لقد فرض الله تعالى فرائض وكتب علينا العبادات لأدائها فجعل الله سبحانه وتعالى جزءًا من هذه العبادات لا يسقط أبدًا، ومنها ما يجب على المستطيع ماليًا، ومنها ما يجب على المستطيع بدنيًا، ومنها ما ينبغي أن تتوفر فيه كافة الاستطاعات المالية والبدنية، فالصلاة لا تسقط عن المؤمن أبدًا بأي حال من الأحوال، إلا عن المرأة الحائض أو النفساء، فمن لم يستطع الصلاة واقفًا صلى قاعدًا، ومن لم يستطع صلى على جنبه أو ظهره، أو بعينه، إلى أن يصل الأمر إلى الصلاة بالقلب، فهي فريضة لا تسقط أبدًا، لقوله تعالى “إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا”، ومنها ما يحتاج إلى القدرة البدنية كالصيام، حيث يرخص للمريض والمسافر أن يفطرا، إلى أن يزول السبب، ثم يقضيا بعد ذلك، وكذلك الزكاة التى أوجبها الله سبحانه وتعالى على الأغنياء دون الفقراء، كل هذه العبادات التى ذكرناها والتى جمعها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أركان الإسلام، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان )، فلقد جعل الله الحج لا يجب إلأى على المستطيع، كما في قوله تعالى، “ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا”، فهنا من أراد أن يحج ينبغى أن تتيسر له الاستطاعة المالية والبدنية، وكذلك أمن الطريق، وحيث إن العالم يعاني الآن من تبعات وباء “كورونا” والذي جعل، بلاد النسك، لا تستقبل الحجيج، حتى لا تنتشر العدوى، فإن الشارع الحكيم قد حدد لنا أمورًا، في أعمال الخيرات يستطيع المسلم أن يقوم بها، في بيته فينال الثواب العظيم والجزاء الأوفى.
فمن هذه العبادات والنوافل التي يستطيع المسلم أن يتقرب بها إلى الله خاصة ونحن في موسم من مواسم الخيرات، وهي أيام النفحات كما قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا”، فالتعرض لهذه النفحات يكون بإكثار الطاعات والمسارعة إلى الخيرات، واغتنام الأيام الفاضلة، كالدعاء يوم عرفة، وليلة القدر، وفي الثلث الأخير من الليل، وساعة يوم الجمعة، والدعاء حال السفر وفي مواضع السجود، وكذلك صلاة الجماعة وخاصة صلاة الفجر، ثم الانتظار ذاكرًا حتى تشرق الشمس ثم صلاة الضحى فيكون لهما بهما أجر كبير لقول المصطفى ﷺ: من جلس يذكر الله بعد الفجر حتى تشرق الشمس؛ فيصلي لله ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بأمر من أمور الدنيا إلا كتب الله له أجر حجة وعمرة تامتين تامتين تامتين”.
كذلك السعي على الأرامل والمساكين، وقضاء حاجاتهم، وجبر خاطرهم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله”، فعلى الجميع أن يعلم أن الاهتمام بقضاء حاجات المحتاجين والسعي على الفقراء والمساكين له ثواب كبير وفضل عظيم، وهو خير من تكرار الحج، ولعل البعض يعرف قصة عبدالله بن المبارك عندما خرج حاجًا ورأى المرأة الفقيرة حيث كان عبدالله بن المبارك – رضي الله عنه – يحج عاماً ويغزو في سبيل الله عاماً آخر، وفي العام الذي أراد فيه الحج.. خرج ليلة ليودع أصحابه قبل سفره.. وفي الطريق وجد منظراً ارتعدت له أوصاله. واهتزت له أعصابه!!.
وجد سيدة في الظلام تنحني على كومة أوساخ وتلتقط منها دجاجة ميتة.. تضعها تحت ذراعها.. وتنطلق في الخفاء.. فنادى عليها وقال لها: ماذا تفعلين يا أمة الله؟
فقالت له: يا عبد الله – اترك الخلق للخالق فلله تعالى في خلقه شؤون، فقال لها ابن المبارك: ناشدتك الله أن تخبريني بأمرك.. فقالت المرأة له: أما وقد أقسمت عليّ بالله.. فلأخبرنَّك:
فأجابته دموعها قبل كلماتها : إن الله قد أحل لنا الميتة..أنا أرملة فقيرة وأم لأربع بنات غيب راعيهم الموت واشتدت بنا الحال ونفد مني المال وطرقت أبواب الناس فلم أجد للناس قلوبا رحيمة فخرجت ألتمس عشاء لبناتي اللاتي أحرق لهيب الجوع أكبادهن فرزقني الله هذه الميتة .. أفمجادلني أنت فيها؟
وهنا تفيض عينا ابن المبارك من الدمع وقال لها: خذي هذه الأمانة وأعطاها المال كله الذي كان ينوي به الحج.. وأخذتها أم اليتامى، ورجعت شاكرة إلى بناتها. وعاد ابن المبارك إلى بيته، وخرج الحجاج من بلده فأدوا فريضة الحج، ثم عادوا، وكلهم شكر لعبد الله ابن المبارك على الخدمات التي قدمها لهم في الحج.
يقولون: رحمك الله يا ابن المبارك ما جلسنا مجلسا إلا أعطيتنا مما أعطاك الله من العلم ولا رأينا خيرا منك في تعبدك لربك في الحج هذا العام
فعجب ابن المبارك من قولهم، واحتار في أمره وأمرهم، فهو لم يفارق البلد، ولكنه لايريد أن يفصح عن سره .
وفي المنام يرى رجلا يشرق النور من وجهه يقول له: السلام عليك يا عبدالله ألست تدري من أنا؟ أنا محمد رسول الله أنا حبيبك في الدنيا وشفيعك في الآخرة جزاك الله عن أمتي خيرا
يا عبد الله بن المبارك، لقد أكرمك الله كما أكرمت أم اليتامى.. وسترك كما سترت اليتامى، إن الله – سبحانه وتعالى – خلق ملكاً على صورتك.. كان ينتقل مع أهل بلدتك في مناسك الحج.. وإن الله تعالى كتب لكل حاج ثواب حجة وكتب لك أنت ثواب سبعين حجة.
ذلك أن بن المبارك شعر بهذه المرأة فوجد أنه من الأفضل أن يطعمها وبناتها ويعفهن عن السؤال خير من تكرار الحج.
الأعمال والطاعات كثيرة، تستطيع أن تنال بها أجرًا كأجر الحاج، ولكن عليك بالهمة وإصلاح النية، وتجديد العهد مع الله تعالي، والقيام بالعبادات على وجهها الأتم الأكمل.. فالباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملًا.. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.. وكل عام أنتم بخير
التعليقات مغلقة.