قصة قصيرة بقلم_ ياسر عامر
استفاقت على صوتٍ غريبٍ، بدا وكأنها قد خرجت للتو من كابوسٍ طويل، لكن مع كل ثانية كانت تمضي، كان يزداد اليقين في قلبها أنها لم تكن في حلم. كل شيء حولها بدأ يتخذ أبعادًا أكثر غرابة ورعبًا. عينيها كانت غارقة في الظلام المحيط بها، بينما الأضواء الوامضة التي كانت تنبعث من الزوايا كانت تكشف عن ظلالٍ غير واضحة تمامًا، تتمايل وكأنها تتراقص على نغمةٍ من نوعٍ لا يفهمه عقلها البشري.
بيدين مرتجفتين، نظرت إلى بطنها، حيث كان الألم يزداد، وكانت الهمسات الغريبة تتسرب إلى أذنيها. أصوات لا تنتمي إلى عالمها، أصوات كائنات غير بشرية، تتسرب في أجواء الغرفة، وكأن شيئًا ما كان ينهش في قلب الزمان والمكان. كانت الرياح تزداد قوة، وأصوات العواصف التي تملأ الفضاء جعلت جسدها يرتجف من الخوف.
وعلى الرغم من محاولاتها الفاشلة لإبعاد هذا المولود عن عقلها، بدأ الشعور بتسارعٍ غير طبيعي. بدأ الجنين ينمو بشكلٍ غير عادي، وكأن جسده قد أُلهم بقوى خارج هذا العالم. وكلما ازداد نموه، كلما زادت عيناها اتساعًا في فزعٍ غير مسبوق. كان الصوت يزداد في داخلها، شيءٍ لم يُسمع من قبل، وكأنها تحاول استعادة سيطرتها على جسدها، ولكن هيهات. كانت النار التي بدأت تشعر بها في أعماقها تتصاعد شيئًا فشيئًا، حتى أنها أصبحت تعتقد أن جسدها بالكامل قد أصبح جزءًا من هذا الكائن.
ثم جاء الصوت، ذلك الصوت الذي سُمع لأول مرة في تلك اللحظة الحاسمة. كان الصوت غير بشري، يخرق الصمت ويغزو المساحة بكل قسوة. ووسط كل هذا، شعرت بشيء يخرج منها، شيء غريب وغير طبيعي، وكأن شيئًا آخر كان ينمو داخلها.
فجأة، انفجر الهواء في الغرفة، وكأن انفجارًا غير مرئي قد هز كل شيء حولها. على الرغم من الزمان والمكان اللذين تبدلا إلى شيء غريب ومشوه، كانت الآن على يقينٍ تام: المولود الذي كان ينمو داخلها لم يكن بشريًا. بل كان شيئًا آخر تمامًا.
خرج الكائن من داخلها، ووقف أمامها، ممسكًا بأعلى صدره كما لو أنه يشير إليها. لكنه لم يكن إنسانًا، بل كان مخلوقًا لا يمكن تصنيفه. جسده مشوه، لم يكن كائنًا حيًا، بل كان مزيجًا من الكوابيس والظلال. رأسه كان أكبر من الحجم الطبيعي، وعيناه حمراء ومتوهجة. كانت أطرافه طويلة، وغير متناسقة مع الجسد، وكأنها قد امتدت من الأبعاد الأخرى التي لا يستطيع البشر أن يتخيلوها. كان يحمل في عينيه شيئًا لا يمكن تحديده، نظرة غامضة، لا تعرف إن كانت سخطًا أو غضبًا.
وفي تلك اللحظة، كان كل شيء حولها يتغير بشكلٍ متسارع. الظلال كانت تزداد كثافة، والأضواء كانت تومض بشكلٍ غير طبيعي، وكأنها كانت تحاول إخفاء الحقيقة أو الهروب منها. أما عن المولود، فقد كان يزداد تطورًا بشكلٍ مريع. بدت ملامحه تتغير في كل لحظة، وكأن الزمن كان يلعب به. وكلما كان ينمو، كان يكتسب قوةً غير بشرية، حتى أن الأنفاس في الغرفة كانت تتسارع وكأن الكون نفسه كان يتنفس مع هذا المخلوق.
وبينما كانت تتنفس بصعوبة، بدأ الإعلام يهاجم المكان بشكلٍ غير مسبوق. الكاميرات تسلط الأضواء على هذا المولود المشوه، وتتناقل القصص عن “المعجزة” التي حدثت في تلك اللحظة الحاسمة. الصور ومقاطع الفيديو التي التقطها الصحفيون كانت تنتشر بسرعة عبر الشبكات الاجتماعية، وكل لحظة كان الناس يتحدثون عن “المولود الأسطوري”. أصبحت أخبار المولود الشبح حديث الساعة، وكلما كان يظهر في وسائل الإعلام، كان يأخذ مكانةً في قلوب الناس، وكأنهم كانوا يعتقدون أن هذا المخلوق هو بداية عصرٍ جديد.
ولكن خلف الأضواء، كان هناك شيءٌ مظلم، لا يمكن الهروب منه. كان المولود يبدو أكثر شرًا يوما بعد يوم. كانت الأضواء الساطعة تعكس جزءًا من تلك الفتنة، لكن الحقيقة كانت تتكشف بشكلٍ أبطأ وأكثر رعبًا. كان الجميع يعتقدون أنه معجزة، لكن لا أحد يعلم أن هذا المولود لم يكن سوى فتنة عميقة، صادرة عن بعد آخر.
وفي النهاية، بين العواصف الإعلامية والأضواء الساطعة، ظهر المولود مرة أخرى، يلتقط الأنفاس في مكانٍ مظلم تمامًا، محاطًا بسكونٍ رهيب، تاركًا في القلب فراغًا لا يمكن ملؤه. كانت وسائل الإعلام قد وضعت أسطورة جديدة في بؤرة الضوء، لكن المخلوق كان يبتسم ابتسامة عميقة، لا يراها أحد. كانت ابتسامته تلك كفيلةً بأن تجعل كل ما حوله يغرق في الظلام، ويدفع الجميع نحو نهاية غير معروفة.
انتهي الجزء الرابع .. انتظروا الجزء الخامس