المغرب – نادية الصبار
كيف يمكن لسباق رياضي أن يتحول إلى احتفال عالمي بالإنسان والطبيعة والتراث؟ في مراكش الحمراء، مراكش “يا وريدة” التي تنبض بسحر استثنائي، يصبح الماراثون أكثر من مجرد حدث رياضي. إنه لوحة متكاملة تجمع بين حماسة التحدي الرياضي ورقي التاريخ المغربي، حيث يلتقي العداءون من مختلف القارات ليكتبوا قصصًا جديدة على أرض تحتضن الماضي والحاضر.
ماراتون مراكش الدولي.. سباق بين سحر الممرات وعبق التاريخ والتراث
تخيَّل أنك تركض على ممر بين سحر الطبيعة، تمتد على جانبيه أشجار النخيل التي تُداعبها نسائم الأطلس الباردة. هنا، في مراكش، لا يُعد الماراثون مجرد سباق رياضي بل لوحةً متكاملة تنبض بالحياة، وتتشابك فيها الرياضة مع الثقافة والطبيعة في تناغم نادر.
هذا الحدث الدولي يختلف عن غيره بتقديمه تجربة فريدة للعدائين والمشاهدين على حد سواء. فمنذ انطلاقه قبل أكثر من ثلاثة عقود، أصبح ماراتون مراكش قبلةً للعشاق الرياضيين الذين يبحثون عن ما هو أكثر من تحدٍ بدني؛ إنهم يبحثون عن رحلة تحملهم عبر قلب مدينة تجمع بين أصالة الماضي وسحر الحاضر.
ما يُميز هذا السباق ليس فقط مساره المستوي الذي يُساعد العدائين على تسجيل أرقام قياسية، بل المشاهد الطبيعية التي تخطف الأنظار، حيث الجبال تُطل من بعيد وكأنها تُشجع المتسابقين، والأحياء العريقة تروي قصص التاريخ في صمت.
وعلاقة بالموضوع، يُعد التنظيم الدقيق وسرعة الأداء عاملاً حاسمًا في نجاح الماراثون. إدراة الحدث، فرق العمل، تقنيون وفنيون ورجال الأمن والقوات المساعدة، الهلال الأحمر المغربي إعلاميون متمرسون، وكذا متطوعون يعملون كخلايا نحل لضمان تجربة رياضية وسياحية مثالية. كما أن الحدث يستقطب عدائين من أكثر من خمسين جنسية، ما يُضفي طابعًا عالميًا يجعله منصة للتلاقي الثقافي.
أما على مستوى الأرقام، فقد تحوَّل الماراثون إلى ساحة تنافس بين أبطال العالم الذين يطمحون لكسر أرقام قياسية جديدة، وهو ما يزيد من إثارة السباق عامًا بعد عام.
كيجين كبووت يحسم سباق مراكش ويخفق في تحطيم الرقم القياسي
في أجواء رياضية مفعمة بالحماس، شهدت مدينة مراكش صباح يوم أمس الأحد 26 يناير النسخة 35 لماراتون الحدثً الرياضي العالمي صاحب الرقم القياسي غير المسبوق؛ استقبل 15 ألف مشارك من مختلف الأعمار والجنسيات.
التحدي الأكبر في هذه الدورة كان تحطيم الرقم القياسي الذي لا يزال بحوزة المغربي هشام القواحي منذ الدورة 31 بتوقيت ساعتين و6 دقائق و32 ثانية. إلا أن العداء الكيني كيجين كبووت ألفونس، رغم تتويجه بلقب هذا العام بتوقيت ساعتين و8 دقائق و48 ثانية، لم يتمكن من كتابة اسم جديد في تاريخ الماراثون.
وعلى المنصة دائما، تألق العداء سفيان بوقنطار محتلًا المركز الثاني بتوقيت ساعتين و9 دقائق و13 ثانية، تبعه مواطنه عمر أيت شيتيشن الذي حل ثالثًا بفارق 12 ثانية.
فيما خطفت الكينية تريفي تشيكاي الأضواء بفوزها باللقب النسائي، مسجلة ساعتين و25 دقيقة و44 ثانية، في حين أبقت المغربية أميمة سعود العلم الوطني مرفوعًا بحلولها ثانية بزمن ساعتين و29 دقيقة و51 ثانية. أما المرتبة الثالثة، فعادت للكينية أبيبيش أفوورك بتوقيت ساعتين و30 دقيقة و39 ثانية.
هذا وفي سباق نصف الماراثون، تفوق المغربي عزيز أيت أورقية في صنف الرجال بزمن ساعة ودقيقة و35 ثانية، متفوقًا بثلاث ثوانٍ على الكيني ليونار كيبكويش. وجاء المغربي مصعب حدوث ثالثًا بفارق ثانية واحدة.
أما في صنف السيدات، فكانت البحرينية جيبشومبا كيلونزو الأسرع بزمن ساعة و10 دقائق و42 ثانية، تلتها المغربية كوثر خهاز في المرتبة الثانية بزمن ساعة و11 دقيقة و31 ثانية، ثم مواطنتها نزهة مشروح في المركز الثالث بفارق 28 ثانية.
مسك الختام.. تتويج الفائزين
اختُتمت فعاليات الدورة 35 لماراثون مراكش الدولي بحفل تتويج أُقيم في أجواء احتفالية مميزة، حيث سلّم الجوائز والميداليات مدير الدورة الدكتور محمد الكنديري، إلى جانب شخصيات بارزة، من بينهم ممثل شركة فولكس واجن الراعي الرسمي، وممثلة فندق السعدي، والكاتب العام لولاية مراكش-آسفي، بالإضافة إلى قيادات من الأجهزة الأمنية والعسكرية ومنتخبين محليين.
رغم النجاح التنظيمي الملحوظ الذي نال استحسان معظم المشاركين، إلا أن الدورة لم تخلُ من بعض النقط السوداء التي تستحق الانتباه مستقبلاً. أبرزها الازدحام الشديد وطول فترة انتظار المشاركين للحصول على ميداليات التذكير بالمشاركة، الأمر الذي حال دون حصول عدد كبير منهم عليها. كما أن غياب المراحيض المتنقلة على طول المضمار، خاصة عند خط الوصول، شكّل مصدر انزعاج للمشاركين والجمهور، وأدى إلى مواقف غير لائقة في فضاءات السباق.
ورغم هذه العثرات، وُصفت الدورة بأنها الأكثر نجاحًا من حيث الحضور الدولي والمستوى التنافسي. ويبقى التحدي الأكبر أمام المنظمين هو تحسين تجربة المشاركين والجماهير، للحفاظ على سمعة ماراثون مراكش كواحد من أهم الأحداث الرياضية عربيا وإفريقيا.
النسخة المقبلة قد تحمل آمالًا جديدة وتطلعات أعلى، وربما محاولة جدية لكسر الأرقام القياسية وصناعة لحظات تاريخية جديدة تحت سماء المدينة الحمراء.