كورونا والتفكير خارج الصندوق
بقلم / سارة السهيل
كما عصفت جائحة كورونا بأماننا الصحي والنفسي والاجتماعي، فانها عصفت بأماننا الاقتصادي، وباتت حتى هذه اللحظة الجهود الدولية والاقليمية والوطنية عاجزة عند سقف محاصرة الوباء والتخفيف من وقع الازمات الاقتصادية المتسارعة الناجمة ، عبر تقديم مساعدات عاجلة لبعض الفئات المتضررة لا تفي بالغرض .
إن هذه الجهود لم تستطع وقف تدهور الاوضاع وزيادة معدلات الفقر في العالم شرقا وغربا والتي يتوقع ان تتسع رقعتها خاصة في الدول النامية ، ودولنا العربية التي تعاني من أوضاع اقتصادية متردية.
وقد أدت الجائحة الى بطالة المهنيين والحرفيين على مدار ثلاثة أشهر، ومع العودة التدريجية للنشاط الاقتصادي العالمي مع اتخاد الاحترازات اللازمة ، لم تتقلص اعداد الفقراء بالعالم ولم تنقشع الازمات اقنصادية الطاحنة عن دولنا العربية، بل ان استمرار تفشي الوباء قد قلص من التدفقات الاستثمارية وادى الى سحب الاموال السائلة التي كانت تعتمد عليها بعض دولنا العربية في تنفيذ مشروعات تستوعب مزيد من العمالة وتحد من البطالة.
ومن المتوقع ان يدخل قطاع واسع من الفئات الاجتماعية في بلادنا العربية خط الفقر ، وغالبيتهم من الطبقة المتوسطة التي كانت تحاول على مدى العقد الأخير التشبث بموقعا على حافة الفقر ، وجاءت الجائحة لتشدها الى القاع ، بعدما انهكت خلال السنوات الماضية بفعل الارتفاعات جنونية لاسعار السلع الأساسية ، في ظل اعتماد دولنا على الاستيراد وغياب الخطط الاستراتيجية لتنمية وزيادة الانتاج المحلي الزراعي والصناعي والتكنولوجي والطبي بانواعه المختلفة.
تبدو مظاهر الفقر في المنطقة العربية مفجعة بعد أن وجهت جائحة كورونا ضربة قاصمة للاقتصاد العربي، ما ادى الى خسائر تصل نحو 1.2 تريليون دولار، مع توقعات بفقدان حوالي 7.1 مليون عامل وظائفهم بنهاية العام الجاري، بحسب تقرير لجامعة الدول العربية.
واذا كان تقرير منظمة أوكسفام العالمية الصادر في 8 أبريل الماضي قد حذر من أن نصف سكان الأرض البالغ عددهم 7,8 مليار نسمة مهددون بالفقر عند انتهاء جائحة كورونا، وأن تداعيات وباء كوفيد-19 قد تجر نصف مليار شخص إضافي في العالم إلى تحت خط الفقر، فان مجموعة البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا توقعت في احدث تقرير صادر في30 مايو الماضي زيادة التراجع في اقتصاد دول المنطقة بسبب وباء كورونا، ليتجاوز الانكماش نسبة 5 % قابلة للارتفاع.
وأظهر التقرير نفسه ان ثماني دول تظهر فيها بشكل أكبر معدلات الفقر بين السكان هذا العام وهم الذين يعيشون على 1,9 دولارا في اليوم نتيجة التأثيرات السلبية لوباء كورونا؛ هي لبنان والعراق والجزائر وإيران والأردن والمغرب وتونس ومصر.
وتأتي لبنان في صدارة الدول المتوقع أن تشهد زيادة معدلات الفقر بنسبة تصل 9.4 %، يليه العراق 8% بينما تأتي مصر في ذيل قائمة الدول الثماني 3.2 % إضافية في أعداد من يهبطون دون خط الفقر تسبقها تونس بنسبة زيادة 4.7 %.
واذا كان نسبة من يعانون من الفقر بالدول العربية قبل الجائحة بلغ 100 مليون شخص فان هذا الرقم قد أضيف اليه بعد الجائحة حوالي 8 مليون عربي، بفعل توقف النشاط الاقتصادي وتوقف الصادرات التحويلية وخسارتها عوائدها بكل من السعودية (40 مليون دولار)، وتونس (38 مليون دولار)، والإمارات (16 مليون دولار).
كذلك تأثرت الصادرات العربية بشكل كبير ومنها مصر حيث أوقفت تصدير البقوليات لمدة 3 أشهر؛ لمواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا ولتوفير احتياجات المواطن المصري، بينما حافظ الأردن على مخزون السلع الغذائية كاجراء احترازي للمحافظة على المخزون، وأوقفت وزارة الصناعة والتجارة والتموين الأردنية العمل بمنح رخص تصدير وإعادة تصدير المواد الغذائية.
أما الجزائر فقد فاجأت الجميع وتحولت الجزائر من دولة مستوردة إلى مصدّرة للتمور والفاكهة والخضروات الى فرنسا ودول الخليج وروسيا وكندا، متجاوزةً صدمة انهيار أسعار النفط.
ولعل تجربة الجزائر وسط جائحة كورونا تفتح لنا الباب لاحياء المنتج المحلي العربي زراعي كان او صناعي، وان نحد من الاسراف في الانفاق الحكومي ، وان نتوسع في الانتاج الصناعي الوطني والقومي برؤوس اموال عربية وطنية ومخلصة تستقطب طاقات الشباب وتوظف طاقتهم في العمل لتقليص حجم البطالة في صفوفهم، ولمحاربة الفقر الذي نشب بمخالبه في اوطاننا بلا رحمة .
اعتقد ان العالم العربي في أمس الحاجة للتعاون والتكاتف ووضع روشتات علاج عاجلة لمواجهة الفقر ، وتشجيع ودعم المشروعات صغيرة ومتناهية الصغر التي تنتج في البيوت ، على غرار التجربة الصينية التي أسهمت في نهضتها الاقتصادية الهائلة .
التعليقات مغلقة.