نظرة واحدة على الجغرافيا الأردنية تكفي لنفهم أن هذه الدولة التي تملك حدوداً برية طويلة مع فلسطين التاريخية من جهة، ومن جهة ثانية مع العراق وسوريا وهضبة الجولان المحتلة، ومن جهة ثالثة مع المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى الحدود البحرية مع جمهورية مصر العربية إنما تقع في قلب الصراعات والتقلبات الشرق-أوسطية، وهي بهذا وجدت نفسها منذ البداية أمام خيارين لا ثالث لهما، إما قيادة عبقرية واستقرار، أو فوضى عارمة لا يمكن احتواؤها، وبفضل الله كان النموذج الأول هو ما قدر لهذا البلد ليكون بفضل قيادته الحكيمة وثقافة?شعبه الوطنية واحة أمان وسط النيران، لتتشكل دولة برغم صغر مساحتها وتنوع ديموغرافيتها ومحدودية مواردها إلا أنها عملاق الجيوسياسة الشرق-أوسطية الذي فرض نفسه لاعبا أساسيا لا يمكن الاستغناء عنه أو تهميش دوره في تشكيل الملامح السياسية للمنطقة وقيادة الدور القومي تجاه القضية الفلسطينية، ولطالما حظي الأردن بدعم قومي من أشقائه العرب باعتباره واجهة الصراع العربي-الإسرائيلي الرئيسية، وإن كل محاولة لتهميش دور الأردن المحوري في مسيرة القضية الفلسطينية وبحكم موقعه الجغرافي والديمغرافي وتاريخه السياسي لن يفضي لحل شامل ود?ئم بل إلى المزيد من إضاعة الوقت واختبار مالا يختبر..
تماسك الجبهة الداخلية بالتحديد كان هو دائما الرهان الرئيسي الذي يراهن عليه الأردن، وكان هو دائما الرهان الرئيسي الذي يراهن عليه أعداء الأردن كذلك، ولقد كان وعي المواطن الأردني وثقافته الوطنية واتزانه وإخلاصه وانتمائه لتراب الوطن وقضايا الأمة كفيلا بإحباط كل المؤامرات التي حيكت وتحاك ضده، فهذا البلد الذي برغم فقره كريم، وبرغم اضطراب محيطه أمين، وبرغم صغر حجمه وموارده حصين، أثبت لنا عبر التاريخ أنه جدير بثقتنا المطلقة قيادة وسياسة ومنعة وقوة.
بين مطرقة وسندان القوى العالمية العظمى والقوى السياسية الشرق-أوسطية والعربية، وعلى امتداد النصف الثاني من القرن العشرين اكتسبت السياسة الخارجية الأردنية اتزانا ومرونة لولاهما لما كان الأردن كما نعرفه الآن، واكتسبت الأجهزة الأمنية المختلفة والجيش العربي خبرة كبيرة ومستوى عال من الاعداد والتنظيم لا يمكن اكتسابها إلا في هكذا ظروف صعبة، وكل هذا لم يكن ليتأتى لولا قيادة عبقرية وشعب واعٍ، والله نسأل أن يحفظ الأردن وأهله شامخا منيعا، وأن يحقن دماء اخوتنا في غزة العزة، وأن يحفظ أمتنا من كل شر.
التعليقات مغلقة.