موقع اخباري شامل صادر عن مؤسسة تحيا مصر

مكارِم .. أسامة أبو المكارم

في جلسةِ فضفضةٍ طويلةٍ بينَ صديقينِ لي؛ وكنتُ ثالثَهُم؛ قالَ صديقي لصديقي:

يا صديقي:

إن رأيتَني أبتسِمُ أو أضحكُ؛ فذلكَ لا يعني أنني سعيد. فكثيراً ما أبتسمُ وقلبي يتقطَّعُ ألماً، وكثيراً ما أضحكُ؛ وأنا أُبصِرُ الدُّنيا من سَمِّ الخِياط!

يَا صديقي:

حينما تأتيني لتشتكيَ – لي- همَّكَ وغمَّكَ وكربَكَ العظيم…؛ وترى مني إقبالاً عليكَ، وإنصاتاً إليكَ، وتصبيراً لك…

فقد أكونُ – أنا- أشدَّ منكَ همّاً، وأكثرَ منكَ غمّاً، وأعظمَ منكَ كرباً!

يا صَديقي:

حينما تُشكُو -إلَيَّ- ضعفَ قوتِك،؛ وقلةَ حيلتِك، وهوانَكَ على الناس… فلا تظُنَّ أنني – وأنا أدعَمُك- قويٌّ، وكثيرُ الحيلةِ، وعزيزٌ بينَ كلِّ الناس.

فقد أكونُ أضعفَ وأقلَّ وأهونَ منك!

يا صدِيقي:

أتَذْكُرُ لما أتيتَني لتُخبِرَني بأنَّ جيبَكَ وبيتَكَ وحسابَكَ -كلَّ ذلكَ- يخلو مما يكفي أن يسترَكَ وأهلَ بيتِكَ؛ يومينِ اثنين؟!

فقد كنتُ -ساعتَها- أدعو الله أن يرزُقَني رزقَ يومٍ واحدٍ؛ بِلَيْلة!

يا صديقِي :

سمعتُ منكَ – كثيراً- عن رقةِ حالِكَ، وكثرةِ عيالِكَ، وتَعَثُّرِ أحوالِك… ثم سمعتُ ثم سمعتُ… فلم يَدفَعْني ذلك إلى أن أخبِرَك بحالي وعيالي وأحوالي…

فما تُعاني منهُ؛ لدَيَّ أضعافٌ مُضاعفةٌ مِنه. “وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون”!

يَا صَديقي:

أتَذكرُ حين أتيتَني وشكَوْتَ لي حُزنَك؛ إذ لم يحدثْ – خلالَ عَشرِ السنواتِ الأخيرةِ حالَ الحَولُ -الحالي- على مالِكَ وهو بالِغٌ للنِّصابِ؛ لتُخرِجَ زكاتَه؟!

وكنتَ تحكي؛ وكأنَّ مَنْ تحكي لهُ هو شيخُ المُزَكِّين.

وما دَرَيْتَ – يا صديقي- أنني في مثلِ حالِكَ؛ مع فرقٍ بسيط؛ هو أنني لم أملِكْ – بعدُ- نِصابَ الزكاةِ المفروضةِ؛ ولو مرةً واحدةً في حياتِي!

يَا صدِيقي :

أتَذكرُ لَمَّا أخبرتَني بأنكَ أَجَّلتَ دخولَ أحدِ أبنائكَ الجامعةَ عاماً دراسياً كاملاً؛ لعدمِ قدرتِكَ على الوفاءِ بمتطلباتِ ذلك؟!

وقلتَ لي وقتَها: “العين بصيرة والإيد قصيرة”.

ولم أشأ – حينَها – أن أزيدَ همَّكَ بِهَمِّي؛ وأخبركَ بأنَّ اثنينِ من أبنائي حدثَ لهما ما حدث لابنِكَ تماماً !

ياَ صديقِي :

أتَذكرُ يومَ أتيتَني لتُخبِرَني بأنَّكَ قد ابتُليتَ بمرضِ السُّكَّرِ وأنتَ لم تبلُغِ الخمسينَ مِنَ العُمر؟! وكنتَ في غايةِ الخوفِ والرُّعب.

ولعلَّكَ لا تعلمُ بأنَّني -وللهِ الحمدُ- مريضُ سُكَّرٍ وضغطٍ وأشياءَ أخرى… منذُ ثلاثينياتِ عُمري!

يَا صَدِيقي :

ألا تتذَكَّرُ يومَ تصاحَبْنا في سفرٍ؛ وفي طريقِنا استأذنتني أن أقودَ -أنا- السيارةَ طوالَ الطريق؛ وقلتَ لي: “لقد وَهَنَ العَظمُ مِنِّي واشتعلَ الرأسُ شَيباً…”؟!

ونسيتَ – أو تناسَيْتَ- أنني أكبُرُكَ بخمسةِ أعوام!!

وأنني أَوْهَنُ مِنكَ عَظْماً، وأغزَرُ شَيْبا !!

ياَ صَديقِي :

ألا تَذكُرُ لما زرتُكَ في بيتِكَ العامِرِ؛ فسمعنا جَلَبَةً وصياحاً وبكاءً وكسراً للأكوابِ… وبدأتَ تشكو لي مُرَّ الشكوى؛ من شقاوةِ أبنائكَ، وصُراخِهِمُ الدائمِ، وخلافاتِهِم، وخناقاتِهِم، وعدمِ قدرتِكَ -أنتَ وأمِّهِم- على ضبطِهِمْ، وكبحِ جِماحِهِم، وتعويدِهِم على الهدوءِ والحِلمِ والأناة؟!

ولم تنتبِهْ وقتها – يا صديقي- أنني قد حُرِمْتُ من نعمةِ وجودِهِم معي؛ بسببِ اغتِرابي الطويلِ عنهم؛ لطلبِ الرزق!

يا حبيبي :

نحنُ – جميعاً – في مَعِيَّةِ الله وتحتَ ولايتِهِ ووكالتِه.

فاللهُ معنا، واللهُ ولِيُّنا، وهو حسبُنا ونِعمَ الوكيل.

وسِترُ اللهِ يُظِلُّني ويُظِلُّك؛ وما ذكرْتُ – لك- ذلكَ كُلَّهُ؛ إلا لأنصحَكَ بأن تشكوَ بَثَّكَ وأحزانَكَ؛ إلى مَن بيدِهِ أن يقولَ لأحلامِكَ وأمنياتِكَ:  “كوني .. فتكون…”.

كنتُ أستمُعُ لها؛ وأُرَدِّدُ في سِرِّي :

 “الحمدُ والشكرُ لكَ يا الله؛ أن جعَلتَني – في أعيُنِ عبادِكَ- أغنَى الناسِ وأنعَمَ الناسِ وأسعَدَ الناس”.

التعليقات مغلقة.