بقلم نيفين فخر الدين
ثم لاح الصباح و بدأ يوم جديد مشرق و قد انقشعت غيوم الليلة السابقة و بدأت الارض تجف بعد ان اغرقها ماء المطر الذى انهمر بغزارة فأغرق الشوارع و الارصفة و اغتسلت السيارات حتى بدت لامعة و الاشجار ابتلت اوراقها و فروعها فانعكست اشعة الشمس عليها لتظهر الوانها براقة ، الجو صحو و ثمة نسمات دافئة تلف اجساد المارين هنا و هناك فتحرروا من ملابسهم الثقيلة .
فى هذه الاثناء خرجت من بيتها تتلفت حولها فقد تركت الشارع امس و كأنه مجموعة بحيرات كلما مرت سيارة فوق بحيرة منهم اغرقت جسدها الهزيل بالماء ، لكن الان الشوارع جافة الا من بؤر ماء لم تجف على جانبى الطريق ، اما هى فقد كان الجوع يمزق جوفها فهى لم تذق طعاما منذ امس و اطفالها الرضع ينتظرونها بلهفة فهم ايضا جياع تركتهم وحدهم لتبحث عما يسد رمقها و فى طريقها وجدت لفافة ملقاه على جانب الطريق مبللة بماء المطر بداخلها لقيمات متبقية من وليمة شطائر محشوة بلحم و خضروات التهمتها سريعا و دون ان تدرى ان كانت كافية ام لا او ستسد رمقها ام لا ، ثم عادت الى بيتها الذى اعتادت اللجوء اليه فى ايام البرد القارس ، بيتها هذا ما هو الا مدخل عمارة قديمة تحتمى به من قسوة الشارع هى و اطفالها ، تعطف عليها سيدة طيبة تسكن بالدور الاول و تقدم لها بعض الطعام الفائض لديها و لكنها معظم الوقت ليست متواجدة لظروف عملها .
نامت على جانبها و بدأ اطفالها الجراء الصغيرة فى التهام اثدائها جوعا و بردا و استسلمت هى لهم بحنان الام الفطرى فالامومة لا تفرق بين الانسان و الحيوان .
دخل العمارة رجل طويل ضخم يرتدى بالطو اسود و يغطى رأسه و يلثم نصف وجهه بكوفية صوف زرقاء و نظر اليها بكره و غضب شديدين ثم سحب هاتفه من جيبه و تكلم مع احدهم و فى دقائق وجدت طبق ملىء باللبن و قد وضعه هذا الرجل الضخم امامها و بدأت فى التهامه ثم قبل ان تنهى الطبق شعرت بالام مبرحة ببطنها و تشنجات و اخذت ترتجف و تتلوى وسط صغارها و هم حولها مذعورين حتى فارقت الحياة فقد كان اللبن مسمم ، التف المارة و السكان حول الكلبة المسكينة و اطفالها فى مشهد مؤثر حزين و الرجل الضخم يقف عند مدخل العمارة يتحدث بكل اصرار و ثقة ( اللى عملته ده حقى العمارة اتوسخت من وقت ما جت الكلبة دى و عيالها ياللا فى داهية خلى العمارة تنضف )
حقا ان الرحمة نفحة من نفحات الله سبحانه و تعالى يضعها فى قلوب الطيبين و الانقياء فقط
التعليقات مغلقة.