في ظل ما تمر به العملية التعليمية في مصر من تحديات، يُثير تجاهل السيد وزير التربية والتعليم المصري، محمد عبد اللطيف، لمخرجات الحوار الوطني استياءً واسعًا. فقد أوصى الحوار الوطني بإنشاء مجلس وطني للتعليم، بعد أن تم اقتراحه من قبل مؤسسة الرئاسة، ليتولى التخطيط الاستراتيجي لضمان جودة العملية التعليمية وتحقيق أهدافها، كما أُقر من قِبل مجلس النواب في أكتوبر الماضي، وتم التصديق على قرار إنشائه في ٥ ديسمبر الماضي.
رغم ذلك، أصر الوزير على اتخاذ قرارات جوهرية، مثل تعديل نظام الثانوية العامة، دون انتظار تشكيل هذا المجلس، مما يعكس غياب التنسيق المطلوب في قضايا التعليم المصيرية.
قرارات الوزير المثيرة للجدل
خلال اجتماع مجلس الوزراء يوم الأربعاء 8 يناير 2025، استعرض الوزير نظام شهادة “البكالوريا المصرية” كبديل للثانوية العامة، مشددًا على أن فلسفة هذا النظام ترتكز على تعزيز مهارات التفكير النقدي والتحليلي بدلاً من الحفظ والتلقين. ورغم أهمية تطوير التعليم، فإن اتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية بصورة فردية ودون إشراك الأطراف المعنية أو الاستناد إلى تخطيط استراتيجي يهدد استقرار النظام التعليمي.
هذه ليست المرة الأولى التي يتخذ فيها الوزير قرارات أثارت جدلاً واسعًا. من إلغاء مواد دراسية فجأة، إلى تعديلات متكررة على المناهج وطرق التقييم دون توفير البنية التحتية اللازمة، كلها أمور أربكت الطلاب وأولياء الأمور.
مأساة “نظام التحسين” وسوء التخطيط في الماضي
ولعل أكثر ما يُثير القلق هو عودة الوزارة لنهج القرارات الارتجالية الذي أثبت فشله في الماضي. ففي عام ١٩٩٤ وفي عهد الدكتور حسين كامل بهاء الدين، استحدثت الوزارة نظام “التحسين”، الذي كان يهدف إلى تخفيف الأعباء عن الطلاب وأولياء الأمور عبر إتاحة الفرصة لتحسين درجات بعض المواد. لكن هذا النظام ضاعف الضغوط النفسية والمادية على الجميع وأثبت فشله الذريع، ما دفع الوزارة إلى إلغائه بعد ثلاث سنوات، مكتفية بتثبيت نظام الثانوية العامة على عامين، ولاحقاً تم الاكتفاء بالصف الثالث الثانوي فقط في تنسيق الجامعات. الغريب أن الوزير نفسه اعترف، في ثلاث مقالات بجريدة الأهرام بعد خروجه من المنصب، بخطأ هذا القرار وقدم اعتذاره علنًا.
وقبل ذلك، في عهد الدكتور أحمد فتحي سرور، أُلغيت السنة السادسة من المرحلة الابتدائية، مما أحدث دفعة مزدوجة من خريجي المرحلة أثقلت كاهل المرافق التعليمية حتى تخرج هؤلاء الطلاب من الجامعة في مطلع الألفية الجديدة. هذا القرار، الذي اتُخذ بهدف تقليص عدد سنوات الدراسة، قوبل برفض دولي من عدة جهات تعتمد الشهادات المصرية، مما دفع الوزارة إلى التراجع عنه في عام 2005 بعد ضغوط شديدة.
أين الحل؟
إن استمرار اتخاذ قرارات جوهرية دون الاعتماد على تخطيط استراتيجي أو مشاركة مؤسسية حقيقية يُنذر بتكرار مآسي الماضي. الحل يكمن في الالتزام بمخرجات الحوار الوطني والإسراع في تشكيل المجلس الوطني للتعليم ليكون جهة متخصصة تُعنى بوضع سياسات تعليمية متكاملة ومستدامة.
التعليم ليس ساحة لتجارب فردية أو قرارات ارتجالية؛ إنه مستقبل أمة بأكملها، ويجب أن يكون مبنيًا على أسس علمية ومشاركة مجتمعية حقيقية.