أحمد رفعت – يكتب
كيف عرف المصريون؟ أترك ذلك السؤال.. كيف وصلوا إلى داخل المعبد وصوروا اللقاء؟!
بخليط من التواضع والحزم كان الفريق عبدالمنعم رياض فى استقبال أمير شهداء مصر إبراهيم الرفاعى.. كان التكليف واضحاً وقصيراً فى نفس الوقت «إسرائيل نشرت صواريخ أرض أرض على الضفة الشرقية للقناة.. عايزين صاروخ واحد يا رفاعى نفهم هو إيه وإيه تأثيره علينا».. هذا النوع من التكليفات كان هو النوع الذى يحبه البطل الأسطورى إبراهيم الرفاعى.. الذى كان يجيد اختصار الزمن إلى حدود مذهلة.. ورغم اعتماده على أبطال عظام أطال الله أعمارهم، الرائد وقتها سمير نوح، والرائد وقتها محيى نوح وغيرهما.. ومما يزيد الثقة فى نجاح عملياتهم وفعلوها فيما بعد عشرات المرات، منها عملية تدمير الموقع الذى أطلقت منه القذيفة التى أدت لاستشهاد البطل رياض نفسه ثأراً له، كما أمر جمال عبدالناصر أن يتم الثأر قبل حلول ذكرى الأربعين لاستشهاده وتمزيقهم لجثث 44 إسرائيلياً بالكامل بعد أن هدموا الموقع على من فيه «وجابوا» عاليه واطيه كما يقولون.. إلا أن هذه العملية معقدة.. تستلزم الدخول للمواقع الإسرائيلية فى الأسابيع الأولى من عام 1968، حيث التحصينات حديثة وعلى أشدها.. ثم تفكيك الصاروخ.. وحمله والعودة به.. ومطلوب أن يتم ذلك دون خسائر ودون أن يشعر أحد والعودة السالمة الغانمة!
التفاصيل كما للقصة السابقة لا يستوعبها المقال.. إلا أن الرفاعى عاد ليس بصاروخ واحد إنما بثلاثة صواريخ.. وعاد برجاله بهدية بسيطة لجمال عبدالناصر وللوزير محمد فوزى ولرئيس الأركان عبدالمنعم رياض.. كان أول أسير إسرائيلى فى حرب الاستنزاف «دانى شمعون» بطل إسرائيل فى المصارعة، لكن بطلنا سمير نوح كان أقوى وسيطر عليه وحملوه وعبروا القناة وعادوا! كيف دخلوا للمواقع الإسرائيلية؟ أين الحراسة؟ أين القوات؟ وكيف فككوا الصواريخ من قواعدها؟ وكيف عادوا بها دون خسائر؟ كل ذلك ناقشته صحف العالم فى الفضيحة الكبرى.. لكن.. هذا ما جرى!
كان التكليف للرائد وقتها محمد رفعت جبريل الشهير بالثعلب واضحة.. إسرائيل اختارت إحدى دول أوروبا الشرقية لعقد اجتماعات بين رجال الموساد فى أوروبا بها وبينهم وبين رجال مخابرات دول أخرى.. المكان فى إحدى الشقق فى بناية سكنية عادية جداً محاولة للتمويه، والمطلوب معرفة ما يدور فى اللقاءات!! معرفة ما يدور فى اللقاءات يعنى إما تجنيد أحد الحضور أو وضع أجهزة تنصت! التجنيد يستغرق وقتاً للتحرى ومراقبة والسيطرة على العميل المطلوب ولا وقت لذلك، إذ إن حرب أكتوبر اقتربت ومطلوب معرفة مواقف دول بعينها.. إلى البلد المقصود كان جبريل ورجاله.. وبعد أيام كان عندهم معلومات عن كل شىء.. المقر المقصود والدور الذى يقع به ومساحته وأماكن الدخول للمبنى كله والخروج منه وقسم الشرطة القريب منه واسم حارس العقار وزوجته وكل ما له صلة بالموضوع.. إشارة إلى القاهرة يطلب فيها جبريل كهربائياً ونقاشاً وفنيين آخرين.. كان الطلب غريباً جداً.. لكن على الفور أُرسلوا إلى هناك بجوازات سفر مختلفة، وما هى إلا وقت قصير ومع الضابط المصرى نسخة من مفتاح المقر السرى، وفى زمن قياسى كان فنى الكهرباء مع فنى الاتصالات يضعان أجهزة التنصت داخله، وكان يجب إخفاؤها تماماً، وهذا لا يتم إلا بوضعها داخل الجدران وليس خارجه، وهذا يتطلب هدماً وتكسيراً، ولكن تكفل النقاش بعودة ليس الحائط فقط إلى طبيعته وإنما ألوان الغرف كلها كما لو أن شيئاً لم يحدث وجفت الألوان الجديدة بذات درجة الألوان فى زمن قياسى قبل أن يشعر أحد بشىء!! ونقلت الاجتماعات بالكامل إلى القاهرة ثم إلى الرئيس مباشرة!
انتهت المساحة المحددة.. كنا نأمل أن نكتب عن عملية الحفار الشهيرة وكيف عرفت مصر بتعاقد إسرائيل مع كندا عليه وكيف سينقل، ومتى سينقل، ومتى سيصل إلى سواحل أفريقيا، وكيف يمكن إدخال فرق المخابرات والضفادع البشرية، وكيف يمكن التمويه بفيلم سينمائى هو «ابن أفريقيا» وليس «عماشة فى الأدغال» كما تردد وعشرات الأسئلة لكن ربما كان للمقال بقية..!
الخلاصة.. فى مصر رجال تخصصوا فى صناعة المستحيل.. ومصر الآن بين أيد مؤتمنة.. ليست قوتها فقط فى السلاح رغم توافره.. وإنما فى العقول والإرادة القادرة على أى شىء.. وكل شىء!
نعم.. أى شىء.. وكل شىء!!
المصدر:الوطن
نصر الله مصر
التعليقات مغلقة.