“قلبي علي ولدي انفطر وقلب ولدي عليا حجر”….. هكذا كنا نعلم.
فاطمة… تلك الفتاة الرقيقة الضعيفة التي حرمت من والدها و ولدتها رغم وجودهما في الحياة، تربت فاطمة في أكثر من بيت و أكثر من بيئة ذلك لإنفصال والدها عن والدتها.
الأب تزوج بأخرى و نسى فاطمة، أما الأم فتزوجت بأكثر من شخص وتركت إبنتها لأن أزواجها كانوا يريدونها متفرغة بلا فاطمة .
ورغم كل الظروف إلا أنها كانت دائمة التقرب إلى الله بالصبر والصلاة، رغم كل البيوت التي
إستوطنتها فهي كانت لدى جدتها فترة، عند خالتها بعض الوقت، وكثيراً لدى الجيران، ومن ضمن هذة البيوت كان بيت خالها الذي لديه سبع من الأولاد الذكور وأخلاقهم مختلفة، فمنهم من يحاول التحرش بها، ومنهم من يعاملها كأنها خادمة، ومنهم من يمنعها من مذاكرتها، ومنهم من يثقل عليها بشغل المنزل ليلا ونهاراً، أما أمها فكانت مشغولة بالزيجات والمشاريع الفاشلة.
ذات يوم زاد إشتياق الفتاة لرؤية والدتها التي لم ترها منذ سنوات… ولم يسبق لها أن إحتضنتها كأي أم وبنتها…
زاد الحنين والشوق لأنفاس أم غابت ولم تعد…
قررت الفتاة زيارة الأم وليكن ما يكن، ذهبت البنت بشوق ولكنها تفاجئت بسلام فاتر ليس به حرارة،أو لهفة، أو مشاعر من الأم، وعندما سألها الزوج المدلل من تلك الفتاة؟!، تلجلجت الأم… وقدمت له فاطمة على أنها الخادمة الجديدة.
كانت البنت ممنوعة من نطق إسم ماما وذلك بأمر من أمها، كانت تنظر للحياة من ثقب ضيق تحاول إرضاء من حولها بالسهر لخدمتهم، ولمن يواليها.
مرت الأيام وإنتهت فاطمة من دراسة الثانوية العامة التي إجتازتها بتفوق دون دروس خصوصية، ودون تفرغ للمزاكرة، ودون إهتمام أمها و من حولها، ومع الوقت تقدم لها إبن الجيران شاب تخرج من الجامعة وينوي الزواج والعمل بالخارج، وبالفعل تم الزواج دون مهر ولا شبكة ولا جهاز ودون حفلة ولا حتى فستنان أبيض.
سافرت فاطمة وغادرت البلاد، مرت الشهور والسنوات، وبعد عشر سنوات رجعت فاطمة من بلاد الغربة ولديها ثلاث بنات مثل الزهور في غايه الجمال، أما هي فترتدي أجمل ثياب، حصلت علي شهادة الدكتوراة أصبحت وجهة مشرفة في التفوق والنجاح.
الرضاء يفوح منها، لا تفكر في شيء سوى بناتها ومستقبلهم ورعايتها لهم بالحب والإهتمام، قررت العيش في القاهرة لتعلمهم أصول الدين.
وذات يوم وهي في سيارتها الفارهة ومعها بناتها إذ بإمرأة متسولة تطرق زجاج السيارة تريد مساعدة وعندما أهمت الدكتورة فاطمة بفتح زجاج شباك سيارتها لإعطائها بعض النقود اذ المفاجأة…
المرأة المتسولة الضعيفة العجوز…
أم فاطمة…
نزلت المفاجأة كالصاعقة على الأم والإبنة، خرجت فاطمة من السيارة مهرولة نحو الأم المريضة العابثة تقبلها، وتساندها لإدخلها السيارة، رجعت بها إلى بيتها الفخم وعرفتها علي زوجها وبناتها على أنها أمها، وطلبت من الزوج أن يجعلها واحدة من أفراد البيت، لم تخجل منها ولم تقدمها على أنها خادمة مثلما فعلت أمها بها، لم تتركها زليلة في الشوارع والبيوت مثلما فعلت الأم.
وفي النهاية إنقلب المثل، ” قلبي علي ولدي إنفطر وقلب ولدي عليا حجر” .
التعليقات مغلقة.