موقع اخباري شامل صادر عن مؤسسة تحيا مصر

“المنتسبون كذباً للتصوف والسلف”

بقلم: د. محمد المنشاوي..

كثيرأ ما تتعرض المسميات والمصطلحات ، بقصد أو بدون ، الى التحريف والتشويه فتخرج عن مدلولها الحقيقي لترددها الألسنة والآلة الإعلامية على غير ما له صِلة بمعناها الأصيل .. من هذه المسميات “الصوفية ” و “السلفية” ..

فالتصوف يعني – من بين أشياء كثيرة – صفاء القلب من شوائب الأكدار ، ويقول أبو بكر الكتانى المتوفى سنة ٢٣٣ هجرية : التصوف خُلُق فمن زاد عليك فى الخُلُق زاد عليك فى الصفاء ، والمقصود بالخُلُق هنا هو التخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وتروى الرسالة القشيرية عن أبا محمد الجريرى المتوفى سنة ٣١١ هجرية عندما سئل عن التصوف فقال : هو الدخول فى كل خُلُق سنى والخروج من كل خُلُق دنى .. ويقول أبو حامد الغزالي: لقد إنكشف أثناء خلواتى وجلواتى مع ربى أمور وعلوم ومعارف لا يمكن إحصاؤها وإستقصاؤها لكن القدر الذى أستطيع أن أذكره ليُنتفع به هو أنى علمت أن الصوفية هم السالكون لطريق الله خاصةً ، وأن سيرتهم أحسن السير وطريقهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق..

“والمتصوف” غير ” الصوفى ” ، حيث تعنى الأولى الشخص الذي لا يزال يسير في الطريق الى الله تأدبًا وتعلمًا وقد لا يصل أبدًا الى مرتبة الصوفي ، أما الثانية فتعنى الولى الذى وصل بالفعل الى درجة الإحسان الذى يعنى أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ..

والتصوف ليس دينًا آخر أو عقيدة داخل العقيدة كما يتصور البعض خطأً أو جهلًا ، نتيجة الممارسات الخاطئة والمرفوضة من جانب المنتسبين كذبًا الى التصوف بل هو ببساطة هو السعى من مقام الإسلام الى مقام الإيمان وصولًا الى مقام الإحسان فى عبادة الله وعدم الإكتفاء بدرجتى الإسلام والإيمان..
غير أن ما نراه فى كثير من الأحيان ، أشخاص ينتسبون كذبًا الى التصوف ..

فالمنتسبون كذبًا الى التصوف من ذوى الملابس الرثة والأثمال البالية الذين يفترشون الأرصفة بالموالد مع ما يصاحبهم من ممارسات للتلوث السمعى والبصرى والشكلى ، قد أعطوا صورة خاطئة عن التصوف دفعت الناس الى ان تنفر منه ..

فالتصوف ليس حركات بهلوانية أو صيحات هستيرية أو ولائم للطعام أو تخاطف للمأكل والمشرب ، بل هو أدب وذِكر وعلم وتفقه وتدبر وتعلم وهدوء وسكينة ، كما ليس وجاهة شكلية وحُباً فى الظهور والتكالب على مكتسبات الحياة ..

هذا التكالب لم تسلم منه مجالس الطرق الصوفية نفسها من القائمين عليها سعيًا وراء المناصب وتحقيق المكاسب والزج ببعضهم الى ساحات القضاء ، وهو ما يتناقض مع روح التصوف الحقيقي..

فكلاهما ليسوا صوفية بل متصوفة يفتقرون الى خُلُق الصوفى الذى يستوى عنده ذهب الأرض بترابها ، إحتفظوا بالدنيا فى قلوبهم دون أيديهم فهم منتسبون كذبًا الى التصوف ، فأين هؤلاء من أكابر الصوفية أمثال محى الدين ابن عربى وابو حامد الغزالى وابو يزيد البسطامى والجنيد وابو مدين التلمسانى وغيرهم..ولذلك فهم متصوفة بلا تصوف ……

على الجانب الاخر ،. فإن السلفية الحقة من يدعون الى تبنى نهج السلف الصالح ، هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وتابع التابعين الذين عاشوا القرون الثلاثة الأولى للإسلام وأخذوا بأحكام الشريعة والسنة النبوية التى هى سماتها الوسطية والاعتدال “وكذلك جعلناكم أمةً وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا”(البقره ١٤٣) ..

فالوسطية هى الأساس فى الدين غير ان الحاصل فى هذا الزمان هو التطرف والمغالاة وتكفير الناس والتعدى عليهم ..

وليظهر علينا جيلٌ من دعاة السلفية يظنون أن الله لم يهدِ سواهم ..يتشيعون بأفكار عدائية تجاه المجتمع مسلمين وغير مسلمين ، لم يسلم من عدوانيتهم وتطرفهم أحدٌ ، ليصبح الامر على الجانب الأول “متصوفة بلا تصوف ” و”سلفيون بلا سلف” ، فكلاهما ينتسب كذبًا لمعسكره ….
——————-

التعليقات مغلقة.