جلست إلى جواره كعادتهما بذات المقهى على نفس الطاولة التي بفعل جلوسهما عليها تحولت إلى قطعة حُلي بهذا المقهى يبعث على البهجة و الإبتسامة تظهر على وجه النادل و هو يتابع خطواتهما إلى هذه الطاولة.
ذات المقعد إلى جواره بينما كانت حقيبة يدها على المقعد المقابل في إعلان منها عن إمتلاك الطاولة و مقاعدها فكل شئ لها وحدها
كانت إبتسامته و هو يضع ملعقة من السكر ليبدأ في إذابتها بفنجان الشاي الأخضر إعلاناً منه هو الآخر بأن أميرته تذوب في أضلعه يحتويها بكل تفاصيلها كهذا الفنجان الأبيض
إستسلام تام جمعهما رغم قسوة الظروف التي جعلت من هذا المقهى و طاولته ملاذاً لهما فكل شجرة و مصباح كهربي حتى طاولات المقهى الأخرى و مقاعده أدركت أنهما عاشقان من ذو الظروف الصعبة عاشقان من متحدي الألم بنظراتهما و ثقتهما في أن نور الحب لن يُضل بهما الطريق
لعنة الله عليك
تمتم بهذه العبارة بمجرد سماع صوت الهاتف و قد حمل رسالة من أحد المواقع الإخبارية التي إنتشرت خدماتها على الهواتف مع إختراق الإنترنت لها، فهي الآن ستغيب عنه لمتابعة الرسالة و بالقطع ستفتح صفحتها الشخصية على موقع التواصل الإجتماعي فيس بوك و ستقوم بجولة على الواتس آب لترى رسائله ما قد يأخذ منها دقائق قليلة لكنها تحمل سنين تمر عليه
بإدراك لشغفها الأنثوي كان يتابع نظرتها إلى الهاتف فهي ككل الفتيات تحمل الرغبة في أن تكون مميزة و مع التطور العصري أصبحت منشورات الفيس بوك و عدد المعجبون بها و المعلقون عليها مصدراً للتميز، تركها في هدوء لهاتفها عل هذا يهدأ من وطئة مشقة يومها بعد عمل ظلت خلاله تتحدث واقفة معظم الوقت شارحة للمتدربين الجدد في شركة للإستثمار العقاري مهام عملهم و كيفية إقناع العملاء.
كانت إبتسامة النادل مصطنعة و هو يقف مستمعاً لما يطلبه هذا الرجل الذي إقترب من الستين عاماً و تجلس في المقعد المقابل له إمرأة تصغره بحوالي الخمس سنوات و لكن أسلوبهما يوحي بأنهما أكثر شباباً و حيوية من نادل المقهى الذي آثر ألا يترك نفسه فريسة للأيام بلا عمل بعد أن أنهى تعليمه الجامعي و حصل على ليسانس الآداب من قسم الفلسفة فقد أخبر كريم ذات مرة و هو ينتظر قدوم فيروز بمدى صعوبة الحصول على عمل بشهادته الجامعية، كان كريم بدأ يلتفت إلى ضحكة النادل واثقاً أنها مصطنعة فهي ليست كما التي تعلو ملامحه حينما يراه هو و فيروز، يبدو أن حقداً ما تحرك بنفس النادل من أن يرى رجلاً و إمرأة بهذا العمر و في هذه البهجة و الحيوية و هو يصغرهما بعقود لكن حياته جعلت منه كهلاً عجوزاً، فأمه المريضة التي ترملت بعد أن أنجبت أخته الوحيدة و معاش أبيه الذي بكاد كان مع ما تقتاته أمه من عملها كخياطة ملابس كفل له أن ينهي تعليمه و أصبح عليه الآن أن يتكفل بعلاج أمه التي لم تعد تقوى على العمل و مصروفات جامعة أخته الطالبة في السنة الثانية بكلية التجارة، إلتمس كريم له العذر فعلى الرغم من إصطناع الضحكة تعامل معها الرجل و المرأة دون أن يفهمها و لكن كريم إلتقط المغزى مشفقاً على النادل فهو بشري في نهاية المطاف.
