وضعت الدول العربية قوانين تنظم الملكية الفكرية وتحميها، ودخلت جميعها في الاتفاقات الدولية لحماية حقوق هذه الملكية كما انضمت أكثر الدول العربية إلى اتفاقية انشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO.
وجدير بالذكر أن دول مجلس التعاون الخليجي تعمل بأحكام نظام براءات الاختراع تنفيذاً للاتفاقية الاقتصادية الموحدة لدول المجلس الموقعة في الرياض عام 1981، ولقرار المجلس الأعلى لمجلس التعاون عام 1992.
وصدرت قرارات وزراء التجارة والصناعة والكهرباء بالعمل بأحكام النظام الأساسي لمكتب براءات الاختراع بهدف دعم التعاون العلمي والفني المشترك بين الدول الأعضاء وتشجيع الابتكارات المحلية وتطويع التكنولوجيا المستوردة. وطبقاً لأحكام هذا النظام، فإن البراءة هي الوثيقة التي يمنحها مكتب البراءات لمالك الاختراع ليتمتع اختراعه بالحماية القانونية داخل مجلس التعاون، طبقاً لأحكام هذا النظام ولوائحه. وأوضح هذا النظام ضرورة أن يكون الاختراع جديداً ومنطوياً على خطوة ابتكارية وقابلاً للتطبيق الصناعي ولا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية أو النظام العام أو الآداب العامة في دول مجلس التعاون.
والملاحظ أن اهتمام العالم بدول الخليج، خصوصاً دول مجلس التعاون، ازداد حين ارتفعت أسعار النفط الخام وبدأت دول المجلس تنفيذ خطط تنموية طموحة لبناء دولها واقتصاداتها ومجتمعاتها، ومع تدفق الأموال الضخمة في تلك الآونة ارتفعت نسبة الاستهلاك في تلك المنطقة، وسعت الشركات العالمية إلى المنطقة بحثاً عن الأرباح والمشاريع، فظهرت مشاكل عدة في مقدمها مشكلة البضائع والمنتجات المقلدة التي تعتبر مشكلة عالمية، وقد اغفلت هذه الشركات محاربة تلك الظاهرة آنذاك لأن حجم الأرباح التي كانت تحققها كان كبيراً، مما جعلها تغض النظر عن بعض المنافسات غير القانونية كالتقليد والغش التجاري.
لكن انخفاض أسعار النفط منتصف الثمانينات ومن ثم اشتعال حرب الخليج أديا إلى دخول المنطقة مرحلة ترشيد الإنفاق والاستهلاك، فبدأت الشركات العالمية البحث عن أسباب نقص حصصها في الأسواق وطرق معالجتها، وفوجئت بقوة الشركات العاملة في مجال تقليد المنتجات والمتمركزة في جنوب وشرق آسيا. ولذلك أصبح أمراً عادياً رؤية المنتجات المقلدة لمختلف المنتجات من قطع غيار سيارات ومستحضرات التجميل لأشهر أو أنجح الماركات الموجودة في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، وبدأت الشركات البحث جدياً في كيفية محاربتها، فشددت دول الخليج تطبيق قوانين حماية الملكية الفكرية وهي التي كانت حريصة على حماية المستهلك لديها سواء كان مواطناً أو مقيماً من التقليد أو الغش في البضائع.
في السعودية، مثلاً، تعددت الأنظمة في محاولة جادة للضبط والربط. وليس أدل على ذلك من قانون المحكمة التجارية وقانون العلامات التجارية الفارقة وقانون مكافحة الغش التجاري، إضافة إلى قوانين حماية المستهلك وقرارات انشاء مختبرات الجودة والنوعية لدى وزارة التجارة، وجميعها أنظمة قائمة وموجودة منذ زمن طويل ووضعت لمعالجة هذه الظاهرة والقضاء عليها في المهد، ليس فقط من منظور محلي ضيق، وإنما من منظور أكثر شمولاً، إذ أن لحماية العلامات التجارية فوائد اقتصادية كبيرة.
ويبقى السؤال: ما هي وسائل حسم منازعات هذه الحقوق في البلدان العربية؟ فوسيلة حسم المنازعات أصبحت هي الضمان وهي الضوء الأخضر الذي يشترطه التوظيف والتجارة الدوليان قبل الدخول إلى أي حقل.
وفى إطار القوانين الوطنية لحل منازعات التجارة بوجه عام ومن بينها منازعات الملكية الفكرية ، واستجابة للمتغيرات الاقتصادية العالمية، ومع بداية تطبيق نظام الاقتصاد الحر الذى تشكل سياسة جذب الاستثمارات الوطنية والعربية والأجنبية قاعدة الأساس فى تفعيل حركته صدر العديد من القوانين ذات التأثير المباشر على النشاط الاقتصادى بوجه عام استهدفت توفير مناخ آمن للاستثمار، بيد أن هذه القوانين الموضوعية ظلت بحاجة الى قانون إجرائي خاص يوفر نظاماً قضائياً يسير على القواعد والأصول التى استقرت فى المعاملات التجارية الدولية، ولما كان التحكيم هو الأسلوب السائد فى هذه المعاملات فقد أصدرت الدولة مؤخراً نظام التحكيم ، فالتحكيم قضاء اتفاقياً ومن أكثر الآليات ذيوعاً وفاعلية فى العصر الحديث الذى يولى اعتبارات التجارة أهمية كبرى، وينزلها منزلاً علياً فى منظومة الحياة المعاصرة ويتمثل ـحسب أصله ـ في عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها ليفصل هذه المحكم فى ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة مجرداً عن التحامل وقاطعاً لدابر الخصومة فى جوانبها التى أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية.
