مما لاشك فيه أن أحد أهم الأهداف الرئيسية التى تسعى المنظومة الثقافية فى مصر لتحقيقها هى ترسيخ القيم والمعتقدات الإيجابية لدى الأطفال والنشء والشباب وبناء شخصية وطنية ولعل أهم تلك القيم وأكثرها تاثيرا على مستقبل الوطن هى قيمة الانتماء وحب الوطن والذى يعرف بأنه السلوك المعبر عن امتثال الفرد للقيم الوطنية السائدة في مجتمعه ،كاعتزازه ببلده و بالرموز الوطنية واحترام القوانين السائدة والمحافظة على ثروات وطنه وممتلكاته وتشجيعه للمنتجات الوطنية والتمسك بالعادات والتقاليد والمشاركة في الأعمال التطوعية والمناسبات الوطنية والاستعداد للتضحية دفاعا عن وطنه.
وتعد المكتبات هي أحد أهم الروافد التي يستقى منها الفرد معلوماته وهى التي تساهم فى إكسابه خبرات ومهارات وقيم جديدة عن طريق مواقف تعليمية حقيقة ، وأن ممارسته لهذه الأنشطة تساعد فى تنشئته تنشئة اجتماعية صحيحة . إذا فيمكن القول أن المكتبة وأنشطتها الثقافية يمكن أن تكون الأرض الطيبة التي تغرس فيها بذور الشخصية الوطنية .
وقد لا يحتاج المرء لأكثر من وقفة قصيرة أمام مايحدث فى مجتمعنا العربى ليدرك مدى التناقض العجيب ما بين شخصين ينتميان إلى وطن واحد ، أحدهما يساهم فى البناء والعمران والتقدم والآخر يدعو إلى القتل والتدمير ويثير الرعب والفزع والاشمئزاز فى نفوس المجتمع ليدرك أهمية تلك المؤسسات التى يغفل عنها الكثير .
و المكتبات فى عصرنا الحالى من أهم المؤسسات التى لها دور فاعل وقوى فى بناء الشخصية الوطنية خلال دورها الكبير فى توفير المعلومات وتنظيمها وبثها إضافة إلى دورها الكبير فى نشر القيم الاجتماعية الإيجابية مثل الانتماء والتسامح والعدل ودورها فى التوعية بالقضايا المختلفة ومناقشتها واقتراح حلول لها ، فى ظل هذا الشغف غير المسبوق حول مستقبل مصر السياسى والاقتصادى والتعليمى وفى إطار نظام جديد من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية يمثل الانتماء الوطنى أحد دعائمه الأساسية.
وتعد المعارف التى تبثها المكتبات حجر الزاوية التى يكتمل به البناء ويستقيم وتتبلور به الشخصة الوطنية الناضجة حيث تزود الفرد بالمكون المعرفى الذى يحتوى على المعلومات التى تتعلق بشئون وطنه تتمثل فى التعريف ببلده عن قرب من خلال المعلومات الجغرافية والساحية والأثرية والثقافية والإعلام والرموز الوطنية لكل محافظة إضافة إلى معلومات عن الدستور وجهاز الحكم وسلطاته الثلاثة ووظيفة كل منها وعلاقة كل منها بالأخرى بالإضافة إلى معلومات تتعلق بحقوقه وواجباته وإلى الثقافة السياسة السليمة التى تمكنه من اتخاذ قرارات مناسبة وأيضا تساهم فى تزويده بمعلومات عن طبيعة المجتمع الذي ينتمي إليه وبمتطلباته ورموزه ومثله العليا ومعتقداته وطموحاته وأهدافه وآماله وعلاقته بالمجتمعات الأخرى فى ماضيه وحاضره، وإضافة إلى تزويده بمكون وجدانى يتمثل فى القيم الاجتماعية التي يؤمن بها المجتمع مثل الاحترام وتقدير رموز الوطن وقاداته والعاملين المخلصين من أبنائه،والتسامح مع الآخر والتعاون والثقة بالنفس والتحلى بالمسئولية والصدق فى القول والعمل وغيرها من القيم التي يجب أن تنعكس على سلوك الفرد وممارساته ويأتى المكون العلمى كأحد أهم الروافد التى تساهم فى بناء شخصة متزنة حيث يتلقى الفرد معلومات تتعلق بمهارات الاتصال والتواصل والتفاعل مع الآخرين والتعاون الذاتي والمشاركة فى شئون الحياة العامة ومهارات التفكير الناقد واتخاذ القرارات وحل المشكلات والتعلم الذاتى والنمو المستمر ومهارات التعامل مع التكنولوجيا الحديثة فى عصر السماوات المفتوحة ووسائل الاتصال اللامحدودة وتدريبه على قدرات الفحص الدقيق للمعلومات ومهارات التحقق وتجنب الشائعات ودحضها .
تشكل المكتبة ركنًا أساسيًا من أركان الحياة الاجتماعية وبناءً أساسيًا من أبنية المجتمع وأعمدته , أوجدها لتقوم بتربية أبنائه وتنشئتهم ، ووظيفتها تنشئة جيل من المواطنين الصالحين على الأسس التى رسمها المجتمع فهى الأداة والآلة والمكان الذى بواسطته ينتقل الفرد من حياة التمركز حول الذات إلى حياة التمركز حول المجتمع، وتأتى المكتبات على اختلاف أشكالها وأنواعها لتنمى عادات القراءة عند الشباب والأطفال فى اكتساب المعلومات والحكمة والخبرة وزيادة الثروة اللغوية , كما أنها تساهم بشكل فعال فى تلقين العادات الاجتماعية الصالحة كضبط النفس والاعتماد عليها والتعاون واحترام حقوق وملكيات الغير والاستفادة من أداء الآخرين , إضافة إلى تشجيع وتنمية روح البحث والتفكير العلميين وتقوية القدرة على المشاهدة والتأمل وتمكنهم من الاضطلاع بدورهم فى بناء الحياة الاجتماعية وتوجيهم توجيها سليما وتنمية قدرتهم على التمييز بين الحق والباطل كذلك خلق مناخ يساهم فى حرية الإبداع .
