موقع اخباري شامل صادر عن مؤسسة تحيا مصر

د. محمود شهاب الدّين يكتب .. زوبعة التجديد

قصة رجلين وحكيم أثاروا الرأي العام بالتجديد في الأقصر !!

أحد الرجلين ابن فلّاح من مدينة الأقصر كان يزرع القصب ويسكن في بيت نصفه من الطوب اللبِن والنصف الآخر من طوب القمايم، تعلّم هذا الرجل وحصل على الدكتوراه ثم الأستاذية ولُقّب بفيلسوف تخصصه، وأصبح بهذا الوضع من مشاهير قومه وقائد رأي فيهم، ثم بدأ يفكر في أن البيت الذي تربّى فيه لم يعد مناسبًا لعصره ومكانته فقرر هدمه وبنى بدلا منه فيلا بأحدث طرق المعمار العالمية، فأيده جمع غير قليل من أهل بلدته وشجعوه قائلين: (هو دا اللي يليق بوِلد فلان ومكانته ما عاد ينفع البيت القديم)، وفي الوقت ذاته عاب عليه طائفة غير كثيرة من أهل بلدته قائلين: (هدم بيت أبوه ونسى أصله كان بنى فيلا براحته وساب دا تراث)، وكل طائفه منهم لديها وجهة نظر ها، من يؤيدون الهدم يدركون أنّه لم يهدم قيمة، ومن يرفضونه يعتقدون أنّه هدم القيمة؟!.

 

د. محمود شهاب الدين مدرس بكلية الإعلام بجامعة الأزهر
د. محمود شهاب الدين مدرس بكلية الإعلام بجامعة الأزهر

أمّا الآخر فهو ابن رجل آثار مُنِح فرصة العيش في بيت أثري، تعلّم وتألق حتى أصبح أحد رموز العالم ومشاهيره العِظام، ويعد من مطوري المدنيّة الحديثة حول العالم، وهو محب لموطنه فأراد أن يجدد البيت الذي تربّى فيه ليناسب أفكاره وشهرته، لكنّه لم يهدمه كما فعل الأول ولكن استدعى أوثق وأهم خبراء الآثار حول العالم ليعيدوا للبيت جماله دون أن يشوهوا أصوله، فانقسم أهل بلدته حول ما فعل أيضًا، طائفة غير قليلة منهم قالت؛ (برافو عليه حافظ على التاريخ وطوّره بما يتناسب مع الحاضر)، وطائفة أخرى غير كثيرة قالت؛ ( إيه الإسراف دا؟ .. دا لو هدّه وباللي صرفه عليه كان عمل بدل القصر عشرة)، وكل منهم له وجهة نظره أيضًا.

لمّا ذهبوا لحكيم البلد بقصة الرجل الأول الذي هدم بيت أبيه فقال لهم أصاب!!، وحين ذهبوا له بعدها بقصة الرجل الثاني الذي صرف الغالي والنفيس واستدعى العلماء ليطوّر بيت أبيه ورفض أن يهدمه فقال لهم أصاب!!، فخرجت طائفة من المتربصين بالحكيم وتريد أن تنال من هيبته تقول: (لقد تراجع عن أقواله ونسي موقفه قبل ذلك)، ولكننا ومن منطلق التحليل الموقفي لوجهة نظر الحكيم نرى أنّه وضع ثوابت وبنى عليها موقفه مؤكدًا أن:

– الثابت لدى عموم الناس أنّه – قيمة – لا يهدم وإنما ينقّى ويطوّر ليناسب الزمان، لأن من يقف على تاريخ ثابت يصل عنان السماء، فمصر المدنية تحتفي بمصر الحضارة ولا تهدمها، فماذا لو قال لك أحدهم هيّا بنا نهدم سور مجرى العيون لأنّه صنع لسقاية الملوك ويعكس فترة الاستعباد في هذه المرحلة ؟!.

– كما أن الثابت لدى عموم الناس أن الهدم فيه إصلاح يمكن هدمه، فنحن نسكن في عمارة عشرين عامًا وعندما تتهالك نهدمها ونبنيها بكل أريحية على أفضل هيئة وبأنسب شكل، لأننا ببساطة لو تمسّكنا بها وشيّدناها ستسقط بنا جميعًا؟!.

ومن وجهة نظري المتواضعة أرى أن موقف الحكيم ثابت؛ لأنّه علم لكل شيء قيمته فحفظها إمّا بالهدم أو بالتطوير، بينما من يثيرون الرأي العام خلطوا بين القيمة وعكسها فأجازوا الهدم في كل أو أنّهم لا يرون لتاريخهم قيمة فيريدون هدمه وهذا أشد ضلالا !!، كما أن الادعاء بتأثر الحكيم برأي من هنا أو من هناك مردود عليه بأن رأي الحكيم لم يتبدل أصلاً .. يا سادة التجديد يلزمه مجددون لا مقاولون!!. …. ولكن ماذا عن وجهات نظركم أحبابنا وقراءنا الأعزّاء ..!!.

 

ــــــــــــ

الدكتور محمود شهاب الدين .. مدرس بكلية الإعلام بجامعة الأزهر.

التعليقات مغلقة.