موقع اخباري شامل صادر عن مؤسسة تحيا مصر

مها عبد الفتاح تكتب .. العيش و الملح .

كتبت مها عبد الفتاح

العيش والملح لم يكن مجرد مكونات لوجبة المصرى الفقير بقدر ما كان فضيلة يستمسك بها المجتمع وقيمة يتباهى بها صاحبها دليلاً على الوفاء وعنواناً للشهامة والإخلاص والرجولة، العيش والملح ركيزة الصداقة والصدق.. كلمة شرف وضمير حى فى مواجهة فساد الذمم وخراب النفوس.

هنا أتذكر الرائعة المطربة والفنانة القديرة ” ليلى مراد ” فى أغنيتها ، والعيش والملح وعشرتنا.. ما تهونش علينا محبتنا، هكذا غنت ليلى مراد عن أجمل عهود الحب والعشرة التى ارتبطت بوجدان المصريين. فنحن الشعب الوحيد الذى يسمى «الخبز» «عيش» لأنه معادل للعيشة والحياة، والملح هو الأرض والاستقرار والدوام وصيانة تلك الحياة، لذا جرى على الألسنة مقولة «حق العيش والملح» وكأنها قسم ودستور للإخلاص والوفاء بين الناس الذين أكلوا وشربوا مع بعضهم البعض وأصبحوا إخوانا بحق العيش والملح وقالوا فى الأمثال «العيش والملح مايهونش إلا على أولاد الحرام».

حكاية العيش والملح، وسؤال ترى من سيصون، ومن سيخون؟ الدارج في معتقداتنا أننا إذا أكلنا (عيش وملح) مع أي أحد صار لهذه المشاركة حقوقا لا تكون لغيرها من شراكات، ويحدث أن تمر على من وضع طعامه ليأكل فإذا مررت عليه صدفه ناداك وأقسم عليك أن تنضم إليه، وإذا ترددت علا صوته (بسم الله عشان يبقى عيش وملح) يعني حتى نوثق وداً بيننا، إذا أكلت معه قطعت على نفسك عهدا برعاية حق العيش والملح، وبذلك يكون اقتسام اللقمة معاهدة عشرة لا تعرف الغدر، ولا التقلب، ولا الشر، أو أي سوء يحاك بالصدر! باختصار (عيش وملح) يعني صفاء روح جمع اثنين، نفس المنظر يدفعني لتأمل زوابع، وعواصف، لبعض البشر بعدما شبعوا مع بعض (عيش وملح، ومحشي، وسمك، وملوخية، و مبكبكة ، ومقلوبة، ومعدولة) فأجد أن الوعد تبدد، ويستهونون بالعيش والملح، علي الرغم من أنهما في اليهودية عهد، وفي المسيحية تكريس، وفي الإسلام زاد، وفي اليابان إخلاص، وفي الهند تطهير، وفي روسيا صداقة، وفي الأناضول ثقة، وفي بولندا ترحيب، وفي صربيا جزء من بروتوكول الدولة، فأحترام العيش والملح ثقافة، والتنكر لهما ثقافة، ونحن نختار ما يناسبنا، أحيانا نتذكر العيش والملح، وأحيانا ننساهما، وأحيانا نستخف بهما، وأحيانا نقدرهما حسب تقدير الطرف الآخر لهما.

والسؤال هنا..أين تكمن المشكلة؟ هل فى العيش نفسه أم فى الإنسان المخادع، الخسيس، اللى أكل معاك العيش والملح ولم «يطمر فيه».. نعيب زماننا والعيب فينا.. وما لزمننا عيب سوانا.. ونهجوا ذا الزمان بغير ذنب.. ولو نطق الزمان لنا هجانا.. صدقت يا شافعى.. نحن لا نعترف بأن المصلحة والمادة طغت على الجميع.. من أجل المال يبيع الناس أولادهم..إخوانهم..أصدقائهم ثم يعيبون الزمان ويتحدثون عن تعاليم الإسلام الصحيحة والأصول والقيم وهم لا يعرفون عقاب الله ولا يعرفون ماهية وتعريف «القيم والأصول» تحجرت قلوبهم أكثر من الصخر ويتحدثون باسم الرحمة والمودة !!

الآن.. قبل أن تلعن الزمان.. قف أمام المراة.. اطرح على نفسك هذا السؤال.. وكن صادقًا فى الإجابة.. ولا تجد لنفسك مبررات واهية تحلل بها لنفسك خيانة لمن هم أقرب الناس إليك وطعنك لهم.. ولا تهرب من مواجهة نفسك على موقفك الدنىء الذى سلكته باتجاه أهلك وأصدقائك!! واجه نفسك.. اطرح على نفسك هذه التساؤلات.. هل أنا حافظ للجميل؟ هل أنا حافظ للعشرة؟ هل أنا أحافظ على صلة رحمى؟ هل أنا ظالم لمن حولى وانسان غدار؟ هل أنا إنسان محترم أمام نفسى وأمام الآخرين؟ .. هل انا طعنت أحدا في شرفه و اصله ؟ هل أجبت على نفسك بصراحة؟.. أتمنى.. لكن.. المشكلة أكبر من ذلك

 

أقول هنا طهروا انفسكم ولسانكم ولا تكابروا،على الله في الظلم، فقد تسعد الآن و تهان غداً، وحافظ على (العيش والملح)، واخشى من عبارة ( حسبي الله ونعم الوكيل)، فإنها قاسية ولو بعد حين، وأعلم بأن «العفو عند المقدرة»، فكيف تتخلى عن المقدرة وأنت على قدرها، فإن العشرة الحسنة ما هي إلا صفحات في تاريخ ينقشه الزمن بقلم المودة، لنمسي أحباباً عند الله عزّ وجل.

هل نحن مازلنا بحاجة لأن نأكل معاً وتتجدد فينا هذه القيم النبيلة أم أن نويانا تغيرت وأخلاقنا تبدلت وتساوى لدينا أن نأكل عيشاً وملحاً أو ساندويتش هامبورجر؟هيا بنا نحافظ على العيش والملح ، على تقاليدنا وأخلاقنا، على المودة والمحبة.

اللهم اصلح ذات بيننا والف بين قلوبنا وأهدنا سبل السلام . فلقد اصبحت الاخلاق الطيبة مطلبا أساسيا لنا أفرادا واسرا ومجتمعات ندعو بها إلى الله ونسترجع بها سالف عز ومجد أمتنا الاسلامية ومصر الغالية ، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين

 

التعليقات مغلقة.