د. محمود الصاوي يكتب.. روشتة للقضاء على الفساد؟
الفساد وكيف نقضي عليه ؟
—
غول الفساد لا يقل ضررا وخطورة عن وحش الإرهاب كلاهما وباء لعين عندما تصاب بهما أو باحدهما المجتمعات يفر الأمن ويهرب الاستقرار وتضطرب أحوال البلاد والعباد .
وسنحاول معا عزيزي القارئ عبر هذه السطور القليلة الموجزة أن نسلط الضوء علي غول الفساد لنفهم مدلوله وصوره وتجلياته و والحل الشرعي لهذه المشكلة التي تئن منها مجتمعاتنا الإسلامية والعربي وتتوجع تبحث عن منقذ وتتطلع الي مخلص يزيح عنها هذا الكابوس المخيف والمرعب الذي يمكن أن يأتي علي الأخضر واليابس !
مفهوم الفساد :
الفساد نقيض الصلاح ويعني به في الجملة خروج الشئ عن حد الاعتدال سواء أكان الخروج عنه قليلا أو كثيرا
وردت مادة فسد بمستقاتها خمسون مرة في كتاب الله عز وجل في ٢١ سورة قرآنية مرة بدلالات متنوعة مرة بمعني ضد الإصلاح ( واذا قيل لهم لاتفسدوا في الأرض قالوا انما نحن مصلحون ) ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) ( والله يعلم المفسد من المصلح ) وانه يشمل جميع الشرور والمعاصي المتعلقة بحقوق العباد كالقتل ( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) والسرقة ( ماجئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين ) والإصلاح والصلاح من صفات المؤمنين المتقين كما أن الإفساد والفساد من صفات المنافقين والفاسقين ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو الد الخصام واذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد )
وهنا نطرح سؤالا ونقول؛ كيف يمكن الحد من الفساد ؟
—
الفساد بكل صوره ومظاهره وأشكاله محرم في دين الله عز وجل ومن كبائر الذنوب، والشريعة وسائلها وأساليبها المادية والمعنوية في علاج هذا المرض اللعين والوباء الذي يفتك بالمجتمعات والشعوب .
وقد الشريعة الإسلامية السبق في وضع اجراءات وقائية ضد الفساد بكافة صوره .
حيث قدم الإسلام علاجين لهذا المرض احدهما دنيوي : يتمثل في العقوبات المقررة شرعا لكل جريمة بحسب صغرها أو كبرها وعظمها وخطرها ، وعلاج أخروي : وهو ماجاء به الشرع الشريف من العقوبات الاخروية للمفسدين
قال تعالي ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )
استراتيجية الإسلام
في مواجهة الفساد :
—-
مرت بعدة مراحل فبدأت في العصر النبوي حيث كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يراقب اداء الدولة ويحمي الأمة من أي فساد ، ثم توسعت الرقابة في عهد الراشدين رضوان الله عليهم منذ أن أنشأ عمر بن الخطاب الدواوين .. واستحدثت دوواين اخري مثل ديوان الحسبة والبريد والاخبار ويعد ديوان المظالم من أهم هذه الدوواين التي انشأتها الدولة الإسلامية للحماية من الفساد
– وبالإضافة لهذه الرقابة الإدارية كانت هناك أنواع اخري من الرقابة الوقائية أهمها الرقابة السيادية أوالرئاسية والرقابة الشرعية ، وكان لهذه الأنظمة متكاملة دور كبير في حماية الدولة الإسلامية من انتشار الفساد ، حيث وضع الاسلام رؤية شاملة للادارة احاطها بتشريعات وقائية ورقابية تمنع تطرق الفساد إليها، فقد اشترطت الشريعة الإسلامية فيمن يتولي أمرا من أمور المسلمين أن تتوافر فيه شروط الأمانة والقوة والرفق والإحسان والنصح والإبداع في خدمة المصلحة العامة ، كما وضع الاسلام مبادئ عامة نفس من الفساد الإداري اهمها اختيار الكفاءات لشغل المناصب العامة ليكون الرجل المناسب في المكان المناسب .
– وعملت الشريعة الإسلامية كذلك علي سد منافذ الفساد وقطع الطريق الموصل اليه عندما نتأمل قول الحق سبحانه ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) نهي إلهي عام من الله تبارك وتعالى عن كل أنواع الفساد ويعتبر الفساد الإداري اشد أنواع الفساد والذي عرفه المختصون بأنه( أزمة خلقية في السلوك تعكس خللا في القيم وانحرافا في الاتجاهات علي مستوي الضوابط والمعايير التي استقرت عزما أو تشريعا في حياة الجماعة وشكلت البناء القيمي في كيان الوظيفة العامة )
ومن أهم مظاهر الفساد الإداري: الرشوة التي لعن الله تعالي صاحبها وكل المتورطين فيها أو كما قال صلي الله عليه وسلم( لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما ) وقد سميت الرشوة بنص القرآن الكريم( سحتا ) قال تعالي [ واكلهم السحت ] وهو الحرام أو ماخبث من المال [ سماعون للكذب أكالون للسحت ] وقد اتفق المفسرون علي أن المقصود بالسحت الرشوة . وما خبث من المكاسب فلزم عنه العار وسميت بذلك لانها تسحت البركة وتذهب بها
ومن تعريفات الرشوة عند الفقهاء [ مايؤخذ بغير عوض ويعاب أخذه ، أو كل مال يدفع ليبتاع به من ذي جاه أو منصب عونا علي ما لا يحل ، وقيل هي : الوصلة الي الحاجة بالمصانعة .. ]
و من احسن وأشمل تعريفات الرشوة تعريف الامام الجرجاني( الرشوة : ما يعكس لإبطال حق أو لإحقاق باطل )
– ولتفشي الفساد الإداري والرشوة أبرز مظاهره أسباب وعوامل لابد من معرفتها للتصدي لها من ذلك :
ضعف الوازع الديني ، ووقوع الظلم في المجتمعات يدفع العامة للسوة اما خوفا علي أنفسهم أو أنها تفشت وأصبحت ثقافة عامة في بعض المؤسسات والمصالح، أيضا من الأسباب ضعف الرقابة والتفتيش علي الموظفين صغارهم وكبارهم ، وجود خلل في نظام السلطة الروتين والبيروقراطية فيصبح صاحب الحق غير قادر علي الوصول الي حقه الا بدفع الرشوة ، وجود الحاجة والطاقة والعوز وضعف الدخل ومحدوديتة مع ضعف التدين فتختفي القناعة والصبر وينطلق سعار الطمع والتطلع الي ما في أيدي الآخرين والتفنن في الحصول علي الأموال باي طريق كانت حراما أو حلالا .
علي من تقع مسؤولية مكافحة الفساد ؟
كلنا مسؤولون : أفرادا و أسرا و مجتمعات ، كل المؤسسات التشريعية والرقابية بمختلف انواعها وعلي رأسها القضاء ميزان العدالة في المجتمع ، وكل مؤسسات صناعة الوعي المجتمعي مؤسسات الاعلام بكل صوره وأشكاله التقليدي والجديد وكذلك مؤسسات الدعوة والإرشاد أو المؤسسات الدينية بشكل عام ولابد أن يجدد الخطاب الديني من نفسه ويضع أجندته الدعوية التي تراعي حاجات المجتمع الحقيقية وتعالج أمراضه المستعصية ومؤسسات التربية والتعليم موسسات التثقيف والتنوير ومؤسسات رعاية الشباب.
————————————
الدكتور محمود الصاوي
أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة – جامعة الأزهر.
التعليقات مغلقة.