د.نورهان سليمان
بالصور: بشاير الخير
الصدفة وحدها من دفعت بى دفعا إلى هذا المكان الموحش ،فعندما تذكر سيرتة حتى يفر الجميع ويتنصل من قاطنية وأصدقائهم ومعارفهم وكل من يمت لهم بصلة، غيط العنب أيقونة العشوائية ومخبأ الإجرام والبلطجة، لكنى وعلى مضض خضت التجربة التى توقعت مرارتها قبل المذاق.
هالتنى المفاجئة وحسبتنى ضللت وفقدت معالم الطريق داخل إحدى المدن الجديدة ذات التخطيط العمرانى الحديث الراقى، لكنى لن أهدر اوقاتكم بالحديث عن الطريق والمبانى والملاعب والنظافة والنقلة الحضارية والإنسانية، لكن المعجزة الأهم من وجهتى هى مضخة العمل ودينامو التطوير البشرى
المسمى مركز التدريب والتشغيل المهنى داخل منطقة بشاير الخير وهو اسم على مسماه ومبتغاه.
فالتدريب المهني هو بناء القدرات وتطويرها في مجال الأعمال التطبيقية والحرفية. وعادة ما يستفيد من هذا التدريب وتلك الأعمال ، الاشخاص اللذين لم يتمكنوا من الحصول على شهادات دراسية او على مهنة في مجال تخصصهم.
وهذا المفهوم فى رأى قاصر ومجحف فالتدريب المهنى ثقافة حياتية لابد أن يعييها المجتمع بأكمله ، فهو البنية التحتية للظروف المعيشية، وهو كتالوج للتعايش السلمي مع تكنولوجيات الحياة اليومية، فكثير من الحرف التطبيقية التى نتمنى لو أن لنا بها خبرة، فعندما تواجهنا أقل المشكلات داخل البيوت والمطابخ والحمامات وتوقف سياراتنا على الطريق، وغيرها من الهفوات التى قد نعبرها بأمان تام لو أن لنا بها أدنى فكرة ودراية، وقد تصبح كارثة كبرى وربما تتفاقم للاسوء مع جهلنا بالتعامل الاولى معها.
لن أسعى للمبالغة إذ تمنيت أن يكون لنا منهج تعليمى مهنى أساسى يدرس على مدار المسيرة التعليمية كمادة اساسية لجميع المدارس الأميرية والخاصة واللغات، بل والتعليم الجامعى، ليكون التعلم المهنى لغة حياة وثقافة تعامل، يعكس السلوك الإيجابي في معالجة المشكلات التقنية التى تجابهنا ، ولا يقتصر على التعليم الفنى التخصصي ، مما يرفع الوعى بأهمية الاتجاه نحو التعليم المهنى الذى هو المستقبل للدول التى تسعى للتنمية والتطور، بجانب مايحققة من موارد اقتصادية تعود على الدولة والفرد بالرخاء.
لذا تنفست الصعداء، وانفرجت اساريرى طربا وفرحا بينما أسعى بين الطرقات ،الغرفات والورش داخل الصرح المهنى الأوروبي فى مظهرة ونظافتة,, بشاير الخير ، نعم داخل منطقة غيط العنب .،وكانة حلم الحياة والواقع الحلم.
اعلى مستوى من مراكز التدريب الحرفى، المدربين،الموارد،المعدات، صناعة الملابس الحاهزة ،التدريب على فنون استخدام الخرز في انتاج اكسسوارات حريمي ومواد دعائية، التدريب على مهارات العامل اليدوي (سباكة – نجارة – كهرباء)، تدريب جلود قص وتجميع شنط يدويه وحافظات واحذيه،
تدريب أساسيات السلامة والصحة المهنية والإسعافات الأولية وعملية الإخلاء وإطفاء الحريق ، دوره تدريبيه لتأهيل الباحثين عن عمل للالتحاق بالعمل فى القطاع الغذائي، تدريب ربات البيوت على ما يخص السلامه الغذائيه وكيفيه تجنب التلوث الغذائى، تقديم دروس نظرية وعملية تساعد المتدرب على التعرف الى تفاصيل المهنة وأصولها واهميتها، كل ذلك في بيئة آمنة تساهم في الحفاظ على الأمن والسلامة للمتدرب.
لم يسعنى الا أن ادعوكم للتعرف على بعض من سعداء الحظ من المترددين القائمين على ذاك الصرح العظيم .
