موقع اخباري شامل صادر عن مؤسسة تحيا مصر

بين الولاء والمبدأ: أزمة الشباب داخل الحياة الحزبية

0

بقلم : بدر كرم باحث ماجستير علوم سياسية

ليست هذه العبارة حكرًا على أنظمه او جهات بعينها ، بل تتسرّب في كثير من الأحيان إلى عمق الحياة السياسية الحزبية، خاصةً حين يتحول الحزب من كونه مساحة فكرية حرة، إلى مجرد نسخة مصغرة من الاستبداد.
وفي هذا السياق، لا يعود الحزب مدرسة لتنشئة القيادات الشابة، بل يصبح ساحة اختبار للولاء، وفلترًا يُقصي كل صاحب رأي وفكر مستقل.

 

1. الشباب بين الطموح والواقع

 

حين ينضم الشباب إلى حزب سياسي، يفعلون ذلك غالبًا بدافع الأمل:
أمل في التغيير، في التأثير، في أن يكون لهم صوت في صناعة مستقبل البلاد.
لكنهم يصطدمون سريعًا بحقائق مريرة:
أن القرار يُصنع في دوائر ضيقة،
وأن السؤال يُقرأ كاعتراض،
وأن كل من لا “يوافق” يتحول تلقائيًا إلى “خصم داخلي”،
فإما أن “تنافق” لتترقى،
أو “تفارق” لتنجو.

 

2. الديمقراطية الحزبية… شعار أم ممارسة؟

 

كم من الأحزاب تتغنى بالديمقراطية، بينما لا تطبقها حتى داخل لجانها الداخلية؟
كم من انتخابات حزبية تُحسم مسبقًا بالتوافقات لا بالتصويت؟
وكم من شاب موهوب أقصيَ فقط لأنه رفض أن يكون تابعًا؟
إن أزمة الأحزاب في عالمنا العربي – وفي مجتمعات كثيرة – ليست فقط مع السلطة، بل مع ذاتها:
أحزاب تطالب بالحرية من الدولة، لكنها تضيق بها داخل جدرانها.

 

3. ثقافة “الإرث” لا ثقافة “الفرصة”

 

في كثير من الأحزاب، القيادة تُورَّث، لا تُكتسب.
المواقع تُوزَّع بالولاء، لا بالكفاءة.
والشباب يُمنَحون هامشًا ضيقًا من الظهور، يُحدَّد غالبًا بإرادة “الكبار”، الذين يرون في أي شاب حر مشروع خطر، لا مشروع قيادة.
تُصبح المساحة المتاحة أمام الشباب مشروطة: أن تكون موجودًا، ولكن بلا رأي حاد. نشِطًا، ولكن غير مزعج. متحمسًا، ولكن مطيعًا.

 

4. أثر ذلك على وعي الجيل

 

حين يرى الشباب أن الحزب لا يختلف كثيرًا عن الفساد الذي يعارضه، تتولد في داخلهم أزمة هوية سياسية.
بعضهم ينسحب بهدوء، وهو يشعر بالخيانة لا لنفسه، بل للفكرة.
وبعضهم يُكمل، لكنه يُغيّر قناعاته، ويتحول من حامل لمشروع إصلاحي إلى باحث عن مقعد أو لقب.
وهكذا تفقد الأحزاب روحها، ويفقد العمل السياسي أحد أنقى موارده: الشباب الصادق الذي جاء ليعطي، لا ليأخذ.

 

5. ما المخرج؟

 

لن تنهض الحياة الحزبية إلا إذا تحررت من هذا المنطق الإقصائي.
إن الحزب الحقيقي هو الذي يرحب بالأسئلة قبل التصفيق،
ويحتضن الخلاف قبل التوافق،
ويصنع مسارات حقيقية لتمكين الشباب، لا ديكورًا لتجميل صورته.

علينا أن نستبدل “إما أن توافق أو تنافق أو تفارق” بـ:
“إما أن تُقنع أو تُقنَع أو تتوافق”…
بهذا فقط نضمن أن تظل الأحزاب مدارس للمستقبل، لا نسخًا مكررة من الماضي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.