موقع اخباري شامل صادر عن مؤسسة تحيا مصر

الشيخ محمد عبد المؤمن الجندي يكتب .. الدعوة إلي الله وفن إدارة الأزمات

الدعوة إلى الله فريضة عظيمة من الفرائض التي خص بها الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وجعلها من بعدهم مهمة ورسالة التابعين وتابعي التابعين آخذين بمنهج الله الذي أمرهم الله أن يبلغوه إلى الإنسانية في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة تحقيقاً لقول الله: (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي  وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). ( سورة يوسف الآية 108)

كما أن الدعوة إلى الله تعالى تمثل الخيرية التي وصف الله تعالى بها الأمة المسلمة في قول الله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ).( سورة آل عمران الآية 111)

ونظراً لأنه قد تحقق في هذا العصر الحديث الكثير من المعطيات الحضارية المتطورة في مختلف المجالات والميادين  وخصوصاً في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؛ لذا فإن الدعاة إلى الله تعالى مطالبون بالتفاعل الإيجابي مع المستجدات المعاصرة والتي يمكن تسخيرها في مجال الدعوة الإسلامية. فبظهور وسائل التكنولوجيا الحديثة المتمثلة في المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي و تطبيقات الهواتف المحمولة و غيرها من الوسائل ما كان منها إلا أنها غيرت وجه العالم على كافة المستويات و مختلف الأعمار و الثقافات , و أضحى العالم كله قرية صغيرة مفتحة الجوانب , بل تخطت تلك الوسائل حيز الزمان و المكان ,كل هذا في ظل الأجواء غير المليئة بالأزمات , أما في ظل أزمة فيروس كورونا الذي اجتاح العالم من مشرقه إلى مغربه فقد ظهرت قيمة و قامة تكنولوجيا المعلومات المتمثلة في المواقع ووسائل التواصل الإجتماعي و ما ينبثق منها من Facebook, و twitter , YouTube, إنستجرام ،كذلك تطبيقات الهواتف المحمولة الذكية من تحميل برامج كالواتس أب و الذي من خلاله يتم تبادل المعلومات و الملفات، و تُعد الهواتف المحمولة مصادر معلومات متنقلة، و مركز بث دعوي يزلل و يسهل للإمام و الخطيب الكثير و الكثير من وصول دعوته إلى جمهور المتلقين . فمن خلال جائحة فيروس كورونا أُثبت عجز و ضعف وسائل الدعوة التقليدية الأصيلة ،على رأسها المسجد , و المنتديات و المحافل , و المؤتمرات ،لأن وباء Covid19  (كوفيد 19 ) حال بين القيادات الدعوية من الأئمة و الخطباء و بين جمهور المدعوين ووقف الوباء حجر عثر في طريق الدعوة و الدعاة من إقامة الشعائر و التواصل مع الناس في فتاويهم و قضايهم المجتمعية و الأسرية , و لاح لكل الأطياف جفاف منابع الاتصال الدعوي و في مقدمتها المساجد التي أغلقت أبوابها في وجه الوباء المميت .

لذا كان لزامًا على المؤسسات الدعوية , و حقًا و فرضًا أصيلًا على الأئمة و الخطباء أن يبحثوا عن وسائل بديلة للدعوة و عن منبرًا بديل يملأ الدنيا ضياءا وسناءا ، حتى لا يزداد الناس بُعدًا و إبتعادًا عن ساحة الدعوة الإسلامية مع إزدياد الأعباء و المشاكل المعيشية و المجتمعية .

فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه و سلم استخدم الوسائل التعليمية الغير مألوفة لدى العرب آنذاك من استخدام اليد والإشارة بها إلى الصدر والقلب أو الفم، وتحريك الرأس إلى أعلى أو إلى أسفل، واستخدام الرسم على الأرض بعود أو بإصبعه الشريف فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: خط النبي صلى الله عليه و سلم خطاً مربعاً، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به – أو: قد أحاط به – وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأ هذا نهشه هذا، وإن أخطأ هذا نهشه هذا.(صحيح البخاري)

قال الإمام بن حجر: (وفي الحديث إشارة إلى الحض على قصر الأمل والاستعداد لبغتة الأجل، وعبر بالنهش وهو لدغ ذات السم مبالغة في الإصابة والإهلاك).

من خلال الحديث السابق يتضح لنا كيف استخدم النبي صلى الله عليه و سلم الوسائل الاسترشادية من الرسم، والإشارة، وتحريك الرأس والصدر وغيرها، وفي هذا دلالة على أن الرسول صلى الله عليه و سلم  كان له قصب السبق في استعمال وسائل غير معتادة عند العرب؛ ليكون لها الأثر البالغ في الدعوة إلى الله تعالى، وصدق الله إذ أثنى على حبيبه صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ  وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا). (النساء الآية 113 )

ولن تكون هناك نهضة دعوية مواكبة لعصر التحديات  و أهل التخصص من الدعاة عندهم روح الجمود و الإنغلاق ,لا يأخذون بالإمكانات والوسائل المتطورة في توصيل الدعوة .و توظيف المعرفة التكنولوجية المكتسبة في مجال الدعوة وإدراك قيمة التكنولوجيا الحديثة .

و لا يتثنى ذلك إلا بتوفير مناخ رقمي يقوم من خلاله الدعاة و الخطباء بممارسة مهامهم ، فبدلًا من أن يغلق المسجد و تعطل شعائره إعتمادًا على الجماهير ، و هذا ما ظهر في ظل هذه الأزمة . فبإستخدام التعليم عن بُعد المتمثل في أدوات التكنولوجيا من بث فيديو مباشر للإمام من خلال المسجد ، و توفير شبكة  إنترنت مركزية تابعة للمسجد ، فضلًا عن إنشاء صفحة تواصل إجتماعي للمسجد ،و موقع خاص به على www.))،يكون له الأثر البالغ في التواصل مع الناس في مشارق الأرض و مغاربها دون تعب أو جهد، و في نفس الوقت لا يترك الداعية ميدان الدعوة، و لا يصاب المدعوون بفتور و يأس .

و الله الموفق

التعليقات مغلقة.