اهتمت دراسة علمية بقسم التاريخ الحضارة في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بأسيوط بأحد مخطوطات التراجم التي كتبت ببلاد الشام أواخر العصر المملوكي، وتركَّز اهتمام الدراسة تحقيق ودراسة هذا المخطوط الذي تخصص في تراجم علماء وفقهاء عصر المؤلف حيث اقتصره على من عاصره منه ممن مشايخه ومن سمع عليه أو روى عنه، ثم ذكر من هم في سنه من أقرانه، ثم ختم المخطوط بتراجم الأتباع سواء تعلموا على يديه أو على من عاصروه، وكانت الدراسة بعنوان ” العنوان في ضبط مواليد ووفيات أهل الزمان للنعيمي ت: (927ه/ 1521م) تحقيق ودراسة”، للباحث: عاطف يمني أحمد السيد، مدرس التاريخ والحضارة الإسلامية المساعد بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر بأسيوط، لنيل درجة الدكتوراه.
وقد سعت الدراسة إلى بيان مكانة النعيمي كواحد من مؤرخي أواخر العصر المملوكي من خلال دراسة شخصيته وإبراز أهم جوانبها، وإبراز قيمة الكتاب العلمية، وما الذي يمتاز به؟ وما هي الفئات التي ترجم لها المؤلف فيه؟ بجانب نشر أحد كتب التراث الإسلامي الأصيل في وقت شاع التشكيك فيه والتقليل من مكانته والنيل منه.
وقد قام الباحث بالوقوف على أغلب النسخ المتاحة من هذا المخطوط فتمكن من الوقوف على النسخة المحفوظة بمكتبة جامعة لايبزك واعتمدها كأصل ورمز لها بالرمز (أ)، كما توصل إلى نسخة أخرى بمحفوظة بدار الكتب المصرية لها أكثر من صورة ورمز لها بالرمز (د)، ثم نسخ الأصل وقسمه إلى فقرات وقام بترقيم التراجم ووضع عناوين للتراجم غير المعنونة، ثم قابل الأصل بالنسخة (د) وأشار إلى ما بين النسختين من فروق أثناء المقابلة، واستكمل ما نقص في إحداهما من الأخرى، كما قام بإصلاح ما في النص من تحريف أو تصحيف أو خطأ لغوي في بعض الكلمات وأثبتها بشكلها الصحيح في النص، ثم أشار إلى ما بها في الهامش.
ثم قام بتخرّيج كل التراجم التي ترجم لها مؤرخين آخرين، ورتبت مصادر هذه التراجم حسب تسلسل مؤلفيها الزمني، بالتعريف بما ورد بالتراجم من أعلام وأماكن ومنشآت مع الإشارة إلى المصادر التي استقي منها ذلك، بالإضافة إلى التعريف بالكتب الواردة في النص عن طريق الرجوع إلى كتب الفهارس المختلفة.
أضف إلى ذلك أنه عني بتوضيح بعض الألفاظ اللغوية، والتعريف بالمصطلحات التي تتعلق بالوظائف والألقاب والملابس ولغة الكاتب وأسلوب العصر عن طريق الرجوع إلى كتب المصطلحات ومعاجم التاريخ واللغة.
وكذلك اهتم الباحث بعمل دراسة موسعة عن المؤلف والمخطوط فتحدث عن معالمُ عصرِ النعيميِّ وشخصيّتِه، ووصف المخطوط وصفًا شملاً تناول فيه اسم المخطوط ونسبته ونسخه، وتاريخ ودوافع تأليفه، وأهميته، ورسم حروفه، والحواشي والتعليقات به، والرموز والعلامات المستخدمة فيه.
كما فصل الحديث عن الخطة العامة للمخطوط فتناول مقدمة المخطوط ومحتواه وتنظيمه، وأسلوبه، والإحالة فيه، ثم ختم الجزء الخاص بدراسة بالحديث عن منهج المؤلف وموارده في كتابه، فذكر سمات منهج النعيمي في عرض التراجم، وعناصر التراجم التي شملتها تراجمه، ثم عرج إلى موارده المكتوبة والغير مكتوبة التي استقى منها مادته.
