موقع اخباري شامل صادر عن مؤسسة تحيا مصر

رانا وجيه : ترامب يقدم وعد بلفور الجديد

0

جدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعمه لمخطط تهجير فلسطينيي قطاع غزة يشكل “دائم” إلى دول أخرى، مؤكداً أن الحل الأمثل للصراع يكمن في خروج الفلسطينيين من القطاع إلى أماكن أخرى يمكنهم العيش فيه

 

ما يجري اليوم ليس مجرد أزمة سياسية عابرة، بل مؤامرة وجودية تهدف إلى محو فلسطين من الخريطة، وإعادة إنتاج نكبة عام 1948 بأساليب جديدة، حيث يسعى الاحتلال الإسرائيلي، بدعم أمريكي مباشر، إلى إنهاء الوجود الفلسطيني في غزة، وفرض واقع استعماري جديد يُكرّس هيمنة الاحتلال على كامل الأرض الفلسطينية.

 

الحديث عن “إعادة توطين” الفلسطينيين في دول أخرى ليس إلا إعادة إحياء لمشروع التطهير العرقي، الذي بدأ منذ أكثر من سبعة عقود، حين تم تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من مدنهم وقراهم قسرًا، ليجدوا أنفسهم مشردين في المنافي والمخيمات. واليوم، يُطرح نفس السيناريو بمسميات حديثة ووعود زائفة، في محاولة لإضفاء شرعية على جريمة لا يمكن للعالم أن يقبلها. إن محاولة تصوير التهجير كـ”حل للصراع” ليست سوى تبرير فج لاقتلاع شعب بأكمله، وطمس هويته، وإلغاء وجوده على أرضه التاريخية.

 

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لطالما قدّم لإسرائيل كل أشكال الدعم السياسي والعسكري، يطرح اليوم مخططًا شيطانيًا يُراد له أن يكون “الحل النهائي” لمشكلة غزة، من خلال تهجير سكانها، والاستيلاء عليها، وإعادة بنائها كمستوطنة استيطانية جديدة تحت مسمى “ريفييرا الشرق الأوسط”. كيف يمكن لمدينة عانت من الاحتلال والحصار لعقود أن تتحول فجأة إلى مركز استثماري؟ بأي منطق يُجرد الفلسطينيون من أرضهم، بينما تُحوَّل هذه الأرض إلى مشروع استيطاني يُستخدم لجذب المستثمرين والسياح؟ إن هذه ليست سوى جريمة جديدة تضاف إلى سلسلة الجرائم التي ارتُكبت بحق الفلسطينيين منذ بداية المشروع الصهيوني.

 

المؤامرة لا تقتصر على التهجير فحسب، بل تتعداها إلى فرض سيطرة أمريكية عسكرية دائمة على قطاع غزة، بحجة “المساعدة في إعادة الإعمار” و”إزالة الأسلحة الخطرة”. ولكن الحقيقة الواضحة هي أن هذا الوجود العسكري لن يكون مؤقتًا، بل هو خطوة نحو احتلال طويل الأمد يخدم المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى، ويمنع أي إمكانية لقيام كيان فلسطيني مستقل. فهل ستكون غزة، التي صمدت لعقود رغم كل الحروب والدمار، ساحة جديدة للاحتلال الأمريكي المباشر بعد الاحتلال الإسرائيلي؟

 

على الرغم من أن بعض الدول العربية، مثل مصر والأردن، أعلنت رفضها لهذا المخطط، إلا أن الرفض السياسي وحده لا يكفي لإيقاف جريمة بهذا الحجم. إذا لم يكن هناك تحرك فعلي، فإن الصمت لن يكون إلا ضوءًا أخضر لتمرير المشروع وتنفيذه. كيف يمكن للعالم أن يصمت أمام محاولة اقتلاع مليونَي فلسطيني من أرضهم؟ أين المنظمات الدولية التي تتشدق بحقوق الإنسان؟ أين الضمير العالمي الذي وقف سابقًا ضد جرائم التهجير القسري في أماكن أخرى من العالم، بينما يتجاهل أكبر عملية تطهير عرقي في العصر الحديث؟

 

هذا المخطط ليس مجرد مشروع سياسي، بل هو إعلان حرب على الوجود الفلسطيني. إذا نُفِّذ، فلن تبقى فلسطين، ولن يبقى الفلسطينيون سوى جاليات مشتتة حول العالم، بلا وطن، بلا حقوق، بلا مستقبل. إن التاريخ يُعيد نفسه أمام أعيننا، وإذا لم يكن هناك تحرك جاد، فإن الكارثة التي حلّت بفلسطين في عام 1948 ستتكرر مرة أخرى، ولكن هذه المرة بشكل أكثر شمولية ووحشية، حيث لن يُترك أي مجال لقيام كيان فلسطيني من جديد.

 

السؤال المصيري اليوم: هل سيقف الفلسطينيون والعرب والعالم في وجه هذا المخطط الجهنمي؟ أم أن التخاذل والصمت سيجعل من السهل تمرير أكبر جريمة تطهير عرقي في العصر الحديث؟ ما يحدث اليوم ليس مجرد أزمة سياسية، بل هو معركة وجودية، وإذا لم تُواجه هذه الجريمة بحزم، فسيكون العالم قد شهد على محو فلسطين إلى الأبد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.