بقلم السفير تورال رضاييف
سفير جمهورية أذربيجان لدى القاهرة
في مثل هذا اليوم 28 مايو 1918، تحتفل أذربيجان بمرور 103 عام على تأسيسها أول جمهورية عرفها الشرق المسلم.
والجدير بالذكر أن جمهورية أذربيجان تقع جنوب منطقة القوقاز وتبلغ مساحتها حوالي 86.6 ألف كم مربع. وعدد سكانها يتجاوز العشرة ملايين. واللغة الرسمية فيها هي اللغة الأذربيجانية والديانة هي الإسلام. ويحدها من الشرق بحر قزوين ومن الشمال روسيا ومن الشمال الغربي جورجيا وأما أرمينيا فتحدها من الغرب وإيران من الجنوب وتركيا من الجنوب الغربي.
ففي 28 مايو 1918 تم إعلان جمهورية أذربيجان الديمقراطية عقب انهيار الإمبراطورية الروسية القيصرية. بيد أن الجمهورية الأولي استمرت للأسف نحو عامين فقط حتى عام 1920، ففي 28 أبريل قامت قوات الجيش الأحمر الحادي عشر بغزو جمهورية أذربيجان التي كانت تعاني في ذلك الوقت ظروفا داخلية وخارجية صعبة وطالبت باستقالة البرلمان الأذربيجاني وأقاموا حكومة خاصة بهم. ومع احتلال قوات الجيش الأحمر الحادي عشر، دخلت أذربيجان فترة امتدت 70 عامًا من الحكم السوفيتي وحتى عام 1991، حتى استعادت استقلالها مرة ثانية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
جدير بالذكر أن تأسيس هذه الجمهورية عام 1918، لم يكن بالأمر اليسير في بداية القرن العشرين، حيث كان العالم يعاني الحروب والاضطرابات والصراعات بجميع أشكالها العسكرية والعرقية والدينية؛ فضلًا عما كانت تعانيه أوروبا الشرقية ومنطقة القوقاز من الانقلابات الشيوعية والحروب الأهلية، الأمر الذي سهل على الجيش السوفيتي احتلال المنطقة.
وخلال هذه الأشهر المعدودة تمكن الشعب الأذربيجاني تحت قيادته الوطنية تكوين بنيان سياسي فريد تمتع أفراده بكافة حقوقهم القانونية وحرياتهم، وأسسوا معًا البرلمان والحكومة وأول مؤسسة تعليمية حكومية ومنح المرأة الأذربيجانية قبل أي امرأة في العالم حقها في التصويت بالانتخابات، كما تم تمثيل جميع الكيانات السياسية والقوميات والأعراق الرئيسية في أذربيجان بالمجلس الوطني ذي المائة وعشرين مقعد شاهد عيان على التزام أذربيجان بالمبادئ والمواثيق الدولية الخاصة بالتعددية الحزبية والنظام البرلماني متعدد القوميات.
وفي اليوم التاسع من شهر نوفمبر عام 1918، تبنت حكومة جمهورية أذربيجان الديمقراطية أول قرار لها باتخاذ علم ذي ثلاثة ألوان – الأزرق والأحمر والأخضر مع الهلال والنجمة الثمانية الأطراف، والذي يرمز إلي مبادئ الهوية الوطنية، والحداثة والديمقراطية، والإسلام باعتباره علما لأذربيجان المستقلة.
وبعد تكثيف المحادثات الدبلوماسية مع قادة دول الحلف، وفي 11 يناير عام 1920 اعترف مؤتمر باريس للسلام بالاستقلال الواقعي لجمهورية أذربيجان.
واجهت جمهورية أذربيجان في السنوات الأولى من استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، العديد من المشاكل نتيجة الاضطرابات السياسية والاقتصادية والتي كان أبرزها العدوان الأرميني الذي أسفر عن احتلال 20% من الأراضي الأذربيجانية، وتشريد أكثر من مليون مواطن من مدنهم وأراضيهم الأصلية، وقد توالت الاعتداءات الأرمينية من عمليات قتل وإبادة جماعية ضد المواطنين الأذربيجانيين الأبرياء الذين بلغ عددهم أكثرمن 20.000 شخص، ومعظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، كما دمرت وأحرقت العديد من المقدسات الإسلامية والمدارس والمساجد والآثار التاريخية التي تشهد على أصالة وعراقة الشعب الأذربيجاني.
خلال هذه المرحلة التاريخية الحرجة من تاريخ أذربيجان، ناشد الشعب الأذربيجاني الزعيم القومي “حيدرعلييف” تولي زمام الأمور، لإخراج البلاد من هذه الأزمة الطاحنة، وبالفعل تمكن “علييف” خلال فترة قصيرة من الزمن بما يمتلكه من رؤية ثاقبة، من نقل أذربيجان من حالة التخبط والصعوبات العديدة التي سادت فترة التسعينات إلى آفاق الازدهار والتقدم الوطني، وقد بدأ عهد جديد في حياة جمهورية أذربيجان المستقلة، حيث تخلت البلاد عن الاقتصاد المخطط للحقبة السوفيتية، وتحولت إلى اقتصاد السوق الحر، كما تم اتخاذ التدابير اللازمة لإقامة نظام سياسي ديمقراطي في البلاد، حيث تم إقرار قانون الأحزاب السياسية، وتثبيت الحقوق لكل القوميات للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، كما وقعت أذربيجان على العديد من المعاهدات الدولية للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما فيها إقرار حقوق المرأة السياسية.