وبعد دراسة مستفيضة للتراجم التي أوردها النعيمي وتحقيق مخطوط (العنوان في ضبط مواليد ووفيات أهل الزمان) وذيله الذي أضافه ابنه، ودراسة عصر المؤلف وحياته قد توصل الباحث إلى مجموعة من النتائج منها: أنَّ النعيمي كان أحد العلماء الموسوعيين البارزين الذين عاشوا (أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العاشر الهجري/أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر الميلادي)، أواخر العصر المملوكي وأوائل العصر العثماني، وأنه كان شافعي المذهب دمشقي الموطن ولد وتوفي بها، وأنه كان يمتاز بثقافة واسعة وأنه اضطلع بعلوم متنوعة، وكشف لنا البحث عن تنوع مؤلفات النعيمي، حيث كتب في الحديث والفقه والتاريخ والتراجم وغيرهم، وأن عدد كبير من هذه المؤلفات فُقد فلم يتم العثور عليه، أبانت الدراسة أنَّ المخطوط- محل الدراسة والتحقيق- يعد من مؤلفات النعيمي الأخيرة التي كتبها أواخر حياته، بل يرجح أنه يكون آخر ما كتبه، والدليل على ذلك أن النسخة الأصل التي تم الاعتماد عليه منه عبارة عن مسودة مات ولم يبيضها، وأن ابنه اكمل فيها بعض وفيات تراجم من توفوا بعد والده، وأظهر البحث أهمية المخطوط الكبيرة، وفي مقدمتها أنه عرفنا على عدد كبير من فقهاء بلاد الشام ومصر الذين عاشوا في هذه الحقبة من الزمن أواخر العصر المملوكي، وأنه كان مصدرًا لمن جاء بعده من مؤلفات، وأنه قدم لنا العديد من البلدان، والأماكن، وكثير من المنشآت المعمارية المختلفة من مساجد، ومدارس، وزوايا، خوانق، ومقابر.
كما توصل الباحث تبين إلى أن المؤلف قد انفرد فيه بـ (26) ترجمة عن مصادر التراجم السابقة أو العاصر أو التي جاءت، وأن المؤلف أكمل فيه ما نقص في كتب من سبقوه كالسخاوي وغيره من تراجم وعددها (94) ترجمة، فأضاف عليها مالم يذكره هؤلاء تراجمهم لهم، وأن المخطوط احتوى (44) ترجمة، ذكرها المؤرخين اللاحقين للمؤلف في حين لم يذكرها أي من معاصريه مما يرجح أن كتاب كان كمصدر لهم رغم عدم إشارتهم إليه، وأخيرًا تمكن من إثبات أن هناك (19) ترجمة نقل المؤرخين اللاحقين له بعض أجزائها نصًا من كتابه، كابن طولون والغزي وابن العماد وابن الملا الحصكفي وغيرهم.
وقد أوصت الدراسة بعدة توصيات من أهمها: بضرورة الاهتمام بفتح المجال لتحقيق مزيد من المخطوطات التاريخية لا سيما كتب التراجم التي أُلّفت أواخر العصر المملوكي والتي تكشف النقاب عن كثير من الشخصيات والأحداث التي انفردت بها هذه الفترة، مثل كتاب عرف الزهرات لابن طولون، الجزء الذي يضم الحوادث والتراجم (866-870ه)، من كتاب إظهار العصر للبقاعي، والفترة التي تضم الحوادث والتراجم (909-913ه) من كتاب حوادث الزمان للحمصي، وكذلك أشارت إلى أهمية دعوة الباحثين والناشرين إلى إعداد دراسات علمية مستقلة عن مؤلفات النعيمي في شتى العلوم، والبحث والتنقيب عما فقد منها، كما أوصت الدراسة بأهمية دعوة الباحثين وتشجيعهم على الاهتمام بالتراث الاسلامي وإحيائه من خلال إعداد دراسات علميه حول مؤلفات علم ما أو تحقيق مصنفات أي من هؤلاء، وضرورة التعاون العلمي بين المراكز البحثية في كافة مجالات التاريخ الإنساني، لاسيما مجال التاريخ الإسلامي وتحقيق المخطوطات خاصة.
يُذكر أن لجنة الإشراف على الرسالة تكوَّنت من الأستاذ الدكتور محمود عبده نور الدين محمد أستاذ التاريخِ والحضارةِ الإسلاميةِ بقسم التاريخ والحضارة بكلية اللغة العربية بأسيوط مشرفا أساسيا، والأستاذ الدكتورحمادة مصطفى إسماعيل سيد أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية اللغة العربية بأسيوط، ووكيلِ الكلية لشئونِ التعليمِ والطلابِ مشرفا مشاركا.
وقد ناقش الرسالة الأستاذ الدكتور إمام الشافعي محمد حمودي أستاذُ التاريخِ والحضارةِ الإسلاميةِ بكلية اللغة العربية بأسيوط، وعميدِ كليةِ البناتِ الأزهريةِ بالمنيا الجديدةِ مناقشا داخليا، والأستاذ الدكتور أسامة محمد فهمي صديق أستاذُ التاريخِ والحضارةِ الإسلاميةِ، ورئيسُ قسمِ التاريخِ بكليةِ الآدابِ جامعةِ أسيوط، ووكيلُ الكليةِ (سابقًا) مناقشا خارجيا. وقد أوصت لجنة المناقشة والحُكم بمنح الباحث درجة العالمية (الدكتوراه في التاريخ والحضارة) تخصُّص التاريخ والحضارة الإسلامية بدرجة مرتبة الشرف الأولى.
التعليقات مغلقة.