موقع اخباري شامل صادر عن مؤسسة تحيا مصر

نازحون سوريون في إدلب… حلم العودة يتلاشى على أنقاض قراهم المدمرة

0

كتب/ جمال البدراوي ومحمد العبادي

(شينخوا)

على التلال الصخرية شمال إدلب بشمال غرب سوريا قرب الحدود التركية، تمتد مخيمات “الكرامة”، حيث يعيش مئات الآلاف من النازحين السوريين مضطرين حياة محفوفة بالمخاطر بعد ما تلاشت أحلامهم بالعودة إلى قراهم على أنقاض المنازل المدمرة.

وتمتد هذه المخيمات، التي أقيمت للنازحين خلال سنوات الحرب، كمدينة بعدما تحولت من صفوف من الخيام إلى خليط كثيف من ملاجئ من الطوب الإسمنتي ومنازل مسقوفة بالصفيح.

من الأعلى ـ تبدو المخيمات بلا نهاية – أزقة متقاطعة بين ملاجئ ضيقة، وخزانات مياه زرقاء اللون على أسطح المنازل، وطرق ترابية ضيقة يلعب فيها الأطفال حفاة الأقدام بين الأنقاض والقمامة، مع انتشار لمحلات تجارية غير رسمية على طول التقاطعات المزدحمة تبيع الخبز والسلع المستعملة.

ورغم ذلك ومع شعور هش بالاستقرار، حاول العديد من العائلات العودة إلى قراها، لكنها اضطرت للرجوع مجددا إلى المخيمات بعدما لم تجد سوى أنقاض المنازل.

— صدمة العودة

قبل سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، كانت مخيمات الكرامة، وهي تضم أكثر من 140 تجمعا سكنيا تمتد بين قريتي قاح وأطمة، تؤوي ما يقرب من مليون نازح سوري، واليوم، تقول منظمات الإغاثة إن أكثر من 70% من تلك العائلات لا تزال غير قادرة على العودة إلى ديارها، فمنازلها إما دُمرت أو نُهبت أو أصبحت غير صالحة للسكن.

وبالنسبة لولاء الخباز، التي فرت من بلدة كفر زيتا عام 2013 وتعيش الآن في مخيم دعاة الكويت، فإن صدمة العودة لا تقل وطأة عن وطأة النزوح نفسه.

وقالت الخباز لوكالة أنباء ((شينخوا)) “بالنسبة لي، الأمر أشبه بالوقوع بين نارين، انتهت الحرب، وتعود إلى قريتك لتجد أنك لم تعد تملك منزلًا، أذهب وأنظر إلى أنقاض منزلي وأعود والدموع في عيني، بصراحة، الألم لا يوصف، أينما نظرت، أرى الدمار غامرًا، وخاصة في حيي.”

وتابعت الخباز بصوت متلعثم، وهي تتحدث عن آمالها “أتمنى أن تتحسن الأمور، وأن تُبنى قرانا من الصفر، حتى لا نعود نتحدث عن المخيمات يوما ما، حتى غرفة واحدة، تكفي بالكاد للعيش، ستكون كافية لإنهاء هذا المنفى.”

وعلى غرار الخباز حاول آخرون العودة إلى قراهم، لكنهم دُفعوا مجددا إلى النزوح.

ومن بين هؤلاء أم محمد، وهي أرملة من بلدة سراقب وأم لستة أطفال، فرت من منزلها قبل 13 عاما، وتعيش اليوم في مخيم “شام شريف”، أحد أجزاء مخيم الكرامة المترامي الأطراف.

وروت أم محمد محاولة عائلتها الفاشلة لإعادة الحياة في منزلها المدمر، وقالت “أخيرا جاء اليوم الذي تمنيناه، اليوم الذي عدنا فيه إلى منازلنا، لكن ما وجدناه كان أنقاضا – منازل منهارة، مدارس مدمرة، قرية بلا حياة، لم نستطع البقاء هناك، عدت مرة أخرى إلى المخيم”.

