 % ، كما استطاعتْ أنْ توطنِ بعضِ الصناعاتِ في البتروكيموياتْ والمشاركةُ في عملياتِ الاستكشافِ للنفطِ والغازِ كما استطاعتْ بتوطينِ صناعةِ الأدويةِ واستيرادِ تكنولوجيا المنسوجاتِ والأقمشةِ .
لذا لخروجِ الدولةِ المصريةِ منْ تلكَ الأزمةِ الاقتصاديةِ المفتعلةِ منْ قبلِ القوي الكبرى التي تسعى لتبقى مهيمنةً اقتصاديا وسياسيا على العالمِ، أو تلك القوي الكبرى التي تريد تعدد القطبية في النسق العالمي، هوَ اعتمادُ مصرَ على الإمكانياتِ المتاحةِ منْ مواردها وثرواتها والاعتمادِ على الذاتِ في احتياجاتِ المجتمعِ والامتناعِ على كلِ ما هوَ خارجَ الإنتاجِ المصريِ إلا في الضرورةِ ، وهذا يعتمدُ في المرتبةِ الأولى على وعيِ أفرادِ المجتمع كافةً، و العمل على جذب التكنولوجيا المتطورة و توطينها و التدريب عليها في الأراضي المصرية، مع إعطاء مميزات خاصة للشركات التي تقيم مصانع على ارض مصر، مع تقديم العمل مع المستثمر المصري ثم العربي ثم الأجنبي.
لذا طريقَ النجاةِ هوَ دعمُ ” صنعٍ في مصرَ ” ورفضَ كلُ ما هوَ منتجُ خارجِ مصرَ .
تحيا الشعوب بالعقولِ الواعيةِ المدركةِ المرتكزة على هُوية
التعليقات مغلقة.