عائشة غنيمي الخبيرة الاقتصادية ومسئولة البرامج والعلاقات دولية: لماذا لم يصب “اقتصاد الخوف” مصر مع جائحة كوفيد-19 ؟!
المصدر : “دار المعارف”
في خضم تفشي فيرووس كوفيد-19، أثبت الاقتصاد المصري صلابته في التعامل مع التحديات والصدمات الداخلية والخارجية. تكمن قدرة الاقتصاد المصرى فى الإصلاحات الاقتصادية والنقدية والمالية التى أجريت خلال السنوات الماضية والتي شكلت حائط صد صلب ضد أشد أزمة عالمية متمثلة فى فيروس كوفيد-19.
وفي إطار إحتواء تلك الأزمة العالمية، تبنت الحكومة المصرية مسرعة سياسات مالية ونقدية جيدة التنسيق لتخفيف الأثر الاقتصادي والمالي السلبي الناجم عن جائحة كوفيد-19، مما يوفر سيولة كافية للاقتصاد.
وتكمن قنوات إنتقال الآثار السلبية في ضعف الطلب الخارجي علاوة على إنخفاض النمو العالمي، مما يؤدي إلى خفض عائدات النقد الأجنبي من السياحة وقناة السويس والتحويلات والصادرات غير النفطية والاستثمار الأجنبي المباشر.
والمعروف أن حجم الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي لا يزال كافياً قادرًا علي تغطية الواردات لمدة 8 أشهر متخطيًا بذلك المعدلات الدولية التى لا تزيد فى بعض الدول عن 3 شهور فقط.
بالإضافة إلى ذلك، من الضروري تسليط الضوء على أن التصنيفات الائتمانية لمصر لم تتأثر بتأثير الجائحة العالمية مثل البلدان الأخرى في المنطقة والتي تتمتع بنفس التصنيفات الائتمانية.
وفي أبريل 2020 ، أعلنت مؤسسة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتمانى تثبيت درجة التصنيف السيادى للاقتصاد المصرى عند مستوى B/B على المدى الطويل الأجل والقصير الأجل مع الحفاظ على النظرة المستقبلية المستقرة، مما يعكس الثقة في الاقتصاد المصري لمواجهة أزمة COVID-19.
وعلى صعيد آخر، قد تؤثر أزمة COVID-19 المصحوبة بالتدابير الإحترازية محلياً على سلاسل التوريد والطلب المحلي، فأن صدمة العرض التالية على المدى المتوسط قد تعكس إنخفاض الطلب مدفوعًا بالخوف وهو ما يسمى بـ”اقتصاد الخوف”.
مع الأخذ في الاعتبار أن الشعور بالخوف يدفع المستهلكين والشركات إلى تجنب شراء بعض الخدمات وتوظيف عمال جدد، الأمر الذي قد يؤدي إلى خفض نسب التوظيف وإنكماش نمو القطاعات الرئيسية في الاقتصاد.
وعلى الرغم من هذه التحديات والآثار السلبية ،فإن الاقتصاد المصري قادراً على مواجهه هذة الآثار وتلك التحديات، وذلك إعتماداً على التنفيذ المتتابع والمتسق للإصلاحات الهيكلية، مثل برنامج مساندة الصادرات، وتحسين آليات تخصيص الأراضى الصناعية، وقانون المشتريات الحكومية الموحد، واستكمال برنامج «الطروحات العامة» مما سيساعد فى سرعة عودة النشاط الاقتصادى المدعوم من خلال القطاع الخاص فى المدى المتوسط. فضلاً عن تعميق التصنيع المحلي للسلع الضرورية وغيرها من السلع البديلة للواردات، وتعزيز الرقمنة والتجارة الإلكترونية.
يمكن أن تكون أزمة COVID-19 فرصة للاقتصاد المصري لبناء اقتصاد أكثر مرونة ورقمنة، وتعزيز الطلب المحلي وكذلك تعميق التصنيع المحلي لتغطية الاحتياجات الأساسية للأسر من أجل الحد من الاضطرابات في سلسلة التوريد الناتجة عن الصدمات الخارجية. جدير بالذكر أن مصر اتخذت خطوات تدريجية في دفع عجلة التصنيع المحلي وتعزيز الرقمنة الاقتصادية.
ستكون أزمة COVID-19 فرصة لتشجيع الأفراد والشركات على الاعتماد بشكل أكبر على المنتجات محلية الصنع والخدمات الإلكترونية والخدمات المصرفية الإلكترونية والتجارة الإلكترونية أكثر مما كانت عليه قبل الأزمة. فالإعتماد على الخدمات والتقنيات الإلكترونية من شأنه أن يقلل من التكاليف التشغيلية ويزيد من الفوائد الاقتصادية عبر قطاعات الاقتصاد. من المتوقع حدوث نقطة تحول في تفضيلات المستهلك مما سيؤثر على مرونة العرض والطلب مستقبلاً ومساهمة القطاعات الحقيقية في الناتج المحلي الإجمالي. يلعب قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورًا حاسمًا في خضم الأزمة.
ومن الجدير بالذكر أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حققت بالفعل تقدمًا ملحوظًا ، حيث سجلت ارتفاعًا بنسبة 16.6 في المائة خلال السنة المالية 2018/2019 ، مشيرة إلى أن معدل مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي ارتفع إلى 4 في المائة ، مما يؤكد حرص الحكومة على بناء المجتمع الرقمي. وقد سجل النمو المحقق في قطاع الاتصالات زيادة بنسبة 16 في المائة ، وهي الأعلى من بين القطاعات الاقتصادية خلال الربع الأول من العام المالي 2019/2020. علاوة على ذلك ، تهدف استراتيجية وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى خلق 2000 فرصة عمل في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، وزيادة مرافق الصادرات الرقمية.
في الختام ، تؤكد أزمة COVID-19 على أهمية بناء اقتصاد مرن قادر على امتصاص الصدمات الخارجية. الاعتماد الكلي على العوائد الخارجية يمكن أن يعرض الاقتصاديات لخطر الإنكماش وسط صدمات خارجية كبيرة.إذ يتعين مواصلة تعزيز بنية الاقتصاد القومي من خلال دفع الأنشطة الإنتاجية، وتحفيز الصناعة، وتوسيع القاعدة التصديرية. والاستمرار في تحسين البنية التحتية وتهيئة البيئة المحفزة للاستثمار بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات العامة في المجالات التي لها تأثيرات خارجية كبيرة في الاقتصاد بما في ذلك: الصحة والتعليم والبنية التحتية الرقمية والبيئية لدعم الطلب ورفع مستويات المعيشة.
………………………………………………………..
* خبير اقتصادي ومسئول برامج وعلاقات دولية
ماجستير اقتصاد – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية-جامعة القاهرة
التعليقات مغلقة.