رؤية شرق أوسطية: اتفاق القاهرة تطور مهم لجسر الهوة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية

كتب/ جمال البدراوي ومحمد العبادي (شينخوا)
وقعت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، اتفاقا في القاهرة لاستئناف التعاون بشأن الملف النووي الإيراني، في خطوة اعتبرها مراقبون تطورا مهما للخروج من أزمة فقدان الثقة بين الجانبين، وتخفيف الضغط الغربي على طهران.
ويعد الاتفاق، الذي وقع الثلاثاء الماضي، تتويجا لمسار تفاوضي بين إيران والوكالة الدولية انطلق في أغسطس 2025 بوساطة مصرية.
ويحدد الاتفاق “خطوات عملية للتحقق وزيادة إجراءات
الشفافية، بما يمثل إطارا عمليا جديدا لاستعادة الثقة بين إيران والوكالة الدولية، ونقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة في العلاقة بين الطرفين تتسم بمزيد من الشفافية التي تسهم فى معالجة الشواغل الفنية”، بحسب بيان لوزارة الخارجية المصرية اليوم (الخميس).
ويأتي الاتفاق بعد أكثر من شهرين من إعلان إيران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية، ردا على الضربات الأمريكية – الإسرائيلية على منشآتها النووية واغتيال علمائها النوويين في يونيو الماضي.
كما يأتي قبل أسابيع من دخول “آلية الزناد” حيز التنفيذ، والتي بموجبها سيتم إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، وذلك بعد أن أخطرت الترويكا الأوروبية، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، طهران ومجلس الأمن الدولي بتفعيل الآلية.
تطور مهم
وقال الخبير العراقي ياسر مطلق الجبوري إن “القاهرة شهدت حدثا استثنائيا حين نجحت في جمع إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية على طاولة واحدة لتخرج الوساطة مصرية باتفاق تقني يهدف إلى استئناف التعاون وآليات التفتيش بعد أشهر من التوتر والانسداد”.
واعتبر الجبوري، وهو رئيس مؤسسة ((فواصل للبحوث والدراسات)) لوكالة أنباء ((شينخوا))، أن “هذه الخطوة تطور مهم يعيد فتح قنوات الاتصال الفنية بين إيران والوكالة الدولية، وجوهر الاتفاق يتمثل في إعادة تفعيل آليات التفتيش وتطبيق الضمانات ما يتيح للوكالة استعادة قدر من الرقابة الميدانية على البرنامج النووي الإيراني”.
وأضاف “تقنيا، يشكل هذا الاتفاق إنجازاً لأنه يمنح المجتمع الدولي فرصة تقييم الوضع على أسس أكثر وضوحاً لكنه في المقابل لا يجيب عن أسئلة كبرى تتعلق بحجم مخزون اليورانيوم المخصب ولا يقدم ضمانات كافية لمنع تحوله إلى ورقة استراتيجية بيد طهران”.
من جانبه، قال الخبير المصري في الشؤون الإيرانية الدكتور محمد بناية، إن توقيع اتفاق لاستئناف التعاون بين إيران والوكالة الدولية “أمر طبيعي، لأن إيران كانت تسعي منذ فترة لاستئناف المفاوضات، لكن كان لديها شروط، وأتصور أنه تم تأمين هذه الشروط”.
ومن بين هذه الشروط، حسبما أوضح بناية لـ((شينخوا))، “الحفاظ علي أسرار المنشآت النووية، وألا تقوم الوكالة الدولية بتسريب المعلومات الخاصة بهذه المنشآت، خاصة أن طهران كانت تتهم الوكالة بأنها سربت المعلومات وساعدت إسرائيل في استهداف هذه المنشآت”.
وتابع أنه “بالطبع حدثت تنازلات (من قبل إيران للوصول لهذا الاتفاق) لكنها ليست بشأن مطالب إيران وإنما في قبولها مرة أخري رقابة وتفتيش الوكالة الدولية”.
وأردف أن “إيران لديها استعداد لتخفيض نسبة التخصيب وقبول تفتيش الوكالة الدولية، فهي لا تسعي لامتلاك سلاح نووي، واستغلت انشغال العالم بملفها النووي وقامت بتطوير منظومات الصواريخ والطائرات المسيرة، والإيرانيون يجيدون التفاوض، وفي النهاية نفذوا ما يريدون”.
فيما قال الباحث السوري حسام طالب، إن اتفاق القاهرة يشكل “خروجا من الأزمة بين إيران والوكالة الدولية برعاية مصرية.