ولكن لابد من لفت الانتباه الى أمرين:
أولاً: ان التحكيم ليس حلاً مثالياً بحد ذاته لحقوق الملكية الفكرية. إذ لابد من التفريق بين منازعات الملكية الفكرية الداخلية ومنازعاتها الدولية. وليس هناك ما يضير حقوق الملكية الفكرية ويقلل من حمايتها في المنازعات الداخلية أن تبقى في عهدة قضاة لهم خبرة طويلة، كأن تذهب هذه المنازعات أولاً ومباشرة إلى غرفة خاصة بين غرف محكمة الاستئناف.
أما المنازعات الدولية، فأين يجب أن تقام؟ وفي أي بلد وأمام أي قضاء؟
ثانياً: ان منازعات حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتزوير واغتصاب الاسم أو اغتصاب وسرقة الابتكار أو الاختراع أو العلامة… الخ، أو بمخالفة الأنظمة الإدارية، سواء كانت داخلية أو دولية، يغلب عليها الطابع الجزائي في أكثر الأحيان، وهي خارج أي بحث حول قابليتها للتحكيم، فالتحكيم بين من ومن؟ بين اللص الذي اغتصب الابتكار أو العلامة الفارقة وبين صاحب هذه العلامة!؟
إن منازعات الملكية الفكرية مطروحة كثيراً في العالم على الصعيد الدولي وعلى صعيد عقود استثمار هذه الحقوق، وتنصب التوظيفات الخيالية لتنهض بالاقتصاد والتجارة ولتحقق الازدهار والنمو والرخاء. ولأن هذه الحقوق تحتاج إلى الحماية، فإنها تتعقد وتتشابك وتضيع إذا حصرت في قضاء دولة ما، ونحن نعيش في إطار العولمة نظراً إلى الطبيعة الدولية لهذه الحقوق.
من هنا فإن الصراع الدائر منذ نصف قرن هو بين قابلية وعدم قابلية منازعات الملكية الفكرية للتحكيم الدولي، والذي هو في الحقيقة صراع بين حماية حقوق الملكية الفكرية وعدم حمايتها في عالم أصبح قرية صغيرة.
فإذا حصل نزاع على براءة اختراع الكترونية… أين يجب أن تقام الدعوى؟ وأي اجراءات ستخضع لها محاكمة داخلية محلية في نزاع هو دولي صارخ! ومن هم القضاة الذين سينظرون في الخلاف ووفقاً لأي نظام قانوني؟ وكم سيدوم خلاف معقد إلى هذا الحد؟ هل يبقى لصاحب الحق حق… بعد عمر طويل تستمر فيه الدعوى؟
إن العقبات والحواجز التي كانت تعترض طريق التحكيم في منازعات الملكية الفكرية آخذة في التساقط. ففي تحكيمات غرفة التجارة الدولية، على سبيل المثال، يدلي المدعى عليه دائماً بأن النزاع هو من الاختصاص الحصري للمحاكم الوطنية وان المحكمين يجب أن يعلنوا عدم اختصاصهم. وفي إحدى الدعاوى التحكيمية على سبيل المثال، أثار مستثمر براءة اختراع في دعوى صاحب البراءة عليه، عدم قابلية النزاع للتحكيم وفقاً لقانون براءات الاختراع الفرنسي الصادر سنة 1968 وأدلى بأن المحاكم القضائية هي وحدها صاحبة الاختصاص، ورد الحكم التحكيمي دفعه بالقول إن “القاضي الفرنسي مختص وحده بنظر منازعات صحة وإبطال براءة الاختراع ولكن المحكم يبقى مختصاً لحسم خلافات استثمار براءة الاختراع”.
وإذا كان المحكمون يعتبرون أنفسهم غالباً مختصين بنظر منازعات الملكية الفكرية، فإنه في نزاع تحكيمي يدور حول تصنيع يجري وفقاً لرسوم مؤجر حق استثمارها، أدلى المدعي بأنه بعد انتهاء مدة عقد استثمار هذه الرسوم، فإن الذي كان يستثمر هذه الرسوم تابع صناعتها تحت رسوم مشابهة بما يشكل منافسة غير مشروعة. في هذا النزاع رد المحكمون الدعوى لعدم قابلية النزاع للتحكيم باعتبار أن القانون الفرنسي الصادر سنة 1964 حول “العلامة الفارقة” قد حصر في القضاء منازعات “العلامة الفارقة” حين يتلازم موضوع العلامة مع المنافسة غير المشروعة.
ويطرح في التحكيم الدولي أحياناً موضوع عدم قابلية النزاع للتحكيم لأنه من اختصاص السلطة الإدارية وليس من اختصاص القضاء الإداري، في حالات كهذه، ليس الموضوع موضوع قابلية النزاع للتحكيم، بل قابلية النزاع لعرضه على القضاء طالما أنه حتى لو عرض على القاضي الإداري، فإنه سيرده لعدم الاختصاص باعتبار أن الاختصاص يعود للسلطة الإدارية والقضاء الإداري رقيب عليها.
التعليقات مغلقة.