د. حمدي البهوي يكتب .. حَمَلَـة الدُّفُــوف!!
لا أقصد بحملة الدُّفوف، أولئك الذين تراهم في قاعات الأفراح والليالي المِلاح، يحملون دفوفهم، ويدقون عليها في نظام إيقاعي رتيب، يُبهجون بألحانها المستمعين، ويُشيعون أجواء البهجة والسعادة بين الحاضرين.
إنما حملة الدفوف الذين أقصدهم، وأجعلهم اليوم في مرمى القلم، هم أولئك الذين إذا ما أبصروا صاحب جاهٍ أو سلطان، اتَّخذ كرسيه، فاستوى عليه، وأسند ظهره إليه، تحلَّقوا حوله، حتى حجبوا كل ما سواهم عنه، وأخرجوا دفوفهم، التي لم تكد تستريح من عناء مدح سابقه، وأخذوا يعزفون ألحانًا قديمة بالية، تكرهها الطباع السليمة، والمذاقات الرفيعة؛ إنها ألحان كالرَّجيع الذي سبق مضغه.
تراهم!! وليتكَ ما كنتَ تراهم!! تراهم، وقد خلعوا عليه من المدائح المجيدة، والصفات الحميدة، والفعال الرشيدة، ما يجعله يتعجب في دَهَش واستغراب، وولع واستعجاب!! قائلًا في نفسه: كيف أمتلكُ كلَّ تلك الصفات، وأحوز كل تلك الملكات، ولم يلتفت أحدٌ من الناس من قبل إليها؟!! وما مصدر تلك الملكات؟! هل ورثتُها عن آبائي؟ أم اكتسبتُها على علم عندي؟!! ولربما فكر في كل الاحتمالات إلا احتمالًا واحدًا، هو أن يكون ما حوله قوم يمدحون الجالس على الكرسي، أيًّا كان، فالشخص لا يعنيهم، فهم يتوسلون إلى الكرسي لا إلى الجالس عليه، فأعضاء تلك الفرقة الموسيقية، قوم ضلَّ سعيهم، وماتت قلوبهم، وشُيعت جنائز ضمائرهم في يوم مظلم مطير!! يحفظون ألحانًا واحدة، نغماتها ملفقة، وإيقاعاتها من النشاز، سئمت الآذان ألحانهم، وازدرت العيون صوره، وحتى لا نبخسهم أشياءهم، يجب أن نعترف لهم، أنهم قوم مهرة، فهم كالحُواة والسحرة، بل يتفوقون عليهم؛ فالسحرة يسحرون العيون، أما هؤلاء، فيسحرون العقول، ويسلبون الأفئدة!!
وهم على تلك المهارة والشَّطارة، يقومون بكل تلك المهام الجسام، والفعال العظام، دون أن يلحقهم عناء، أو تدركهم مشقة، فالدُّف في أيديهم كالريشة في يد الرسام، فكثرة ممارستهم لهوايتهم المفضَّلة، جعلتهم يؤدون حرفتهم بجدارة واستحقاق، ويُقبلون عليها بلهفة واشتياق، إنهم تربوا على تلك الحرفة، التي صادفت هوىً قديمًا عندهم، وقل لي بربك: ما ظنك بمن صادفت حرفته هواه؟!!
نماذج بشرية، تقابلهم في دنيا الناس، يتكررون في كل زمان ومكان، نقاط سوداء في ثوب المجتمع الأبيض!! ولكن يبقى أصحاب القيم الرفيعة، والمواقف الثابتة، الذين يوقنون أن الرزق بيد الله، لا بيد أحد من الناس، قال تعالى: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [سورة الذاريات، الآية:]22 فلا حيلة لفتح باب رزق بالدفوف ولا بغيرها، نسأل الله أن يرزقنا اليقين الصادق…اللهم آمين.
التعليقات مغلقة.