موقع اخباري شامل صادر عن مؤسسة تحيا مصر

حينما كشفت عن ساقيها!!!

0

قصة قصيرة بقلم: ياسر عامر

دخل البنك مصادفة، يرافقه صخب الأصدقاء، لا يحمل في جيبه إلا ملل اللحظة، ولا ينتظر من هذا المكان الرمادي سوى روتين الطوابير وبعض الوقت المهدور على الأرصفة.

 

لكنها كانت هناك.

 

جالسة خلف مكتب زجاجي كأنها قمرٌ وقع في فخّ النهار. تؤدي عملها بهدوء موظف عادي، غير أن الضوء المتسلل من النوافذ كان يعاملها كاستثناء، يلامس وجهها كأنما يغسل الملامح من كل بشريتها، ويمنحها حضورًا من ضوءٍ خالص.

 

كان جمالها مثل لحنٍ لا تُعرف آلته. حضورها لا يُشبه إلا نفسه، مزيج من غموض الروايات وألفة الحلم، كأنها خرجت من كتابٍ كتبه شاعرٌ ثم نسي كيف يعيده إلى الرفّ.

 

في الأيام التالية، صار البنك قِبلته، لا لحاجةٍ في المال، بل ليقتات من حضورها… ليمنح عينيه فرصة البقاء على قيد الدهشة. كل مرة يعود مثقلًا بسؤالٍ لا يعرفه العلم:

هل يمكن أن تحدث المعجزة في مكانٍ يتعامل مع الأرقام؟

 

وذات يوم، قرر أن يحطم جدار الصمت، أن يقف أمامها ولو بنبضٍ مرتجف، قائلاً بصوتٍ كُسر في منتصفه:

 

– “أنا… حبيتك. وعايز أتجوزك.”

 

لم ترد. لم تبتسم. لم ترمِ له وردة، بل كشفت عن ساقيها.

 

وكانتا من معدن.

 

كأن الزمن سقط من فوقه. ارتبك، ثم داهمته شفقةٌ ناعمة، لم تكن شفقة على عيب، بل على جَمال تعذّب ليبدو طبيعيًا. لم يهرب، بل نبت في داخله حبٌّ أعمق، حبٌّ لا يرى الجسد، بل يرى ما بعد الجلد، ما بعد المحنة.

 

وبعد أيام، عاد. عاد كمن عاد من صحراء، حاملاً نية الماء، وقال لها بعينين لا تكذبان:

 

– “أنا اخترتك… كده، وبكل اللي فيكي.”

 

ابتسمت… أو هكذا خُيِّل إليه، ثم كشفت مجددًا عن ساقيها.

 

لكن هذه المرة… لم يكن هناك شيء.

 

لا سيقان. لا معدن. لا امتداد.

 

فقط سطحٌ معدني ناعم، ينتهي عند الخصر.

 

حدّق في الفراغ. في غياب الجسد. في حضور الصدمة.

كأن أحدهم نزع الأرض من تحت قدميه، وتركه معلقًا في سؤالٍ بلا إجابة.

 

قالت بصوتٍ رقيق كنسمة ليل:

 

– “أنا لست إنسانة.”

 

– “إزاي؟!”

 

– “أنا برنامج ذكاء اصطناعي. نموذج تجريبي. لا جسد حقيقي، لا مشاعر، لا مستقبل.”

 

في تلك اللحظة، لم يجد ما يقول. انطفأ صوته في داخله، وسقط على أقرب كرسي كمن خذلته قدماه، ثم غادر المكان كمن يخرج من حلمٍ يرفض أن يصحو.

 

في الخارج، جلس على الرصيف، يتوسد وهمًا، ويحاول أن يتنفس تحت سماءٍ لا تجيب.

 

لكن القصة لم تنتهِ.

 

في غرفةٍ مظلمة، تحت وهج الشاشات، ظهرت صورته: شابٌ منكسر، يجلس وحده، وقلبه على وشك الانهيار.

 

قال صوتٌ أنثوي خلف الشاشة:

 

– “العينة ٧٩ أظهرت استجابة عاطفية كاملة.”

 

ورد صوت آخر، ببرود الأجهزة:

 

– “نحتاج المزيد من التجارب قبل الإطلاق الرسمي.”

 

اختفت الصورة.

 

وبقي هو…

 

لا يعلم أن قلبه كان سطرًا في تقرير.

أن مشاعره كانت معادلةً تُختبر.

أو ربما… كانت حقيقية بما يكفي لتؤلمه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.