تداعيات الاتفاق
وأشار بناية إلى أن اتفاق القاهرة “سوف يخفف الضغط الدولي علي إيران، والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي قال إن الوكالة ليس لها علاقة بآلية الزناد (التي قررت الدول الأوروبية تفعيلها)، واتوقع أن تخفف الدول الأوروبية موقفها من إيران” بعد هذا الاتفاق.
وأردف أنه “بنسبة 90 % آلية الزناد لن يتم تفعيلها، وأتوقع أن ينجح اتفاق القاهرة في إبطالها، وإيران منذ البداية عندها مرونة، ومشكلتها ليست مع الدول الأوروبية بل مع أمريكا”.
وشاطره الرأي الجبوري، بقوله إن اتفاق القاهرة “يوفر لطهران متنفسا مؤقتا، فهو يمنحها فرصة لإظهار التعاون مع الوكالة، ويقلل من المبررات الفورية لفرض إجراءات عقابية جديدة”.
ومع ذلك، رأى الجبوري أن “الضغط لن يتبدد، فالدول الغربية ما زالت ترى أن الخطوة غير كافية ولا تعالج القضايا الجوهرية المتعلقة بالتخصيب وتخزين اليورانيوم، وهنا تكمن المفارقة بأن الاتفاق خطوة تهدئة لكنه لا يرقى إلى مستوى التسوية ما يجعل الضغط الدولي مستمراً بآليات مختلفة”.
وأشار إلى أن “أخطر ما يواجه اتفاق القاهرة هو التزامن مع خطوة الترويكا الأوروبية التي أبلغت مجلس الأمن أواخر أغسطس الماضي بتفعيل آلية الزناد، صحيح أن اتفاق القاهرة يمكن أن يستخدم كذريعة لتجميد هذا المسار مؤقتا بانتظار اختبار النوايا الإيرانية، لكنه لا يملك القوة القانونية لوقف الإجراء نهائيا، وهكذا يبقى الموقف معلقا بين احتمال سحب الطلب الأوروبي أو تجميده أو المضي قدما في إعادة العقوبات مع نهاية سبتمبر” الحالي.
لكن حسام طالب، رأى أن “اتفاق القاهرة ربما ينجح في إبطال آلية الزناد لكن هذا الأمر يعتمد على إيران بشكل كبير”، من خلال السماح لمفتشي الوكالة الدولية بالدخول إلى مفاعلاتها النووية.
أما الدكتور فادي جمعة أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية، فقال إن اتفاق القاهرة “يمكن أن يخفف جزئيا الضغط الدولي على إيران إذا ما ترافق معه خطوات عملية كالسماح بدخول مفتشين للمفاعلات النووية والرقابة على الملف النووي”.
تحجيم الدور الإسرائيلي – الأمريكي
ورأى الجبوري أن اتفاق القاهرة “يضعف الدور الإسرائيلي – الأمريكي إلى حد ما، لأن استئناف التفتيش يضعف الحجة القائلة بغياب الرقابة، وهي الحجة التي طالما استخدمت لتبرير تشديد المواقف أو حتى التفكير بخيارات عسكرية، لكن الأمر لا يتجاوز حدود التأثير النسبي فواشنطن وتل أبيب تنطلقان من اعتبارات أمنية واستراتيجية أوسع، ولن تترددا في الضغط أو التحرك إذا اعتبرتا أن طهران تستغل الاتفاق لكسب الوقت”.
بدوره، قال جمعة إن اتفاق القاهرة يمكن أن يحجم الدور الإسرائيلي الأمريكي في الملف النووي الإيراني، لأنه سيصبح محرجا أكثر لواشنطن التدخل في ظل وجود اتفاق ينتظر نتائجه الأوروبيون والعالم.
إلا أن الباحث اللبناني في الشؤون الجيوسياسية الدكتور عادل مشموشي رأى أن الوساطة المصرية لن تحجم الدور الإسرائيلي – الأمريكي أو الأوروبي في الملف النووي الإيراني، لكنها تضيف صوتا عربيا وازنا ومتقدما يحاول تجنب التصعيد.
سيناريوهات ما بعد الاتفاق
وأضاف الجبوري أن “هناك ثلاثة مسارات رئيسة، هي سيناريو النجاح المرحلي حيث يلتزم الطرفان (إيران والوكالة) بتطبيق الاتفاق بدقة ما يمنح الوكالة قدرة أكبر على التفتيش ويؤدي إلى تجميد مسار العقوبات الأوروبية مؤقتاً، وهذا السيناريو يمنح القاهرة دفعة قوية كوسيط، ويتيح لإيران شراء وقت إضافي لتخفيف الضغوط”.
