التعليم والتربية والتهذيب المقترن بممارساتها وغيرها من المفهومات أو المصطلحات التي نجدها في سياق تفاعلنا مع الآخر التربوي، أو الآخر الانساني، لتمنحنا حقيقة واحدة من فرط مسئوليتنا وشعورنا بعظمة الدور الذي ينبغي أن نمارسه ونحن نربي أو نرشد أو نهذب أو نعلم ..
بقلم .: ا.د. محمود فوزي أحمد بدوي
أستاذ أصول التربية – ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية لبيئة
كلية التربية – جامعة المنوفية
إنها علاقة الود والتراحم والتعلم والارتباط، التي لا يمكن أن توصف ولا يمكن كذلك أن تنتهي معها كل توقعات الايجابية والتعاطي الكريم في مدد وعون التكوين والرعاية التي يستحقها الآخر وهي له سر عظيم من أسرار الوجود،….
أبناؤنا الطلاب نحن التربويين أو من نقوم على رعايتهم أمانة بشرية غير عادية، لها علينا واجبات لا يمكن الا أن تكون من نبع ومعين الصدق واليقين بمترتبات الإخلاص في العناية ومسارات دفعها العظيم الكريم ..
نعم نمثل القدوة الكريمة في كل أوجه العناية والدعم ، ونعم يتوقع منا من نعول ونربي أدورا كريمة رائعة في السلوك والتقويم ، فما أكثر ما يصرف سلوكنا عن الحق ، وما أكثر ما ننجذب الى نجاح وهمي أجوف في تقدير ما نقوم به أو نقره ، انهم يتوقعون منا تفهما كريما لهم ، ويتوقعون دعما خلقيا وانسانيا وقيميا لتكوينهم ، ويتوقعون كذلك تفهما عظيما لطبيعتهم واحتياجاتهم ورغباتهم وما يطمحون اليه ، بل ويتوقعون حسما منا لمشكلاتهم المتكررة التي يتعرضون لها بقصد أو غير قصد ، كما أنهم يتوقعون ارشادا وعناية فائقة بكل جوانب تكوينهم العقلي والوجداني والسلوكي والاجتماعي ، انهم يتوقعون أن نكون عوامل التطوير الكريمة المرتبطة بنور وجمال تفاعلهم وترابطهم الانساني ..الخ ..
انهم يتوقعون ذلك بكل حب وأريحية وصفاء ويقين، فالعلاقة بهم هي علاقة رعاية وعناية واحتضان، وهم بحكم الواقع وبحكم تقديرهم يدركون أنهم أغلى علينا من أنفسنا وأغلى من الغاية ذاتها في الحياة ..، وهناك ملمح آخر أننا مؤتمنون على هذه العطية من الله ، ونحن مسئولون بحكم الرعاية عنهم وعن حياتهم ، وعن كل جوانب تكوينهم وصلاحهم وهدايتهم ..
فماذا ينبغي علينا أن نفعل أو نقرر أو نسلك مع أبنائنا في عصر لم نعد نقدر على توقع مترتباته أو أحداثه أو اختياراته، ولم نعد نقوم بالتربية وحدنا فيه، فهناك الشاشات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي والانترنت، والقرناء والشارع والصحبة وكل جاذبات الهوى من الحياة متعددة الأوجه، وكذلك لضغوط كبيرة وعظيمة لم تشهدها حيوات البشر في عهود كثيرة سلفت ..
أمور خطيرة وعظيمة تقوم على أمر التربية في هذا العالم الخطير كثير الجوانب وصعب التوقع ..
كل هذه الأمور تعمل على تصعيب التربية بل وعلى عرقلة ممارساتها وكل أوجه التطوير والتغيير فيها ، وفي ذات الوقت نحن مطالبون بأن نقوم بأدوارنا دون كلل أو تقاعس على الرغم من صعوبة وتعقيد هذا الدور وهذه المسئولية ، ولكن ينبغي أن تكون لنا وقفة مع أنفسنا في هذا السياق الكبير المتلاطم ، وأن تكون لنا رؤية ورسالة نعمد الى تحقيقها بكل وسيلة ، فأبناؤنا ليست مسئوليتهم أن يساعدونا على الخلاص من أدوارنا أو تخفيف العبء عنا ، ففي كل الأحوال هم أماناتنا وهم عيوننا وهم فلذات أكبادنا وهم مستقبلنا وهم نحن عندما كنا في أعمارهم ، والأمر يتطلب عمقا في البصيرة وتخطيطا عظيما للسلوك ودفعا أعظم لكل محاولات الرعاية والارشاد والتقويم ، لأن فقدنا لملامح هذا الدور وما يترتب عليه من تبعات ومسئوليات ، سينهي حياتنا ولن نستطيع أن نقوم بواجبات الأبناء الذين يجب أن يكونوا في قلب العناية في اطار انساني قويم …
السابق بوست
التعليقات مغلقة.