بقلم الكاتب محمد داغر
مرض شديد يصيب مجتمعنا المصري ويعتبر الفساد من أشد المعوقات في طريق التطور وتنمية المجتمعات، فهو الظاهرة الاجتماعية والسياسية السلبية، القديمة الحديثة، المحلية والعالمية التي لا زالت تعيش بيننا وتفتك بنا وذلك لغياب حس الانتماء وتدهور الأخلاق والمبادئ ، وإهمال الشفافية والرقابة المتشددة فنشأت هذه الظاهرة وترعرعت لتغدو بكل قبحها ظاهرة قوية جريئة تفرض نفسها على مجتمعاتنا بصورة نسبية ومتفاوتة ليتم من خلالها انتهاك المبادئ والقانون وبيع الذمم والقيم والأخلاق والمتاجرة بهموم الناس، بما يضر وينعكس بشكل واضح على حياتنا الاجتماعية ومصالحنا العامة.
ففساد الضمير والذمم هو عدو شديد الخصومة لاستقرار المجتمعات ونظام حياتها، فهو يتطفل عليها ليقتات على أرزاقها ويمنع رخائها حيث ينمو في قلب الأوطان لينتهك النزاهة والأمان ويعتدي على الحقوق، ويتهدد الجميع بآثاره المدمرة ونتائجه السلبية الخطيرة، فهو يستشري كالمرض في مصالح كثيرة حتى بات من القضايا التي تغلغلت في كل نواحي حياتنا المختلفة.
فهو موجود في كل الأمكنة والأزمنة والمجتمعات، حيث يخترقها عبر سلوكيات أصحابه غير المشروعة، للوصول إلى أهدافهم بكل الطرق والوسائل الملتوية الملتفة على الأنظمة والقوانين الموضوعة، وحيث الغاية تبرر الوسيلة لديهم، فنجدهم يغتصبون حقوق الغير ويحرمون الناس من الوصول إلى أهدافهم أو الحصول على فرصهم المُستحقة، ونسمع تارة عن أولئك الذين يسيئون استخدام مناصبهم ووظائفهم واستغلال سلطتهم ومواقعهم الوظيفية لأهداف ومصالح شخصية، أو نسمع عن استهتار البعض في أداء وظائفهم ومهامهم وواجباتهم أو تجاوزهم لحدودهم.
وأيضآ من يستخدم المال العام ويستغله في منافع خاصة او يحاول اختلاسه او الكسب منه بطرق غير قانونيه، وكم سمعنا عن أولئك الذين يسيئون لنفوذهم وسلطتهم الرسمية حيث يستعملونها بشكل وصورة تضر بمجتمعاتهم وصالحها العام ليتم استخدامها مقابل المال او تقديم بعض الخدمات بهدف الحصول على بعضٍ من الامتيازات الشخصية أو المآرب الخاص.
وعادة ما نجد الفساد مترعرعاً طليقاً حيث يضعف أداء الأجهزة الحكومية أو الأنظمة القانونية وحيث تنعدم الشفافية والوضوح، ولكن من الصعب أن نجده يعيش بكل حرية في المجتمعات التي تتمتع بالديمقراطية والشفافية وتسودها العدالة ويحكمها القانون، حيث تفعل آليات المحاسبة.
ولا يعلو أحد على سلطة القانون ولا توجد أي استثناءات ولا مكان للواسطة أو المحسوبية أو الرشوة، ولا تراخي أبدا في تطبيق القانون، فالفساد شر يفتك بأمن المجتمعات وأمانها ويؤثر على تقدمها ويؤخر تنميتها ونهوضها، ويصيب مفاصلها الحيوية ومؤسساتها المختلفة بالعجز عن قيامها بأدوارها الهامة وواجباتها مما يُعيقها عن تقديم خدماتها المفروضة.
لذا على الدول والمجتمعات ان لا تتساهل أبدا مع كل فاسد يهدم وطنه بفساده وأن لا تغض الطرف عن كل مستفيد منه، ويجب الانتباه لمواقع الفساد أينما حلت في أي مكان سواء كان في القطاع العام أو الخاص، والعمل على تغيير هذا الواقع بكل الطرق القانونية المتاحة ومتابعة قضايا الفساد بكل عزيمة وحزم، وتعزيز الرقابة والمسائلة والمحاسبة القانونية على الجميع دون أي استثناء.
نحن لا نريد ان نتداول ونسمع مزيدآ من الشعارات فقد أصابنا اليأس والملل منها فلما لا تتضافر الجهود ضمن إرادة حقيقية بناءة للقضاء على الفساد ليعيش الإنسان معززاً مكرماً يتمتع بكل حقوقه الإنسانية فلا يسلبه الفساد شيئا منها، وحيث تطبق كل الاستراتيجيات اللازمة ضده وتطبق القوانين الصارمة في حق كل مخالف وفاسد.
يجب رفع مستوى الوعي بخطورة هذه الظاهرة الفتاكة، لذا ليتكاتف الجميع ويجتهد كل في موقعه ومكانه لمكافحة الفساد، بالقوانين ووسائل الإعلام وبأقلامنا وأصواتنا وكل ما لدينا من وسائل وقوة وطرُق للحد من انتشاره حتى لا يكون العقبة أمام تقدم الأوطان وبناء المجتمعات القوية المتماسكة (حفظ الله مصر ورجالها المخلصين).
التعليقات مغلقة.