(خواطر) شطآن الأزل – المكان: ميناء سيدي بوسعيد-تونس
بقلم الاديبة التونسية _ وحيدة برينيس
“يتعفن الكلام في الفضاء إذا لم يكن مأخوذا من التراب،إذا لم يكن موغلا في أعماق التراب،إذا لم يكن مادا جذورا قوية في التراب” (ناظم حكمت)
ما أحزن الإنسان الذي يحس بالتيه و الضياع وما أتعس البشر حين يشعرون بالفراغ المميت الموحش،المنذر بالفناء وبنهاية وجودهم وجفاف عروقهم.فالإنسان قد يتساءل في لحظات جنونية عن سر الوجود ومعنى الخلود وعن صمت القبور لكن عليه أن لا يسأل عن معنى الحب أو عن قانون يحكمه لأنه سيضيع في بحر الشرك والوثن،فعندما تقع في الحب تعلن النفس تمردها عليك فتستسلم لها لتأخذك لأرض قصية ما رأتها عينك،عندها يستفيق العقل ليعلن الحرب فوق هذه الأرض فيسجن أرواحها ويعذب شياطينها ويحرق دواوينها الغابرة ويعلن أن حياة جديدة قد بدأت،ويعلن هذا العقل الحكيم أدامه الله أنه يشعر بالملل فيقرر الرحيل إلى أرض أخرى لا معالم فيها،أرض تحتفظ في جوفها بالأسرار،فيخيل له من فرط غروره وجنونه أنه ذو القرنين أو لقمان الحكيم وينسى هذا العقل أدامه الله أنه سيدفن في أرض الأسرار.وقد كتب الأديب ميخائيل نعيمة عن الأسرار في روايته “كان ما كان” فقال:” ألست ترى أن الناس يسيرون في الحياة أسرارا؟ فالإنسان يقترب من الإنسان بقدر ما يقترب المتشابهان في الظاهر:هذا سر وذاك سر.وهنا تنتهي القرابة ويبتعد الإنسان عن الإنسان بقدر ما يجهد كل في كتمان سره،أما ساعة يكشف الإنسان للإنسان سره ساعتئذ تنصرم فواصل الزمان وتتدانى مسافات المكان” .أيه العقل ألم تدرك أن الزمن يدور وقت تغافل المرء وانشغاله،ألم تدرك أيها الإنسان البغيض أنك مجرد قطرة في بحر الوجود الأعظم وأنه عند كشف الأسرار تحشر الأشباح في شق الآثار،إقترب أيها المخضرم فرؤيتك السطحية المعزولة لن تحقرك وسرك المكبوب لن يفضحك،ولتعلم أن البحر بلا شطآن كسفينة بلا ربان…
التعليقات مغلقة.