واستدركت قائلة “لكن المخيمات لا تُقدم سوى القليل من الراحة، الوضع هنا يزداد سوءا أيضًا، تراجعت الخدمات، حتى المياه باتت شحيحة، توقفت معظم منظمات الإغاثة عن العمل، لم يبقَ لنا شيء، وبصراحة لا أعرف إلى أين أذهب”.

وتأمل أم محمد أن تعود يوما إلى قريتها، وأن يعود أطفالها إلى المدارس، وأن يعيشوا حياة كريمة مع الأساسيات لا أكثر، وتضيف “لكننا نحتاج إلى يد العون لننهض من جديد. تعليم أطفالنا هو أهم شيء بالنسبة لنا”.

ويُؤكد مدير مخيم” شام شريف” جميل سعيد، وهو نازح من جرجناز بريف إدلب، يعيش في مخيمات “الكرامة” منذ ست سنوات، أن “العودة كانت ضئيلة”.

وأوضح سعيد “معظم من لم يعودوا هم أناسٌ سويت منازلهم بالأرض، أو انقطعت أسقفها، أو نُهبت – سُرقت الأبواب والنوافذ، والناس لا يستطيعون تحمل تكلفة إعادة بناء مبنى واحد”.

وتابع “أولئك الذين ادّخروا القليل من المال خلال السنوات الأولى من النزوح أنفقوه كله لمجرد البقاء على قيد الحياة”.

وأضاف سعيد أنه منذ سقوط نظام الأسد “اختفت المساعدات تقريبا، كنا نحصل على سلال غذائية من المنظمات كل شهرين أو ثلاثة، الآن لا نتلقى شيئا، ولا حتى الماء، كانوا يجلبونه بالصهاريج، والآن نشتريه بأنفسنا، نعيش كأشخاص تائهين”.

مدينة النازحين

يتجلى اليأس جليا عند التجول في مخيمات الكرامة، حيث الأزقة مُغبرة تصطف على جانبيها أكواخ خرسانية مُغطاة بأغطية مُشمعة، تطبخ العائلات على مواقد نار مفتوحة، على امتداد الوادي، تُرى هياكل قرى مُدمرة، ومنازل تحولت إلى أكوام من الأنقاض، حيث تنمو الأعشاب الضارة بين الجدران المُتصدعة.

ويقول السكان إنهم يحلمون بالعودة – لكن خياراتهم مُعقدة: إما البقاء في المخيمات مع تناقص المساعدات، أو العودة إلى الأنقاض حيث لا مدارس ولا مستشفيات ولا كهرباء.

وفي الوقت الحالي، تستمر مخيمات الكرامة في التوسع، كمدينة منفى غير مُخطط لها على الحدود الشمالية لسوريا.

ويُحذر مسؤولو إغاثة من أنه بدون التزام دولي، سيظل النزوح أزمةً مُمتدة لأجيال في سوريا.

وأكد رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في سوريا جوزيف إنغانجي، ضرورة إعادة الإعمار، قائلاً “نحن بحاجة إلى إعادة بناء هذه المنطقة حتى يتمكن النازحون داخليًا من العودة إليها”.

وتابع “هناك ما بين 6 و7.7 مليون سوري خارج بلادهم، ويرغبون في العودة إليها وإعادة إعمارها. وهؤلاء الناس، عند عودتهم، يحتاجون إلى المأوى والرعاية الصحية … لذلك، علينا أن ننظر في كل هذه المناطق، وكيف يمكننا دعم هؤلاء العائدين”.

وبالنسبة لعائلات الكرامة، لا يزال هذا الدعم بعيد المنال، وحتى ذلك الحين، تبقى حياتهم معلقة بين أنقاض منازلهم وغموض المنفى.

وخلال ثمانية أشهر بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، عاد أكثر من 2.3 مليون سوري، هم لاجئون بالخارج ونازحون بالداخل، إلى ديارهم، وفق تصريحات سابقة للمتحدثة باسم مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في سوريا سيلين شميت.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.