موقع اخباري شامل صادر عن مؤسسة تحيا مصر

الجامعة العربية بين وحدة الطموح ودعاوي الانفصال

0

كتب: حسين أبو النصر

في 22 مارس 1945، خرج إلى النور كيان عربي جامع يُفترض أن يكون مظلة للتعاون والتنسيق بين الدول العربية، تحت اسم “جامعة الدول العربية”، وذلك عقب الحرب العالمية الثانية، في لحظة كانت المنطقة تفتقر إلى صوت موحَّد وموقف جامع.

 

سبع دول كانت البداية: مصر، السعودية، العراق، سوريا، لبنان، الأردن، واليمن. ووقع الاختيار على القاهرة مقرًا دائمًا، باعتبارها القلب النابض للمنطقة، سياسيًا وثقافيًا وتاريخيًا.

 

جاء الميثاق حافلًا بالمبادئ النبيلة: التعاون، التضامن، الدفاع المشترك، والتكامل الاقتصادي والاجتماعي. لكن سرعان ما بدأت التحديات تظهر في بنية الجامعة نفسها، وأبرزها المادة السابعة من الميثاق، التي تُفرغ الكثير من قرارات الجامعة من مضمونها، إذ تنص على أن:

 

“ما يقرره مجلس الجامعة بالأكثرية يكون ملزما لمن يقبله، أما الذين لم يقبلوه فلا يلزمهم. أما المسائل الخاصة، فلابد من إجماع الدول الأعضاء.”

 

بهذا النص، أُعطي للدول حق “الانتقاء”، وأُضعف القرار الجماعي، ما أدى إلى أزمات متكررة، اتخذت شكل مقاطعات وانسحابات، وطرحت تساؤلات دائمة حول مدى جدوى الجامعة.

 

وقد عصفت بالجامعة عدة أزمات أبرزها:

 

مصر (1979):

بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، جُمدت عضوية مصر، ونُقل المقر إلى تونس، واستمرت القطيعة عقدًا كاملًا حتى 1989.

 

العراق (1990):

إثر غزو الكويت، دخلت الجامعة في انقسام حاد، وتوقف التعاون مع بغداد، حتى أعيد دمجها تدريجيًا بعد سقوط النظام في 2003.

 

سوريا (2011):

عقب قمع الثورة، تم تجميد عضويتها، واستمر الغياب حتى عودتها التدريجية في 2023.

 

قطر (2017):

انقسم الصف الخليجي، وقطعت 4 دول علاقاتها مع الدوحة، قبل طيّ الأزمة في قمة العلا 2021.

 

في كل حالة، كانت القرارات فردية لا مؤسسية، وغياب آلية ملزمة أضعف مكانة الجامعة، وجعلها أحيانًا أشبه بمنصة للبيانات السياسية، لا الفعل الجماعي.

 

في خضم هذه الأزمات، تعالت مؤخرًا أصوات تطالب بنقل مقر الجامعة من القاهرة إلى الرياض، ملوّحة بما أسمته “هيمنة مصرية” على المنظمة، خاصة وأن 8 من 9 أمناء عامين كانوا مصريين.

 

بالمقابل، ظهرت دعوات أكثر حدة، تطالب مصر نفسها بالانسحاب من الجامعة، احتجاجًا على ما تحمّلته من تبعات عسكرية واقتصادية بسبب التزاماتها القومية عبر العقود.

 

لكن هذه الأصوات تغفل الحقيقة الأهم: الجامعة ليست مصر وحدها، ولا يمكن أن تكون فعالة بدون مصر، كما أن تفكيكها أو إضعافها يخدم فقط مشاريع التقسيم وإشعال النزاعات.

 

نعم، الجامعة العربية ليست في أفضل حالاتها، وتحتاج إلى إصلاح جذري في الميثاق وآليات اتخاذ القرار.

لكن دعوات الانفصال والتفكيك ليست هي الحل، بل هي تهديد خطير للوحدة المتبقية، في وقت تتآكل فيه دول، وتتمزق فيه مجتمعات، وتتربص بنا قوى إقليمية وعالمية لا تخفى أطماعها.

 

فهل تنجح هذه الدعوات في خلق شرخ جديد؟

أم تنتصر العقلانية والوحدة في مواجهة فوضى الانقسام؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.