اللُغة أداةٌ للتواصُل .. ووعاءٌ للثقافة ، فهي مُفتاحٌ جيد للتعبير عن كُل ما يدور حولنا ، فَهي الصوت الذيِ نُعبِر بهِ عن أفراحنا وأحزانِنا ، وأزماتنا باعتبارها الكيان الأقوى للتعبير عَن كُل ما يحدُث لنا ، وكما نَحنُ نتأثرُ بالحوادِث ونتفاعل معَ الأزمات فإِنّ اللُغة أيضاً تَتخِذ تأثيراً أقوي باعتبارها الوعاء الرسميِ والتعبيريِ ، والرمزيِ مَع كُل تَجربة نَمُرُ بِها .
فاللُغة مَن تُرسم مَفاتِيح الإِشارات لتعالِج الأمور المُستجدة . فقد تنحت اللُغة مِن المُفردات والتراكِيب ، والمُصطلحات الجديِدة ما يتفِق مَع الأحداث الطارئة والعاجِلة التيِ تدخل مُجتمعنا . لِذا فَهي مُتطورةٍ ومُتجددةٍ باستمرار ، وقد تُفرض علينا إِدخال بَعض المفاهِيم المستوردة وتُساهم فيِ تَغيير المَعني والدِلالة ، ورُبما تَعمل علي تَغيير الاتجاهات المُرتبِطة بالرمز
فَلا شيء قَد يُحركنا خطواتٍ بعيدةٍ باتجاه حدثٍ ما إِلاَ إِذا كانت اللُغة قد دخلت مسرح الأحداث ، وتنوعت فيِ المُصطلحات ، وتَوغلت فيِ القضية لِإحداث تغير جذريِ فيِ المُفردات ونُعلِن عَن تَواصُل واتصال جديدٍ بسياقٍ مُختلف !! وتُصبِح مُفرداتنا الجديِدة عامِل أساسيِ ، وضروريِ للفهم والتواصل المُتداوِل بشأن الأزمة التيِ نمر بها
.. فَـ سائِقي الشاحنات / التفشي / مخالطو المخالطين / الوباء / التباعُد الاجتماعي ) كلماتٍ كانت موجودة بالفِعل ولكن علي استحياء ! كما كانت الطوائِف التَّشاؤمية ، والكَئيبة موجودةٍ بالفعل قبل مجيء ( كوفيد ) ! لكنهُم بَرزوا بِحجمٍ أكبرٍ خِلال الأزمة ، وتفاعلوا بِشكلٍ مُخيفٍ مِن خلال المواعِظ التّشاؤمية التيِ يصدرونها للجميع علي وسائِل السوشيال مِيديا ، وبث سمومهم السلبية عن طريق جلد الذات والنظر للكأسِ الفارغة .. فهؤلاء الكارهين لأنفُسهم والمُحقريِن لِكُل ما هو إِيجابيِ وناشِطٌ !
وعِندما تم تدويِن أولي الحالات المُصابة بِفيروس كورونا لَم نَجِد أمامنا إِلاَ التوسع الشامِل فيِ اللُغة ، وتَغيير المفاهيم .. وبات الأمر مُتغيرٌ في المدلول فكُلما أخذ الفيروس بالانتشار كُلما اتخذت اللُغة توسعاً فيِ المعانِ الجديِدة وطرحها للجمهور بِطريقةٍ تتفق مَع حجم أزمتهم !
فَهل وجدتُم شيئاً أكثر تأثيراً مِن النشاط اللغويِ الجديِد خلال الأزمة التيِ نَمُر بها ؟؟ بالتأكيد لا !!
فالمُصطلحات الناتجة عَن الفيروس كانت بِمثابة تَعلُم لُغةٌ جديدةٌ ، والترويِج الإِعلاميِ والإِعلانيِ عنها كانَ الأكثر نجاحاً وتَحقيق أعظم الإيرادات الوقائية والتشافيِ من خلال الترويِج عن معانٍ جديدة مِثل ( الحظر ، الحَجر الصحيِ ، المسحة ، مُدة العزل ) كُلها مفاهِيم شاع استخدامها وقت انتشار الفيروس كَإجراء احترازي للوقاية وضمان البقاء
فاللُغة قَد نَجدها بسيطة فيِ أوقاتٍ ومألوفةٍ لنا ، وقد نراها أصبحت أكثر تَعقيداً كما الحّياه. فنجاح الأزمات والكوارِث مُرتبِط بِنجاحنا وتَكيُفنا معَ اللُغة ، وذلكَ مِن خِلال تعاونا واتحادنا معَ المفاهِيم الجديِدة التيِ تطرأ علينا .. وما يتضمنه ذلك مِن الاختلاط اللغويِ والمعرفيِ لاكتساب السلوك والعادات الصِحية والنَفسية لتجاوز أي أزمة
فَقبل شهورٍ ماكُنا نُدرك طَبيعة الدعوات والحملات التيِ يطلقها خُبراء الصِحة !! عن الأوبئة ، ولا نَفقه عَن الفيروسات شيئاً .. فما مَعني أن نَتباعد اجتماعيا عن بعضنا البعض !! وهو مُتناقِض مَع المضمون الإِنسانيِ .. ؟؟
وما معني أن يَتم فصلنا مِن قِبل الأطباء ، وتقديِم مساحاتٍ مُناسبة لِعزلنا عَن الجميع ؟ أليسَ الأطباء مَن كانوا يصفون الأشخاص المعزولين عَن الجميِع بأنهم أشخاصٍ انطوائيون .. وذو سلوكٍ غريبٍ !
أما اليوم ؛ وأينما أدرت وجهكَ فسوف تُلاحِقكَ الإِعلانات ، والإِرشادات الوقائِية وطُرق التعامُل معَ الفيروس الملعون ، وأحياناً تصِل حد المُخالفة إِن لَم تلتزِم بِالقواعِد المُستجدة التيِ تدعو إلي إِبقاء مسافاتٍ آمنةٍ ، وارتداء أدوات الوقاية كلونٍ جديِدٍ لحّياه مُختلفة
إِنّ الظهور الجديِد لتلكَ المُصطلحات بِمثابة ثورةٍ علي العادات والتقاليِد الغير وقائية .. فهي ثورة تتبع نظاماً دقيقاً لتجنُب العدوي ، والحد مِن انتشارها .فالمُفردات القديمة جاءت بعد الكوفيد لتعيد استخدامها مِن جديدٍ لتولد دِلالاتٍ مختلفة ومضمونٍ جديد .. فكُل أزمةٍ تولِد الكثير من المعانيِ والدلالات ، ولا تتغير إلا بتغير الأزمنة وتغير نوع الأزمة .
————–
ميسون نجم
التعليقات مغلقة.