تنظر بعض الثقافات والنظم للمواطن الصالح أو صاحب الشخصية الوطنية على أنه الذي يدفع الضرائب ويلتزم بالقوانين، وينظر البعض الآخر على أنه الذي يدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وينظر البعض الثالث على أنه الذي يؤمن بحقوق الآخرين ممن يشاركونه نفس البقعة الجغرافية – في الحياة والاعتقاد والعمل والحرية والكرامة، ويسعى جاهدا للعيش المشترك والتعاون البنّاء لما فيه خير البلاد والعباد، ويعد المفهوم الأخير هو ما يسعى الكثيرون للترويج له عبر وسائل الاتصال المختلفة.
ويدعي البعض حق امتلاك صكوك الوطنية – دون أن يؤثر عنه مساهمته في خدمة الوطن جليلة أو حقيرة– ويقف في برجه العاجي موزعا لهذه الصكوك على من يراه مستحقا ويحرم منها من لا يراه أهلا لها، والسؤال الذي يلح بقوة على الأذهان إذا كنتم ترون أن المواطنة هي سفينة النجاة التي ينبغي أن يستقلها أبناء الوطن الواحد حتى لا تبتلعهم أعاصير الفرقة وأمواج الكراهية فكيف نبنى الشخصية الوطنية ؟
أول خطوة في بناء الشخصية الوطنية هو تنمية ارتباط الفرد الفطري بالأرض فالإنسان بفطرته يحب الأماكن التي خطى عليها خطواته الأولى في الحياة ويظل يهفو إليها ما بقي في صدره نفس يتردد , بل إن بعض بني آدم يعتبر مجرد عودتهم لموطنهم أعظم ألوان العلاج من الأمراض النفسية والعضوية، هذه العلاقة الوطيدة بين الإنسان وموطنه ينبغي ألا ترتبط بمقدار ما يقدمه الوطن لأبنائه فإذا سخى عليهم أحبوه وإذا شحت موارده أو سلك مسار الإصلاح الاقتصادي تبدل الحب إلى كره أو تململ في أحسن الأحوال.
وحتى تسير سفينة الوطن وتصل إلى بر الأمان لابد من تعاون أفرادها سويا هذا التعاون يتمثل ابتداءً في تقسيم المهام بين ركابها فهذا ربان وهذا بحار وهذا يراقب ولا بد من التناصح والشورى في اتخاذ القرار والمواطن الصالح هو الذي يعلم أين يحتاجه الوطن فيسارع لتلبية النداء ولا يمكن ليد واحدة أن تبني الوطن وتحافظ عليه.
المواطن الصالح هو الذي يقدم مساهمته بالفكر أو بالجهد أو بالمال في كل ما ينفع الوطن هو الذي يعتبر نفسه منافحا عن هذا الوطن ضد أعدائه المتربصين به، هو الذي يحمل هم وطنه سواء عاش في داخله أو بعيدا عنه فقد رأيت أفرادا يعملون لأوطانهم كشركات دعاية متنقلة يرغّبون من يرونه أهلا للاستثمار في بلدانهم يوضحون حقيقة ما يحدث في أوطانهم يعملون كوزارات للخارجية بل أفضل لأنهم مقيدون فقط بحب الوطن.
المواطن الصالح هو الذي يسعى لتنمية ذاته خلقيا وعلميا ونفسيا لأن في قوته قوة لوطنه وفي سعادته سعادة لوطنه والعكس صحيح، صاحب الشخصية الوطنية هو الذي يرى نفسه جزءًا من منظومة العدالة الاجتماعية والقانونية فالقانون الصارم والتطبيق الناجز لا يغنيان عن وجود من يرضى بهما ولا ينتهكهما وإن تمكن من ذلك بالحيلة أو بالقوة .
المواطن الصالح هو الذي يشعر أنه يأخذ من الوطن ويعطيه بالعدل والحق، والأخذ والعطاء متبادل ويسير في الاتجاهين من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته.
تقاس المواطنة الصالحة بمقدار ما يسهم أهلها مع المختلفين معهم فكريا أو عقائديا في بناء الوطن واستثمار ثرواته وصيانة حقوق أبنائه وحماية أرضه من العدوان وفي ذلك بقاء الجميع وفي غيابه ذهاب الجميع
وتأتى أهمية المكتبة العامة فى ذلك الوقت الذى نلمس فيه بشكل جلى ضعفًا واضحًا فى التنشئة الاجتماعية لأفراد المجتمع كذلك خللًا واضحًا فى المؤسسات المعنية والمسئولة عن هذه التنشئة حيث أفرز هذا الخلل سلوكيات أضرت بالوطن وأهله .
وتأسيسا على ماتقدم فإن الحاجة تدعونا أكثر من أى وقت مضى أن نضع الأصبع على الجرح وأن نعمل على معالجته والتئامه حتى لا يستفحل ويخرج عن السيطرة والتحكم , لذا فإن المسئولية الأخلاقية والوطنية تلزم جميع الجهات الحكومية والأهلية أن تعى وتدرك بحس المسئول المسئولية الملقاة على عاتقها والمتمثلة فى تحصين أفراد المجتمع وخصوصا الأطفال والطلاب بمختلف شرائحهم العمرية والاجتماعية وانحداراتهم الطبقية لوقايتهم من الوقوع فريسة لأفكار تدعو إلى العنف والتطرف والإرهاب .
التعليقات مغلقة.