كتب- محمد رأفت فرج
نظم اتحاد الجاليات المصرية فى أوروبا، بالتعاون مع الأكاديمية الدولية للحوار، التابعة لمجلس الحوار والعلاقات المسكونية، بالكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر، ندوة بعنوان: «مفهوم التضحية والفداء فى الأديان»، بمناسبة عيد الأضحى المبارك، وذلك عبر تطبيق زووم، بمشاركة الدكتور محمد الزفزاف، رئيس اتحاد الجاليات المصرية فى أوروبا، والذي هنأ الحضور بحلول عيد الأضحى المبارك، والدكتورة هدى درويش، رئيس قسم الأديان المقارنة بجامعة الزقازيق، الدكتور القس ثروت قادس، رئيس مجلس إدارة الأكاديمية الدولية للحوار، الدكتور القس إكرام لمعي، رئيس مجلس الإعلام والنشر بالكنيسة الإنجيلية بمصر، وأستاذ مقارنة الأديان، القس رفعت فتحي، الأمين العام لسنودس النيل الإنجيلي، وعضو المنتدى الإبراهيمى فى مصر والشرق الأوسط.
تأتى الندوة فى إطار تعزيز ثقافة التسامح والتعاون المشترك لمعالجة المفاهيم الخاطئة.
حيث أكدت الدكتورة هدى درويش، رئيس قسم مقارنة الأديان، بجامعة الزقازيق، أن الأضحية عبادة مشتركة فى الديانات السماوية الثلاث، فهي طقس معروف منذ بداية الخليقة، يعبر عنها بالقربان، تناوله القرآن الكريم والكتاب المقدس من خلال قصة ابنى آدم، فجاء فى القرآن الكريم قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ). (المائدة: ٢٧).
وجاء فى سفر التكوين (4/ 11): «بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قابيل، فبه شُهد له أنه بار، إذ شهد الله لقرابينه».
وأوضحت أن التضحية تعنى: الفداء والضحية وهى الذبيحة التى يقدمها الإنسان لغرض دينى، حيث تجمع معظم الأديان والفلسفات أن المقصود بالأضحية القربان الحيوانى وتقدم خالصة للإله والغرض منها الخلاص من الذنوب واستجلاب رضا الإله.
وبينت د. هدى، الأدلة الأثرية أن قدماء المصريين كانوا يقدمون التضحية بالحيوانات، إلى جانب الصلوات اليومية وقبل الخروج لصلاة العيد. وظهر ذلك فى مواقع الدفن فى صعيد مصر، حيث أرخ علماء الآثار فيما بين 4400 و4000 سنة قبل الميلاد، العثور على أغنام وماعز وغزلان فى المدافن البشرية، كما انتشرت ثقافة التضحية خلال العصر النحاسى 3000 سنة قبل الميلاد، وكان الكنعانيون يستوردون الخراف والجِداء من مصر.
واوضحت أن التضحية انتشرت بالحيوانات، بين حضارات الشرق الأدنى القديمة، ففى الديانة اليونانية كانت البهائم تقدم على المذبح، خارج المعبد، مصاحبة بالتراتيل والصلاة، وكان الحيوان يقاد إلى المذبح فى موكب مزدانا بالأكاليل، وبعد طهيه يقدم للشخصيات المهمة. ويعتقد اليونانيون أن الحيوان يكون مسرورًا بالتضحية به.
وأضافت، أن القرابين كانت مستخدمة بفعالية فى الديانة الرومانية القديمة، وكانت قرون الثيران تطلى بالذهب، ويعتقدون أن الضحية تكون مستعدة لتقدم حياتها فداء للمجتمع، ويكون تقديم الطعام أولا للكهنة والقوى الإلهية ثم العامة.
أما فى اليهودية؛ فترتبط الذبيحة بخطيئة آدم عليه السلام، وتذكر مخطوطات البحر الميت (قمران)، أن آدم عليه السلام، عند خروجه من الجنة أخذ يبكى، ويتوسل للملائكة، أن يصعِد ذبيحة للرب، عله يسمع توسلاته.
وأشارت إلى أن صلاة الأنبياء الأوائل ارتبطت بتقديم الذبائح، حيث جاء فى النصوص التوراتية تتابع تقديم الذبائح فى حياة الآباء، فجاء فى سفر التكوين، حول حياة أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام، أنه بنى مذبحا للرب، ودعا باسم الرب (ت/ 8 – 12) كذلك إسحاق ويعقوب عليهما السلام.
واوضحت رئيس قسم الأديان المقارنة بجامعة الزقازيق، أن أول الذبائح فى عهد موسى عليه السلام، متمثلة فى خروف الفصح، الذى كان فداء لهم من عقوبة الخطيئة، التى اقترفها آدم عليه السلام، وكانت هذه الخطيئة تعنى لديهم الموت، أما الذبائح فتقديمها يعنى الحياة عوضا عن النفوس، وهكذا بدأت الصلاة فى اليهودية، بتقديم ذبيحة رمزًا للخضوع للرب، وكان تقديمها نوعًا من الصلاة لتأدية الشكر.