لم يشأ كريم أن يفسد على فيروز تعمقها في هاتفها رغم قصر الوقت الذي يقتنصاه ليكونا سوياً مستقويان بطاقةٍ كامنة داخلهما ليعبرا معا طريقهما في خضم الحياة، حتى أن كريم إعتاد على ألا يحدثها عن حجم ألم يلحقه به جراء عصف الحياة و الظروف التي أضحت قاسية و ظروف العمل الطاحنة في مجال الدعاية و الإعلان و كم الخسائر المتتالية بفعل ظروف إقتصادية لحقت بمختلف المجالات كان إحساسه و هي إلى جواره يكفيه في هذه المرحلة، خاصةََ و أن ظروفها العائلية كانت كجبل تمشي حاملةً إياه على كتفها، ففقدان الأم مع وجود أب كان لكبر سنه أن يصنع فجوة زمنية بينها و بينه و أختين أصغر منها لا يشغل بالهما سوى صحباتهما في الجامعة يتوسطهما أخ مصدراً لكوارث في متجر أبيه لبيع مستحضرات التجميل و العطور تحت شعار أنه رجل البيت و خليفة أبيه الذي تفرغ لأن يجني مال المتجر دون إكتراس لطريقة إدارة إبنه، كل هذا إضافة لمشاكل عملها و ضرورة أن تقوم بكافة الواجبات المنزلية دون مساعدة ممن معها في نفس البيت فهي الكبيرة كما تحججوا لها دائماً كي لا يشتركوا معها في إعداد الطعام أو تنظيف البيت و غيرها من الأمور التي ترهقها ذهنياً بالتفكير بها لإيجاد وقت لها و جسدياً بفعل الإثقال عليها، كل هذا كان كريم يضعه نصب عينه و هي إلى جواره كان كريم ينظر ويشعر براحة نفسية إنتابته لمنظر المسن و هو ينظر إلى عين المرأة الجالسة أمامه في هدوء و صمت تعلوهما إبتسامة أعادت إلى ذهنه نظرته إلى فيروز التي قد كانت تطول لجلسة كاملة لا يتخللها سوى كلمة واحدة يبدو أن الوقت سرقنا و يجب أن أعود إلى المنزل، كان حديثهما بلا كلام نظرات و إبتسامات و لمسة لأصابع اليد لتتشابك في سلاسة فالكلمات في مثل هذه اللحظات عاجزة كليةً عن تحرك شئ فبراءة إحساس الطفل لا تعبر عنها مطلقاً الكلمات هي فقط تحس و هو منهج قد وصل إليه كريم و فيروز بعد أن تشبع كيان كل منهما بالآخر.
كانت الشمس بدت مستأذنة بالرحيل و أضفت أشاعتها على وجهها لمعة أوضحت معالم القلق و الشغف و هي تتطلع لساعة يدها تارة و هاتفها تارةً أخرى بينما كوب الليمون بدى و كأنه ينظر إليها مشفقاً على حالتها، كان كريم ينظر إليها و إذ بفيروز تطل في ذاكرته حينما تعطل هاتفه و هو في طريقه إليها بذات المقهى و ما أنا وصل هدأت ملامحها و توقف خفقان قلبها القلق على كريم لتوبله بعاصفة من كلمات تشرح بها حالتها التي إنتابتها و هي منتظرة قدومه و كيف كان خعجزها من أن تصل إليه عبر الهاتف ينسج خيوطاً من الأفكار التي تشابكت في رأسها مُحكمة الوثاق خوفاََ عليه، ظلت الفتاة على قلقها إلى أن أشارت للنادل و كأنها تبحث عن طمأنة ما…دفع كريم حساب اللمون وهو يشفق علي حبيبته
من التأخير والقلق ولكنه غاضبا منها لانشغالها بهاتفها ومواقع التواصل الاجتماعي وجروب الوتس. لتفاجاة هى بأنها كانت مشغوله بإعداد صورة تورتة عيد ميلادة التى صنعتها عبر الفون وعليها صورتهما وكتبت عليها كل ثانيه وانت حبيبي
التعليقات مغلقة.