والسيناريو الثاني، وفق الجبوري، هو سيناريو “التجميد المشروط حيث يتواصل التعاون بين إيران والوكالة لكن بحدود ما يدفع مجلس الأمن إلى تعليق آلية الزناد لفترة قصيرة بانتظار التزام أوضح، وهذا السيناريو يبقي الأجواء مشدودة ويحول الملف إلى ورقة مساومة بين القوى الكبرى”.
أما السيناريو الثالث فهو “سيناريو الانهيار حيث تفشل إيران في تطبيق التعهدات أو يصر الأوروبيون على المضي في آلية الزناد، وتعود العقوبات الدولية إلى الواجهة، وعندها سيكون اتفاق القاهرة مجرد محطة عابرة في مسار أزمة أعمق مع احتمالات تصعيد سياسي وربما أمني”.
ودعا الجبوري، إيران إلى أن تسمح للوكالة الدولية بالوصول للمنشآت النووية لتفادي أي ذريعة غربية لتصعيد جديد، بينما حث القاهرة على أن توسع دورها ليشمل قنوات سياسية موازية بما يضمن استمرار زخم الاتفاق وعدم تحوله إلى مجرد إنجاز تقني، في حين طالب الترويكا الأوروبية بأن تستفيد من الاتفاق كفرصة لإعادة تقييم مسار العقوبات وربطه بنتائج ملموسة بدل القرارات المسبقة.
أسباب نجاح الوساطة المصرية
وعقب توقيع الاتفاق الثلاثاء، عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لقاء ثلاثيا مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ومدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي.
وبينما اعتبر السيسي، أن الاتفاق “خطوة إيجابية نحو خفض التصعيد وإفساح المجال أمام الحوار تمهيدا للتوصل إلى تسوية سلمية للبرنامج النووي الإيراني”، أوضح عراقجي أن “الاتفاق سوف يؤسس لمرحلة جديدة في المنطقة، ويمهد لاستئناف المفاوضات حول الملف النووي”، في حين قال غروسي إن الاتفاق “خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح”.
واليوم، أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، اتصالات مكثفة بشأن الملف النووي الإيراني في ضوء اتفاق القاهرة مع نظرائه في فرنسا والسعودية وسلطنة عمان، بالإضافة إلى كايا كالاس الممثلة العليا للشئون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبى، وستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، بحسب بيان للخارجية المصرية.
وعزا الجبوري، نجاح القاهرة في الوصول للاتفاق إلى “الحياد والواقعية” اللتين تتمتعان بهما مصر، خاصة أنها “ليست طرفا مباشرا في الصراع لكنها تمتلك رصيدا سياسيا ودبلوماسيا يسمح لها بالتواصل مع جميع الأطراف”.
وأضاف أن “التركيز على قضايا تقنية لا سياسية ساهم في تخفيف سقف الخلافات وفتح المجال لاتفاق سريع، ومن جهة أخرى كانت هناك دوافع مصرية واضحة رغبة في تعزيز موقعها كوسيط موثوق، وحاجة داخلية وإقليمية لدرء أي تصعيد قد ينعكس على أمن الملاحة في البحر الأحمر أو على التوازنات الإقليمية”.
بينما أرجع بناية، نجاح الوساطة المصرية إلى “دور مصر الإقليمي القوي حاليا”، مشيرا إلى أن مصر “تستعيد مكانتها المؤثرة في المنطقة”.
أما المحلل اليمني فياض النعمان، وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، فقال إن اتفاق القاهرة بين إيران والوكالة الدولية “يوضح الدور الريادي للقاهرة ومسؤوليتها التاريخية في حماية الأمن الإقليمي ومنع انزلاق المنطقة إلى مزيد من التوترات، فنجاح مصر في فتح قناة للتواصل بين الوكالة وإيران يثبت أن القاهرة قادرة على لعب دور الوسيط النزيه الذي يمنح الأولوية لاستقرار المنطقة ومصالح شعوبها”.
وأضاف أن “نجاح الوساطة المصرية يضيف لرصيد القاهرة السياسي ويمنحها ثقلا إقليميا متزايدا في ملفات شديدة التعقيد”.
واتفق معه الباحث السوري حسام طالب، بقوله “إن تكون مصر الوسيط بين الوكالة الدولية وإيران يعني أن مصر لها دور محوري بالمنطقة وتسعى إلى توسيع نفوذها السياسي وتوطيد علاقاتها مع الدول الإقليمية، هذا دور مهم جدا لمصر”.
وبينما قال جمعة إن “مصر طرف مقبول بالنسبة لجميع الأطراف، وليست محسوبة على طرف دون آخر”، أوضح مشموشي أن الوساطة المصرية جاءت بسبب “الحاجة إلى جهة مستقلة تعيد التواصل بين إيران والوكالة الدولية” في ظل فقدان الثقة بين الجانبين.