وقد كان النفط السبب الرئيسي الذي جعل من جمهورية أذربيجان محط أنظارعديد من دول العالم، خاصة وأن أذربيجان قد لعبت دوراً بارزاً خلال الحرب العالمية الثانية حيث قدمت باكو- عاصمة أذربيجان معظم نفط الاتحاد السوفيتي على الجبهة الشرقية.
وفي سبتمبر عام 1994، تم توقيع “عقد القرن” بقيمة عدة بلايين مع شركات النفط متعددة الجنسيات لتطويرحقول النفط البحرية في القطاع الأذربيجاني من بحرقزوين. وبشبكة خط نفط باكو– تبليسي – جيهان وخط غاز باكو – تبليسي – أرزروم تضطلع أذربيجان بدور مهم في ممر الطاقة بين الشرق والغرب وفي أمن الطاقة في أوروبا.
وبالتوازي مع قطاعي النفط والغاز، تم الاهتمام بتنمية القطاعات غيرالنفطية بما في ذلك تطوير البنية التحتية لقطاع النقل والمواصلات ذات الأولوية الإستراتيجية، من سكك حديدية، وموانئ بحرية ومطارات، بالإضافة إلى أساطيل الطائرات والسفن، ووسائل النقل البري والبحري، والتي تجرى زيادتها وتحديثها على نحو ملحوظ سعيا لتنشيط مسارات النقل بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب.
وقد قامت جمهورية أذربيجان بتحقيق المشاريع الاقتصادية المهمة للغاية، حيث أصبح هذا جزءًا مهما لأجندتها. حيث كان يتحتم عليها الانتقال من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق. واليوم يشعر الشعب الأذربيجاني بهذه التنمية وبنتائج الإصلاحات الاقتصادية.
إن جمهورية أذربيجان هي عضو في منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، ورابطة الدول المستقلة وبرنامج التعاون من أجل السلام لمنظمة حلف شمال الأطلسي ومنظمة التعاون الاقتصادي لبلدان حوض البحر الأسود ومنظمة التعاون الاقتصادي لبلدان الشرق الأوسط وغيرها من المنظمات الدولية الأخرى. وقد أصبحت جمهورية أذربيجان عام 2001 عضوًا في المجلس الأوروبي (البرلمان)، وبذلك انضمت إلى الأسرة الأوروبية.
ومنذ استقلال أذربيجان أصبح شعار الإسلام رمزًا من الرموز الثلاثة الموجودة على علم جمهورية أذربيجان المستقلة الجديدة، وتم قبول أذربيجان عضواً في منظمة التعاون الإسلامي، وأصبح من التقاليد الرسمية أداء رئيس الجمهورية المنتخب اليمين الدستورية بالقرآن الكريم قبيلا لبدء بمهامه الرسمية.
وقد تحولت جمهورية أذربيجان اليوم من بلد يطلب العون الأمني والمساعدات الدولية في الماضي، إلى بلد يساهم اليوم في العمليات الدولية لدعم السلام، والجهود الإنسانية.
وقد وقع حدث مهم جدًا في عام 2011م بالنسبة لجمهورية أذربيجان حيث تم اختيارها لأول مرة عضوًا غير دائم في مجلس الأمن بمنظمة الأمم المتحدة خلال السنوات 2012 – 2013. وقد استطاعت جمهورية أذربيجان كسب ثقة المجتمع العالمي بأسره وسط أجواء مضطربة، وقد أيدت 155 دولة من بين 193 دولة ترشيح أذربيجان.
وأذربيجان اليوم، اعتمادا على رؤية وإرث حيدر علييف، وتحت قيادة إلهام علييف، بلد ينمو بديناميكية، مع معدلات نمو اقتصادي غير مسبوقة في جميع المجالات. والإصلاحات الديموقراطية والاقتصادية الثابتة للرئيس إلهام علييف، وقيادته الحكيمة والرشيدة للبلاد وسياسته الخارجية النشطة، جعلت أذربيجان دولة رائدة على الصعيد الإقليمي وشريكا يعتمد عليه في العلاقات الدولية.
وتلعب أذربيجان اليوم دورا محوريا في كل القضايا الإقليمية، وتتقاسم ثمار ازدهارها وثرواتها مع بلدان المنطقة عبر مجموعة من آليات الشراكة والتعاون.
ونتيجة ذلك، استعادت دولة أذربيجان سيادتها ووحدة أراضيها – بعد ما قرب من ثلاثين سنة من احتلال عشرين بالمائة من أراضيها، تحت قيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس دولة اذربيجان السيد إلهام علييف بانتصار عظيم استغرق 44 يوما فقط على أرمينيا المحتلة، وأرغم العدو على الاستسلام بقوة الإرادة السياسية والعسكرية، وهكذا قام السيد الرئيس إلهام علييف بتنفيذ وصايا الزعيم القومي حيدر علييف الراحل حول تحرير أراضي أذربيجان وضمان سلامتها وسيادتها مع تضامن الشعب الأذربيجاني ورفاهيته.
وبعد الانتصار في حرب قاراباغ الثانية، تقوم دولة أذربيجان بإعمار الأراضي المحررة، وإنشاء البنية التحتية الجديدة فيها وتعمل إلى تحويل المدن والآثار التي تم تدميرها خلال الاحتلال من قبل الأرمن البربريين إلى أجمل وأحدث المدن في المنطقة، وكما تسعى إلى إسكان المشردين في ديارهم في أسرع وقت ممكن.
التعليقات مغلقة.