وتابعت كانت القرابين تقدم عن طريق الكهنة، قبل بناء الهيكل فى خيمة الصلاة، وبعد بناء الهيكل سمح بالذبائح فيه، وبعد تدمير الهيكل عام 70م، تم حظرها لعدم وجود معبد، لكنها استمرت فى بعض المجتمعات.
وبحسب الرواية اليهودية؛ يعتبر النفخ فى قرن الخروف؛ رمزا لكبش الفداء، الذى أنزله الله على النبى إبراهيم عليه السلام، عندما هم بذبح ابنه إسحاق، بحسب قولهم، ويقولون إن أضحية إسحاق حدثت فى رأس السنة العبرية، وتمتد بين الأول والعاشر من شهر تشرين العبرى (أكتوبر)، وتتضمن عيدى رأس السنة (روش هشاناه) وعيد الغفران (يوم كيبود)، وتعرف هذه الفترة بأيام التوبة العشرة.
وأردفت، من الطقوس اليهودية لهذه الأضحية؛ التوجه إلى مصدر للمياه، يتم فيه تلاوة بعض نصوص التوراة، كما تلقى قطع من الخبز فى الماء، رمزًا للتخلص من الخطايا، التى ارتكبها الإنسان فى عامه السابق.
وتابعت، أما فى المسيحية؛ فلا توجد بها أضحية، إلا فى حالة النذور، وفيها أن المسيح عليه السلام، هو الذى افتدى خطايا البشر بعد صلبه، ليخلصهم من خطيئة آدم وحواء، وترى أن اعتراف البشر بخطاياهم بانكسار أفضل من الأضحية والذبائح استشهادا بنقول داود عليه السلام فى مزمور 51: ذبائح الله هى روح منكسرة.
وأشارت إلى أنه بالنسبة للإسلام؛ ترتبط الأضحية بذكرى واقعة إبراهيم عليه السلام، عندما أمره الله بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام، وجاء فى القرآن الكريم، قوله تعالى:(وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (الصافات: ١٠٧).
وقالت د. هدى، إن المسلمين يحتفلون بها، بالصيام فى العشر الأوائل من شهر ذى الحجة، فى كل عام هجرى. وفى فضل العشر الأوائل من ذى الحجة، روى عن عبد الله بن عباس (رضى الله عنه)، أنّ النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام. يعنى أيام العشر. قالوا يا رسول اللهِ: ولا الجهاد فى سبيل الله؟، قال ولا الجهاد فى سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».
واضافت أن الأضحية بمفهومها ومقاصدها وشرائطها، شرعت فى السنة الثانية من الهجرة النبوية، التى شرعت فيها صلاة العيدين وزكاة المال، لتكون من جملة القربات إلى الله تعالى، وتقدم فى أيام مباركات، لتكون شكرا وذكرا تختم بها الليالى العشر، حيث توزع لحوم الأضاحى أثلاثا، بين المضحى والأقارب والفقراء، كما أجاز الإسلام العطاء لغير المسلمين من الأضحية؛ لفقرٍ أو قرابةٍ أو جوارٍ أو تأليف قلبٍ؛ وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنهما المتفق عليه: (صِلِى أُمَّكِ)، ومن المعلوم أن أم أسماء كانت من كفار قريش الوثنيين، حيث يكون الذبح فى الإسلام بعد الانتهاء من صلاة العيد، بعد فجر اليوم العاشر من شهر ذى الحجة.
وأوضحت أن، مفهوم إراقة دم الذبيحة، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «ما عَمِل ابن آدم يوم النّحر عملًا أحبُ إلى الله من إراقةِ دم، وإنها لتأتى يوم القيامة بقرونِها وأظلافها وأشعارها، وكان النبى (صلى الله عليه وسلم)، يضحى عن نفسه، وقبل وفاته أمر على (رضى الله عنه) أن يضحى عنه أبدًا.
ومن الأمور التى تدعو للتأمل، التشابه بين الأيام العشرة فى الإسلام، وأيام التوبة العشرة فى اليهودية.
وبينت ان المناسك والطقوس تشترك، بين اليهودية والمسيحية والإسلام، فى أعمال الطاعات والرحمة، فى تنفيذ التكليف، وترديد كلمات الاستغفار والتوبة، والإتيان بالحسنات؛ لكنها لا تغنى عن وجوب الذبح (النّحر) لمغفرة الخطايا والآثام.
فجاء فى اليهودية: «لأن الدم يُكَفر عن النفس» (لاويين 17: 11)، مضيفة: جاء فى المسيحية: «بدون سفك دم لا تحصل مغفرة» (عبرانيين 9: 22)، وفى الإسلام جاء قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:٢).
واختتمت د. هدى درويش كلمتها ببينان تعظيم الله تعالى للأضحية فى القرآن الكريم، وجعلها من شعائر الله، التى قال عنها: (ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ). (الحج: ٣٢)، مضيفة أن الأديان جميعًا تتفق فى طقس الذبح، بهدف التقرب إلى الله، والتخلص من الذنوب والخطايا، وأن كافة الأنبياء، كانوا يقدمون الذبائح كفدية، كما أن للإنسان مكانة كبيرة عند الله، باعتباره خليفته على الأرض، حيث تحدثت عنه كافة الديانات. بأن الله كرمه وقربه وأحبه وفداه بذبح عظيم.
التعليقات مغلقة.