ام كلثوم والسياسة: صوت الوطن ورسائل خفية خمسون عاماً مضت ، ومازال صوتها يملأ الآفاق …. لا نرثيها بل نحتفي بها
ماهر بدر
أم كلثوم لم تكن مجرد مطربة ، بل كانت ظاهرة استثنائية ، معجزة فنية ، وروحاً نابضة تسري في وجدان المصريين والعرب جميعاً ، كانت كوكب الشرق وصوت الوحدة العربية ، والنبض الحي لكل جميل وأصيل في هذه الأمة ، فمنذ بداياتها الفنية في عشرينيات القرن العشرين ، وحتى رحيلها عام 1975 شكلت أغنياتها جزءاً لا يتجزأ من الوجدان القومي ، حيث عبرت عن آمال الشعوب العربية وطموحاتها في الحرية والإستقلال .
كان لأم كلثوم موقف واضح تجاه القضايا الوطنية منذ صعودها الفني في الثلاثينيات عندما غنت نشيد ( الجامعة ) الذي لحنه رياض السنباطي وكتب كلماته أحمد رامي ،حيث يقول في مطلعه :
يا شباب النيل …. يا عماد الجيل هذه مصر تناديكم فلبوا
دعوة الداعي إلى القصد النبيل
وفي بداية الأربعينيات بعد إنتشار الدعوة إلى إنشاء الجامعة العربية غنت أم كلثوم أول قصيدة عروبية للشاعر محمد الأسمر بعنوان ( زهر الربيع العربي ) ومطلعها 🙁 زهر الربيع يرى أم سادة نجب …. وروضة أينعت أم حفلة عجب )
ثم انتهت الحرب العالمية الثانية ونهضت مصر تطالب بالجلاء عنها ،فلم تكن أم كلثوم تغني بشكل مباشر عن الأحداث السياسية فحسب ، بل كثيراً ما حملت أغانيها رسائل خفية تفهمها الجماهير ، وكان أشهرها بيت شوقي الذي غنته أم كلثوم من قصيدة ( سلوا قلبي ) :
وما نيل المطالب بالتمني ……. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
فقد دعمت القضية الوطنية ضد الإحتلال البريطاني من خلال أغانيها التي أشعلت الحماسة في نفوس الجماهير مثل : (مصر تتحدث عن نفسها ) و ( أنا الشعب ) وعقب قيام ثورة 1952 تحولت إلى الصوت الرسمي للدولة ، فغنت للثورة وقائدها جمال عبد الناصر في أعمال مثل (يا جمال يا مثال الوطنية) و (ثوار ثوار )
كما لعبت أم كلثوم دوراً مهماً في الدبلوماسية الثقافية المصرية ، حيث استخدمت صوتها بعد نكسة 1967 ، وانطلقت في جولة غنائية حول العالم العربي وأوروبا لجمع التبرعات لدعم المجهود الحربي ، وكانت حفلاتها دليلاً على قوة تأثيرها السياسي … حيث تجمع آلاف العرب للاستماع إليها وتحولت إلى تظاهرات وطنية لدعم مصر .
ولم يكن تأثير أم كلثوم مؤقتاً بل امتد عبر الأجيال حيث مازالت أغانيها الوطنية تتردد في المناسبات القومية ، ومازالت سيرتها تثير الإعجاب كرمز للقوة الناعمة المصرية ، لقد أثبتت أن الفن ليس مجرد أداة للترفيه بل هو سلاح يمكن أن يكون أكثر تأثيراً من الخطابات السياسية .
في الختام ، تبقى أم كلثوم أيقونة خالدة في عالم الموسيقى العربية بتأثيرها العميق على الأجيال المتعاقبة ، وأن تحفر اسمها في ذاكرة الفن والوجدان تاركة إرثٍ موسيقي لن يٌمحى ….
د/ نجوى إبراهيم