أشاد فضيلة الأستاذ الدكتور سلامة داوود، رئيس جامعة الأزهر، بمؤتمر كلية الإعلام، لأنه يؤدي حق فريضة الوقت، ولكل وقت فريضة، لأنه يعطي دليلا قاطعا وبرهانا ساطعا سطوع نور الشمس على أن الأزهر الشريف لا يغمض عينيه عن الواقع العالمي ومشاغله ومشاكله وآماله وآلامه وإيجابياته وسلبياته، فليس العالم من يعيش في برج عاجي معصوب العينين عن هموم الأمة والعالم ، بل العالم من تكون له رؤية وبصيرة يقدمها للناس لعلاج النوازل والأزمات وطوارق الليل والنهار ، وما أكثرها في زماننا وما أكثر ما تلتبس فيها الرؤية التي تنفذ إلى جوهرها وتطب لدائها إلا على خواص الخواص من أهل العلم والبصيرة؛ فليس كل عالم قادرا على الغوص في هذه الأعماق والأغوار ليقول كلمة الفصل.
وأضاف فضيلته: تصفحت عناوين البحوث المقدمة في هذا المؤتمر فرأيت لزاما علي أن أنوه بما تقوم به من أداء فريضة الوقت في رصد أمين لموقف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وكذا ما سميت تجاوزا “وسائلَ التواصل الاجتماعي” من إدارة هذه الأزمات المحلية والعالمية التي يعيشها العالم الآن كل لحظة من أزمات اقتصادية وغَلاء في الأسعار، وأثر ذلك على المجتمع وقضايا الأمن الغذائي في مصر وحروب الغذاء والدواء والحرب الضروس بين روسيا وأوكرانيا والحروب المأسوية في سوريا والعراق واليمن وليبيا وأخيرا وليس آخرا الحرب في السودان الشقيق على البوابة الجنوبية لحدودنا.
وتقدم رئيس جامعة الأزهر بالدعاء لله تعالى أن يعلو صوت العقل والفلاح على صوت المدفع والسلاح، فكل هذه الحروب وغيرها مما يقرع سمع العالم كل لحظة تقول إن الضمير الإنساني الحر وما تغنت به الحضارة الحديثة من العدالة الإنسانية والسلام العالمي ومنظمات حقوق الإنسان لا تزال تتعثر في خطاها ورؤاها ولا تزال الأمم القوية الغنية التي تملك الكلمة والسلاح تستأسد على الأمم الضعيفة الفقيرة التي تستهلك الكلمة وتستهلك السلاح، كما تعالج البحوث أزمة تغير المناخ وتدرس الحلول المطروحة للخروج منها بصور من العلاج من أهمها البعد عن التلوث والعودة إلى الطبيعة الخضراء وأن يكف الإنسان يده عن إفساد الطبيعة فإن هذا الإفساد من الفتن العامة الطامة التي قال الله تعالى عنها ” وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (الأنفال: 25).
وأشار رئيس الجامعة إلى من أهم الأزمات التي تعالجها بحوث المؤتمر أزمة الإدمان الإلكتروني وتعزيز الوعي بمخاطره فإنه لا يقل خطورة في تدمير الأجيال عن إدمان المخدرات، وكم تضيع فيه من الأوقات والأعمار التي إذا ستغبت في العمل الجاد المثمر لعادت بالنفع والخير على العباد والبلاد، وكم تذهب فيه من مقل العيون وراحة البال وجموم الخاطر، فضلا عما يجره هذا الإدمان في بعض هاتيك المواقع المشبوهة التي تشيع الفواحش في المجتمع من جرائم وموبقاتٍ مهلكات ، كما عالجت بعض بحوث هذا المؤتمر الأزمات الصحية من أورام الفم وجدري القرود وأزمة جائحة كورونا التي اجتاحت العالم وهي طاعون هذا العصر الحديث الذي قضى بسببه الملايين من البشر.
وأكد “داوود” أن على وسائل الإعلام أن تلزم الصدق وأن تنأى عن الأفراط والتفريط وعن التهويل والتهوين ، وأن يعلم كل كاتب وناطق أنه مسئول ، وأنه أسير الكلمة التي تصدر منه ، وأن الكلمة مشتاقة من الكلم وهو الجرح.
ولفت رئيس جامعة الأزهر إلى أن بحوث المؤتمر صُورةً صادقةً لِتَنَوُّعِ الأفكارِ والفُهُوم ، هي صورةٌ من واقِعِنا العلميِّ والثقافيِّ الرَّحِيب ، الذي تتنوع فيه المناهجُ والأفكار ، وتختلف فيه الرُّؤَى ، كالزَّرْعِ يُسْقَى بماءٍ واحدٍ وتَخْتَلِفُ الثِّمارُ والطُّعُومُ ، قال الله جَلَّ وعَلا : ” وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”.
وذكر فضيلته أن مِنْ شأنِ الاختلاف والتنوع في الأفكار والمناهج والثقافات أن يُثْرِيَ الحياةَ العلميةَ والفكريةَ في الأمة ؛ وأن يجعلَها صاحبةَ ” اليَدِ العُلْيَا ” في الحركة العلمية في العالم ، وقد قال نبيُّنا الكريمُ صلى الله عليه وسلم : ” الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى”، وقد قصرنا فقه اليد العليا واليد السفلى على اليَدِ التي تُعْطِي المالَ والصَّدَقَةَ، واليَدِ التي تأخذ المال والصَّدَقَة ؛ لِوُرُودِ الحديث في سياق الحَثِّ على الصَّدَقَةِ والإنفاق ، ومِنَ البِرِّ بفِقْهِ كلامِه صلَّى الله عليه وسلَّمَ أن نَحْمِلَهُ أيضًا على كُلِّ يَدٍ عُلْيَا وكُلِّ يَدٍ سُفْلَى في جميع مجالات الحياة ؛ فاليَدُ الُعليا في العلمِ خيرٌ من اليَدِ السُّفْلَى ، واليَدُ العليا في العلم هي اليد التي تبتكر وتُضِيفُ وتُجَدِّدُ وتَصِلُ كُلَّ يَومٍ إلى جَديدٍ لم تَصِلْ إليه في اليَومِ الذي قَبْلَه، هذه اليَدُ خَيرٌ من اليَدِ التي تَتَسَوَّلُ المعرفةَ وتَعِيشُ عالةً على فكر غيرِها من الأمم التي تُنْتِجُ العلم، اليد العليا هي يَدُ الأممِ التي تُنْتِجُ المعرفة، واليد السفلى هي يد الأمم المغلوبة التي تستورد المعرفة وهي متكئة على أريكتها، كما تستورد لقمة الخبز، وكما تستورد طعامَها وشرابَها وكساءَها ودواءَها وسلاحَها، وهكذا نفهم اليد العليا في الطب والزراعة والصناعة والتجارة وكل شأن من شئون الحياة، فالأمم المتقدمة الغالبة في أي شأن من شئون الحياة.
التعليقات مغلقة.