إن الجامعات هى عقل المجتمع، وفكره النابض، تؤسس حضارته، و تبنى مستقبله، وبعقول أساتذتها ترسم إستراتيجيات الأوطان. فلا وطن بلا علم، ولا علم بلا جامعة، ولا جامعة بلا أساتذة. ولذلك فتحت الجامعة أبوابها لطلاب العلم ممن تخطوا درجتى البكالوريوس والليسانس. والتحق عدد لا بأس به من الفصيل المجتمعى بالدراسات العليا للاستزادة من مناهل العلم، ولفتح طرق أكثر عمقا فى المجالات المختلفة.
وفى مصر زاد الإقبال على التعليم الجامعى، واعتبروه حجر الزاوية لبناء الإنسان، والأساس فى تقدير المجتمع، مع تصاعد الانصراف عن التعليم الفنى قبل الجامعى والنظرة الدونية له. وفى ظل التزايد الشديد لعدد السكان الذى وصل إلى 113 مليون نسمة، كان التطلع للتعليم الجامعى هو الهدف لجل الشعب المصرى، ومن هنا فتحت الدولة عددا كبيرا من الجامعات الخاصة والأهلية، والمعاهد العليا بجانب الجامعات الحكومية، لتسد رغبات الشعب دون النظر لمتطلبات المجتمع وسد احتياجاته الأصلية. فنشأت البطالة لحاملى درجات البكالوريوس والليسانس.
وزاد التطلع من الخريجين لنيل درجتى الماجستير والدكتوراه، ليسدوا الأماكن الشاغرة فى هذا الهيكل الجامعى المفتوح حديثا. واعتبرها البعض وظيفة مرموقة دون النظر لمفهومها الأصلى وهو البحث العلمى الدافع لتطور المجتمع وإلحاقه بركب الحضارة، بينما نظر آخرين ليس بالقليل النظرة الصحيحة لها، ومن هنا كان لدينا عدة فئات فى هذا الهيكل، فئة من عينوا معيدين فى نفس كلياتهم وهؤلاء أيضا فئات: فئة نذرت نفسها للعلم، ولم يعقها عائق فأخذت تدرجها الطبيعى حتى وصلت لأعلى درجات العلم وهؤلاء لا خوف عليهم. وفئة متأخرة أعاقتها العوائق إما بسبب مسئولياتها الحياتية، أو تربص من سبقوها بها لإعاقة مسيرتها، فوصلت إلى سن المعاش دون الحصول على درجة الأستاذية التى تجعلها تكمل مسيرتها كحاضنات فكرية وهى قادرة على ذلك.
وفئة أخرى أسميها العابرة، وهى الملتحقة بالدراسات العليا دون التعيين فى الجامعات الحكومية، ممن كان لديها الشغف الحقيقى للعلم فاجتازت الاختبارات، وتدرجت حتى حصلت على الماجستير والدكتوراه وعينت فى كثير من الجامعات الأهلية والحكومية. مشكلة تلك الفئة العابرة أن كثيرا منها لديه منهجية البحث العلمى الحق، ولكن من منحوها درجاتها العلمية عوقوا مسيرتها، وأخروها حتى فرت سنوات عمرها، وفرقوا فى المعاملة بينها وبين فئة المعيدين التى عينت فى سن صغيرة، فخرج أغلب أصحابها إلى سن المعاش دون استكمال درجاتهم العلمية (الأستاذية)، ونظر لها المجتمع الجامعى الحكومى نظرة دونية، وربما فى تلك الفئات من أخلص للمسيرة العلمية أكثر ممن سلك طريقه العلمى منذ تخرجه.
فلماذا يحرم هؤلاء من لقب الأستاذية دون التقيد بسن المعاش؟! فمن قال إن هذه الدرجات مرتبطة بالناحية المالية، فيمكن النظر فى هذا القانون بأن من يحال للمعاش يظل مرتبطا ماليا بدرجته التى أحيل عليها دون تعيينه فى المناصب الإدارية فلا نزيد عبء الدولة، وفى نفس الوقت لانحرمه من ترقياته ومسيرته العلمية ونستزيد من علمه وسعة خبرته العملية. فالعالم الحقيقى قارورة عطر كلما مرت عليه السنون زادته قيمة وأريجا.
التعليقات مغلقة.