موقع اخباري شامل صادر عن مؤسسة تحيا مصر

شيزوفرنيا النجاح

 

كتبت خديجه محمود

يُعتبر غرور النجاح ظاهرة شائعة تكشف عن الكثير من العوامل النفسية والاجتماعية التي يمكن أن تنشأ عندما يحقق الأفراد أو الفرق إنجازات بارزة بينما يعتبر النجاح هدفاً يسعى الكثيرون لتحقيقه، فإن الغرور الناتج عنه يمكن أن يؤدي إلى تداعيات سلبية على الصعيدين الشخصي والاجتماعي ايضاً
يتجلى غرور النجاح في عدة أبعاد رئيسية، من أبرزها الإحساس بالتفوق على الآخرين، والذي قد يؤدي إلى تراجع القدرة على التعاطف والتواصل الاجتماعي كذلك، يمكن أن يتمثل في عدم احترام الآراء المختلفة، مما يُضعف روح التعاون والفريق إن إدراك هذه الأبعاد ضروري لتفادي الوقوع في فخ الغرور والنرجسية بعد تحقيق الإنجازات
يمكن أن ينشأ غرور النجاح من عدة عوامل، منها الضغوط الاجتماعية والثقافية التي تفرض تقديرًا عاليا للإنجازات الفردية، كما يمكن أن يُعزى الغرور أيضاً إلى التقدير المفرط من قبل الأقران أو أصبحت التقنيات الأحدث التي تُستخدم لتسليط الضوء على الاحتفالات بالنجاح متاحة للجميع، يتغذى الغرور على استمرار الثناء والمكافآت، مما يعزز من الشعور بالتفوق لهذا فإنه من المهم التعرف على هذه الأسباب للحد من الآثار السلبية المترتبة عليها
يمتلك غرور النجاح آثاراً سلبية على العلاقات الشخصية، مما يؤدي إلى تعقيد التفاعلات بين الأفراد، يشعر الأصدقاء والزملاء أحياناً بالتهميش أو الإهمال من قبل الشخص المتغطرس، مما يُفضي إلى انكسار الثقة، أيضًا، يمكن أن تؤدي هذه السلوكيات إلى توترات وعلاقات غير صحية، ما يحد من النجاح الجماعي في البيئات الاجتماعية أو المهنية وبالتالي، يجب على الأفراد فهم تأثيرات غرور النجاح على حياتهم والعاملين من حولهم

لا تغرك قواك
في الصين، وقبل ألفين وخمسمئة سنةٍ تقريباً ظهرتْ “مملكة وو”، وبدأتْ تفرضُ نفسَها قوة جديدة يُحسبُ لها حسابٌ على الأرض! ولكن كان ينقصُها التاريخ والحضارة، وهما إرثٌ سيُحَقَّقُ إن تمكنتْ من السيطرةِ على “المملكةِ الوسطى” صاحبة الإرثِ الحضاري والتاريخي الكبير!

وزَّع ملكُ “وو” جيشه في أكثر من جهة، ولكن وزيره “هسيو” حذَّره من هذا، وقالَ له: ركِّز في حربِكَ ضد عدو واحد، لا تُقاتل أكثر من مملكةٍ في وقتٍ واحد.
ضحكَ الملكُ من نصيحةِ وزيره، وقالَ له بشيءٍ من الاستعلاءِ والغرور: أنتَ جبان يا “هسيو”!

وعندما أمرَ الملكُ وزيرَه أن يخوضَ حملةً عسكريةً ضد مملكة “يويه” رفضَ أن يُنفذَ الأمر لأن هذا سيجعلُ المملكة مكشوفة، لا بُدَّ أن تبقى فيها قوة تُدافعُ عنها إن تعرضتْ لهجوم، عدو واحدٌ يكفي يا جلالة الملك، يكفي، لا تستعدِ الجميع! هذا آخر ما قاله “هسيو”.

اعتبرَ الملكُ هذا خيانةً، وعصياناً للأوامر، فأمرَ وزيره أن يقتلَ نفسه أمامه.  وقبل أن يغرسَ “هسيو” الخنجرَ في صدره، قال للملك:  عندما تفيضُ روحي، اقتلعْ عينيَّ، وضعهما على بوابةِ المملكةِ، أُريدُ أن أرى جيوش الأعداءِ عندما تجتاحها!
قتلَ “هسيو” نفسه تنفيذاً لأمرِ الملك، وقامَ الملكُ بقلعِ عيونه وعلّقَهُما على بوابةِ المملكةِ في خطوةٍ هازئةٍ أخرى!

ولكن لم يمضِ وقت طويل حتى سمعَ ملكُ “المملكةِ الوسطى” بفراغِ مملكةِ “وو” من جيشِها حتى قادَ حملةً عسكريةً ضخمةً ضدها واحتلَّها، وعندما طوَّقوا قصر الملك المغرور شعرَ أن عيون وزيره ترمقه بنظراتِ الشماتة، فقررَ أن ينتحر، وهكذا انتهتْ مملكة “وو” إلى غيرِ رجعة!

لا شيء يجعلُ المرء مغروراً كالنجاح، ولا شيء يجعلُ المرء حكيماً وحذراً كالفشل! لهذا خافوا على الذين نجحوا بسرعةٍ أكثر مما تخافون على الذين تعثَّروا أول الطريق!

النجاحُ مدعاةٌ للغرور، والغرورُ مقبرةُ الأبطال، وحدهم الذين لا تُسكرهم نجاحاتهم يبقون في القمة!
أما الفشل فمدرسةٌ بحد ذاتها، إنه يكسرُ النفس، ويقضي على الاستعلاء، ويُعلِّمُنا دقةَ الحسابات، ويُذيقنا ألمَ السقوط، والذين يتعلمون الدرس من الفشلِ غالباً ما يُحققون نجاحات ساحقة، أو بالأحرى لا يُوجد ناجحٌ إلا وكان له عثرة…
في قصصهم عبرة

من المهم التمييز بين الثقة والغرور. الثقة تتعلق بالإيمان بالنفس والقدرة على تحقيق الأهداف بشكل إيجابي، بينما الغرور ينطوي على شعور بالتفوق والتميّز على الآخرين، الأفراد الواثقون يستمعون للآراء ويقدرون المشاعر، بينما المتغطرسون يميلون إلى إنكار الأصوات الأخرى، هذا الفهم يمكن أن يساعد الأفراد على تنمية الثقة الحقيقية بدلاً من السقوط في فخ الغرور
استراتيجيات التغلب على غرور النجاح
يمكن اتباع عدة استراتيجيات لتجاوز غرور النجاح، منها ممارسة التواضع والاعتراف بمساهمات الآخرين التقليل من الثناء المفرط وتعزيز قيمة التعلم من الأخطاء أيضاً يُعتبران أساليب فعالة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يشمل برنامج التنمية الشخصية تحسين مهارات التواصل الفعّال وتعزيز مشاعر التعاطف والمشاركة
إن إدراك الفرد لنقاط القوة والضعف لديه يساعد في بناء شخصية أكثر توازناً
فهم الاحساس بالنجاح يمكن أن يساعد الأفراد على تعزيز نجاحاتهم بصورة إيجابية وبناء استراتيجيات فعّالة للتغلب على الآثار السلبية للغرور يمكن أن يُعزز العلاقات الشخصية ويساعد في تحقيق النجاح المستدام فالنجاح قد يأتي بمعانٍ عديدة، والتواضع سيكون دومًا المرافق الأفضل له.

التعليقات مغلقة.