– الاستاذة سهير نصر الدين … مدير حاضنات الأعمال والحرف اليدوية،نموذج لسيدة وقورة على أعلى درجة من الوعى الاجتماعي والإنساني تدير العمل بروح المحبة والاخلاص والعطاء بلا مقابل، تتقرب من الجميع بدرجة واحدة من المحبة والاحترام، تتابع سير العمل بعين قوية، حريصة على سلامة الجميع، تهتم بالتفاصيل الدقيقة، وتهيء الظروف المحيطة بالعمل، تدور كالنحلة فى بستانها لتعطى عسلا طهورا طيب المذاق.
السيدة ماجدة الحداد … مدربةتريكو فى المركز، ستون عاما من العطاء .
صاحبة كفاح شخصى طويل ، تولت رعاية اولادها وتربيتهم بعد وفاه الاب، والمعاش الصغير، تعلمت التريكو والعمل فى المنزل لرعاية الأبناء والحفاظ على الأسرة، أتقنت العمل وتفانت واخلصت ، أتمت مشروع خاص بها للإنتاج والتسويق بمساعدة آخرين، تعرضت لحادث مروري اقعدها لسنوات عن العمل، لم تستسلم ماجدة بل ناضلت لتستعيد قوتها وقوت اولادها ، استكملت مسيرتها بعد التعافي ،طورت من نفسها وأصبحت ماهرة ذات مستوى عالى،ومنتجاتها معروفة تسويقيا، حرصت ماجدة على أن تنقل خبراتها،و تساند كل امرأة لكى تدخل معترك الحياة قوية وناجحة مثلها.
– السيدة جيهان البحر … صاحبة عمل حر، عرفت بالمكان عن طريق صديقه لأختها، فى بحثها عن مدربة لتعليم تشغيل ماكينه التريكو ، وجدت ضالتها فى تعلم النول وعمل مشغولات الكليم والسجاد كانتيكات وهدايا سياحية للأجانب، تسعى جيهان لإنشاء مشروع خاص بمساعدة المركز والحصول على النول والخامات لبدء وتطوير أفكارها الخاصة، تمنت جيهان أن تنشر الفكرة على جميع الاصدقاء والمعارف ليستفيدوا مثلها، تطالب بالاهتمام الاعلامى بتلك المراكز لتصل الى كل شاب وفتاة بالمصداقية والأمانة فى العرض لما لهم من شعبية لدى الجميع.
-السيدة فاطمة السيد … فى بداية الاربعينيات من العمر متزوجة من صياد سمك ، لديها أربعة من الأولاد، من قاطنى منطقة غيط العنب قديما، كانت تسكن شقة غرفتين بالإيجار على سطح إحدى العمارات، حاليا حصلت على شقة جديدة ثلاث غرف، بالدور الثالث، تذكر فاطمة بأنها كانت مفاجأة سعيدة للجميع وحلم لم يجول بخاطرها، لكنة داعب طموحها وجعلها تطمح فى المزيد من العيش الكريم، علمت بالمصادقة بوجود المركز المهنى،التحقت بة منذ عام فقط، تعلمت صناعة السجاد على النول وربحت من إنتاجها ، وهى الآن مع ظروف الوباء والتوقف عن عمل السجاد ،داومت على تعلم الكروشية وصنعت الكوفية والكاب وفساتين المولود لاحفادها، وهى تأتى بابنتها الصغرى، إحدى عشر سنة لتتعلم وتعتمد على نفسها وتتكسب رزقها، ترى فاطمة أن ذلك المكان حقق لها الكثير فقد أصبحت قوية وناجحة فى عين زوجها وأولادها وشعرت بأنها نجحت فى أن تكون قدوة لأبنائها لتدفع بهم إلى طريق التفوق في الحياة.
-ليس هناك شك فى أن مشاركة.تجارب النجاح والكفاح سعادة لا تقارن بكنوز الحياة ، فهذا الصرح ليس مجرد مبنى مهنى متخصص صامت، لكنة حياة وتجارب إنسانية تتمنى أن يكون لدينا آلاف من تلك المراكز المهنية التطبيقية، لتفتح أبوابها على مصرعيها لأبنائنا وبناتنا لزيادة الموارد الاقتصادية والاعتماد على الذات بدلاً من الاعانات والهبات ، لزيادة الإنتاجية وخفض نسب البطالة ، لسد الفجوة فى سوق العمل و الذود عن السعى خلف الدراسة النظرية لكليات الحفظ والتلقين التى أصابت البعض من أبناءنا باللامبالاه والبلادة العقلية، انشروا تلك الثقافة، كثفوا الدورات التدريبيه بدلاً من مؤتمرات الدش والفشر والكذب واللعب بعقول الشباب، اجعلوها مزارات للوعى والتحضر بدلاً من الشواطئ والمراقص والحانات، أسسوا بها قبله لعبادة العمل والنجاح والإيجابية،هدانا الله وإياكم.
التعليقات مغلقة.